«شم النسيم».. أقدم احتفال شعبي عرفه التاريخ

المصريون احتفلوا بقدوم فصل الربيع بالخروج إلى ضفاف النيل وتناول «الفسيخ» والبيض

TT

يحتفل المصريون اليوم بعيد «شم النسيم» وهو عيد مصري أصيل يحتفل به المصريون منذ أيام الفراعنة؛ بالخروج إلى ضفاف النيل والحدائق العامة والمتنزهات وتناول أطعمة معينة أغلبها من الأسماك المملحة والبيض. واهتم قدماء المصريين بقدوم فصل الربيع فكان مناسبة لديهم لاقامة أفراح عظيمة تغنى فيها أناشيد جماعية تنشدها السيدات المشتركات في المواكب مع أصوات القيثارات والاغاني والاناشيد المصاحبة لحركات الرقص. ويتحول الاحتفال بـ«شم النسيم» مع إشراقة شمس اليوم الجديد إلى مهرجان شعبي، تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة، فيخرج الناس إلى الحدائق والحقول والمتنزهات. وقد تعود المصري القديم أن يبدأ صباح هذا اليوم كما جاء في البرديات القديمة، باهداء زوجته زهرة من اللوتس وكان المصريون القدماء يطلقون على هذا اليوم عيد الربيع.

وترتبط اعياد المصريين دائما بالظواهر الفلكية وعلاقتها بالطبيعة ومظاهر الحياة التى يعيشونها، وأيضا الحياة الأبدية بعد الموت وقد حدد موعد الاحتفال بعيد الربيع باليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار حيث كان عيد الربيع في التقويم الفرعوني القديم يقع في الاعتدال الربيعي أي عندما تعبر الشمس خط الاستواء ويقابل ذلك يوم 21 مارس (آذار) في التقويم الميلادى الحديث. وكانت أعياد الفراعنة ترتبط بالظواهر الفلكية وعلاقتها بالطبيعة ومظاهر الحياة ولذلك احتفلوا بعيد الربيع الذي حددوا ميعاده بالانقلاب الربيعي وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل، ويقع في الخامس والعشرين من شهر برمهات وقد أطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم «عيد شمو» (أي بعث الحياة) الذي يعرف اليوم باسم «عيد الربيع» أو «عيد شم النسيم» كما كان عيد الاله «مين». وحرف الاسم على مر الزمن وخاصة في العصر القبطي إلى اسم (شم) وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تعلن وصوله. و«شم النسيم» عيد فرعوني عرفه الناس منذ الدولة المصرية القديمة، وظلوا يحتفلون به بنفس الطقوس رغم تعاقب العصور والسلطات المختلفة التي حكمت مصر ورغم تغير الديانات من الوثنية إلى المسيحية إلى الإسلام. ويأكل المصريون فيه البيض الملوَّن والفسيخ. وكان الفراعنة يحتفلون بعيد شم النسيم إذ يبدأ ليلته الاولى أو ليلة الرؤيا بالاحتفالات الدينية ثم يتحول مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه جميع طبقات الشعب كما كان فرعون وكبار رجال الدولة يشاركون في هذا العيد.

واعتبر المصريون القدماء هذا العيد الذي اعتبروه عيدا للخصوبة، رؤوس الخس لاعتقادهم في أن الخس ذلك النبات ذو العصير الابيض له خواص مقوية جنسيا.

وكانوا يتناولون فيه السمك والبصل والبيض وصارت تلك المأكولات مظهرا ثابتا من مظاهر الاحتفالات بأعياد الربيع في مصر منذ نهايات العصر الفرعوني وبدايات العصر القبطي وبات تناول المصريين لتلك الاطعمة من العادات الباقية حتى اليوم.

ويرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسمياً إلى عام 2700 ق.م أي في أواخر الاسرة الفرعونية الثالثة، ولو أن بعض المؤرخين يؤكدون أنه كان معروفاً ضمن أعياد هليوبوليس ومدينة (أون) وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الاسرات. وكان لشم النسيم أطعمته التقليدية المفضلة، وما ارتبط بها من عادات وتقاليد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاحتفال بالعيد نفسه ذات الطابع المميز.

وتشمل قائمة الاطعمة المميزة لمائدة شم النسيم: البيض والفسيخ والبصل والخس والملانة (وهو نبات الحمص الاخضر). وعرف المصريون أيضا في تلك الفترة من السنة أكل السمك المجفف «الفسيخ» فكانوا يستخدمون سمك قشر البياض في إعداد الفسيخ وكانت مدينة إسنا في جنوب مصر والتي تضم معبدا اثريا ضخما ومعالم أثرية إسلامية وقبطية من المدن الشهيرة في صناعة وتقديم الاسماك المجففة كنذور داخل المعابد، حتى صار السمك المجفف رمزا للمدينة في العصر البطلمي وصار اسمها «لاثيبولس» أي مدينة سمك قشر البياض.

وعرف المصريون عدة أنواع من الاسماك التي رسموها على جدران مقابرهم مثل سمك البوري والشبوط والبلطي والبياض. وكان جميع أفراد الشعب يأكلون السمك المقلي أمام أبواب المنازل في وقت واحد. وكانت مظاهر الاحتفالات بقدوم الربيع تقام دائما على ضفاف النيل ووسط الحدائق والساحات المفتوحة وهو الامر الشائع لدى جموع المصريين حتى اليوم. وقد أخذ كثير ممن يحتفلون بأعياد الربيع في دول الغرب والشرق كثيراً من مظاهر عيد شم النسيم ونقلوها في أعيادهم الربيعية. وتزخر مقابر مدينة الاقصر الاثرية في صعيد مصر بالصور المرسومة على جدرانها لصاحب المقبرة وهو يشق طريقه في قارب وسط المياه المتلألأة بينما تمد ابنته يدها لتقطف زهرة لوتس. وكانت أعواد اللوتس تقدم ملفوفة حول باقات مشكلة من نبات البردي ونباتات أخرى. كما تشكل باقات الورود اليوم كما ترى أعمدة المعابد الفرعونية مزخرفة في طراز «لوتسي» يحاكي باقات براعم الزهور.

وكان المصري يقضي أكثر الاوقات بهجة في فصل الربيع وكانوا في ذلك الفصل يحرصون على ارتداء الملابس الشفافة ويهتمون بتصفيف شعورهم ويزيدون من استخدام العطور والادهنة لاظهار مفاتنهم.