تبادل أفكار بين بكين وواشنطن حول نظم التعليم

ما بين المناهج المنضبطة والتفكير النقدي المتحرر

TT

كان الصف الدراسي في مدرسة غاوياكو الابتدائية المركزية، يقع على بعد ساعة خارج بكين، وليس بعيدا عن السور العظيم، ولكنه كان بسيطا وباردا. ولم يكن هناك ما يزيد على علم صيني ولوحة كتابة. غير ان الطلاب، الذين يرتدون معاطف الفرو والوشاحات الملونة، كانوا يتميزون بالنشاط، وهم جالسون في صفوف من اثنين أو ثلاثة، ويحاولون التوصل الى أجوبة عن سلسلة من تمارين النحو.

وقد يكون معلم أميركي يسير باتجاه هذا الصف مرتبكا بسبب الافتقار الى وسائل الراحة، ولكنه يمكن بالتأكيد أن يميز طرق التدريس التي تتبعها المعلمة النشطة كاي ليمي التي تبلغ من العمر السابعة والعشرين.

وعلى الرغم من انها تقوم بالتدريس في مدرسة تبدو من الخارج لم تتغير كثيرا عن ايام حكم ماو فان كاي تقف في انجاز الاصلاح التعليمي الصيني، باستخدام مناهج اعتمادا على تلك المناهج المستخدمة في الولايات المتحدة. وقالت «في زمني عندما كنت طالبة، كنا نتقبل ما يجري تعليمنا اياه فحسب». أما الآن فإنها، كمعلمة، تحاول أن تشجع على «التفكير الأكثر حيوية»، الذي يوفر للطلاب فرص تحديد الاجوبة بأنفسهم»، مشيرة الى أن «الوضع افضل في الوقت الحالي».

أفضل العالمين في نواح كثيرة تمثل الصين والولايات المتحدة الين واليان (عنصري المؤنث والمذكر في الجانبين السلبي والايجابي) في التعليم العالمي. ففي حين أن النظام التراتبي للصين يضع تأكيدا أعلى على التعلم المنضبط الصارم تتسم الولايات المتحدة بنظام لامركزي يضع أهمية اكبر على التفكير النقدي والتعلم «المتمركز حول الطالب».

غير أن النظامين الصيني والأميركي يتخذان في السنوات الخيرة خطوات متواضعة باتجاه بعضهما بعضا، متعلمين ومتبنين ما يفعله الآخر على افضل نحو.

ويدرس المربون الأميركيون سبب تفوق الطلاب الصينيين والآسيويين في الرياضيات والعلوم، ويحاولون تطبيق بعض نتائج دراستهم على الصفوف الدراسية الأميركية.

ويحاول الصينيون، بالمقابل، ان يستخلصوا العبقرية الأميركية في الابتكار، مدركين أن النظام التعليمي الأميركي، على الرغم من كل عيوبه، لا يضارع في تنشئة العقول الابداعية، أي عقول المبتكرين والمخرجين السينمائيين ونجوم الروك أند رول والحائزين جائزة نوبل من بين آخرين.

وقال جو مانشينغ الذي يدرس النظام التعليمي الأميركي في دوره كمساعد لمدير المركز القومي لأبحاث التنمية التعليمية في الصين، إن «النظامين لا يمكن أن يندمجا كلية. وما يمكن أن يفعلاه هو التوصل الى فهم عميق للنظامين التعليميين لبعضهما البعض، ومحاولة التعلم من ذلك». وتبنى المجلس القومي لمدرسي الرياضيات في الخريف الماضي سياسة تحث المدارس الأميركية كي تركز على دراسات الرياضيات في ثلاثة مجالات أساسية في كل مرحلة دراسية ابتداء من الروضة وحتى السنة الثامنة. وهذه الفكرة، حسبما ذكر ميلغرام، جاءت من برنامج دراسي آسيوي. مع ذلك قال إن المدارس الأميركية ستجد تقليد نظيراتها الآسيويات صعبا جدا، إلا إذا تحسنت قدرات المعملين الرياضية في المدارس الابتدائية.

وللصين تقاليد قوية في تدريس الرياضيات، تعود إلى آلاف السنوات، لكن ليس من السهل تطبيقها على التقاليد التربوية الأميركية. ومع ذلك لن يمنع الأخيرة من المحاولة.

فتحت قيادة جو وزملائه يمر نظام التعليم الصيني بمراجعة واسعة منذ عام 1999 حينما ادركت الحزمة أن التطور الاقتصادي الانفجاري، لا يمكن الاستمرار فيه من دون قوة عمل متعلمة بشكل أفضل من القاعدة إلى القمة، ومن دون تحسين أداء المدارس الريفية ومضاعفة حجم نظامها التعليمي بأربع مرات، وجلب التفكير النقدي والإبداع إلى قاعات الدرس.

وقال جو في مقابلة أجراها ببكين: «تريد الصين أن تصبح أمة كبيرة في مجال الابتكار في القرن الواحد والعشرين، ولتحقيق هذا الهدف تريد الصين أن تطور مواهب خلاقة أكثر».

ولتحقيق ذلك قامت وزارة التربية بتجديد المنهاج الدراسي القومي وبدأت بتدريب المدرسين بأسلوب تفاعلي. وسيكون هناك حفظ أقل وتفاعل أكثر بين الطلبة والمدرسين وتمارين أكثر مثلما هو الحال في مدرسة غاوياكو الابتدائية، حيث يعمل التلاميذ ضمن مجموعات.

وقالت فيفيان ستيوارت نائبة رئيس اتحاد آسيا للتعليم، وهي منظمة متمركزة في نيويورك، وتسعى إلى تعزيز العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، إنه بأخذ النظر بحكم قاعات الدرس، فإن هناك غالبا ما بين 50 إلى 60 تلميذا في الصف الواحد، ولذلك فإنه «من الصعب تصور كيفية أداء الكثير من المشاريع التربوية».

وأضافت: «إنه مجتمع منظم جدا، وحينما يرسم اتجاها ما فإنه يكون قادرا على دفع الأمور كلها بذلك الاتجاه».

وقال جانغ شونوغ نائب مدير مدرسة غاوياكو النموذجية، إن الطريقة الجديدة «تشجع التلاميذ على التفكير المفتوح، بينما كنا في السابق نجعلهم يحفظون الأشياء، الآن هم يحفظون أقل ويفكرون أكثر».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)