الجزائر تشهد لأول مرة تفجيرات انتحارية استهدف أحدها مقر الحكومة وخلفت 24 قتيلاً

الاعتداءات نفذت بواسطة سيارات مفخخة والقاعدة أعلنت مسؤوليتها

TT

شهدت العاصمة الجزائرية أمس، ثلاث عمليات تفجير بواسطة سيارات مفخخة، أسفرت عن مقتل 24 شخصاً وجرح 222، حسب حصيلة أولية رسمية. واستهدف واحد من الاعتداءات قصر الحكومة بينما وقع الآخران قرب محافظة شرطة بباب الزوار، في الضاحية الشرقية للعاصمة. وفيما أكد مسؤولون أمنيون أن التفجيرات التي نفذت بواسطة سيارات مفخخة يقودها انتحاريون فجروا أنفسهم، أعلن متحدث باسم القاعدة عبر قناة تلفزيونية، تبني التنظيم للاعتداءات.

وفي حدود العاشرة و45 دقيقة، فوجئ رجال الأمن الذين يحرسون مبنى رئاسة الحكومة بسيارة تسير بسرعة متوجهة صوب الباب الرئيسي للمبنى، فأطلقوا عليها النار محاولين إيقاف السائق، لكن الأخير كان قد اقتحم بالمبنى مفجرا نفسه.

وخلف الانفجار دماراً كبيراً، إضافة الى حالة من الذعر في نفوس السكان المجاورين، وذهولاً طبع تصرفات رجال الأمن الذين لم يكونوا يتوقعون عملية انتحارية.

وعكف رجال الشرطة العلمية على البحث عن أشلاء ضحايا الحادث، وسط برك من الدماء، فيما ظل أفراد عائلات موظفي قصر الحكومة يتدفقون على المبنى للاطمئنان على ذويهم. وتحدثت «الشرق الأوسط» مع موظفة بمكتب وزير الداخلية الواقع بقصر الحكومة، كانت متأثرة لهول ما شاهدته، فقالت: «كنا قد بدأنا عملنا الروتيني قبل ساعة ونصف، عندما سمعنا دوي انفجار عظيم تسبب في تطاير زجاج النوافذ وتحطيم أبواب وجدران أغلب المكاتب، فهرع العشرات من موظفي نحو باب الخروج، فوقع تدافع وازدحام كبيران أدى إلى إصابة بعض الزملاء بجروح خفيفة». وتتابع متحدثة بصعوبة عما شاهدته: «وعندما تخطيت الباب الخارجي، صدمت لصور الجثث المفحمة وأنين أشخاص يتألمون، بعضهم كان ملقى على الأرض، وآخرون داخل سياراتهم. وشاهدت وصول أولى سيارات الحماية المدنية وهي تنقل الموتى والجرحى».

وظهر وسط الزحمة الكبيرة، شاب يصرخ كان يرغب في دخول مبنى الحكومة، واتضح من رفيق له أنه سأل عن زوجته تشتغل في مبنى الحكومة، فلم يعثر على أي أثر لها.

وقالت شابة تبلغ من العمر 25 عاما وهي تبكي بالقرب من قصر الحكومة: «اعتقدت أن الانفجارات في الجزائر العاصمة انتهت». كذلك قال محام جزائري «اعتقدت في بادئ الامر انه زلزال. زوجتي اتصلت بي بعد بضع دقائق وهي تبكي وتصرخ، فهرعت للمنزل لأجد أن كل النوافذ والمرايا فيه هشمت».

وتنقل أعضاء الحكومة إلى المبنى الذي يحتضن اجتماعهم الأسبوعي، حيث يلتئم مجلس الحكومة كل يوم أربعاء. وخرج رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم إلى العشرات من ممثلي الصحافة المحلية والأجنبية، للتعليق على التفجيرات الثلاثة فقال: «إنه عمل إجرامي وجبان، ولا يمكن إلا أن يوصف بالغدر والجبن. هذا في الوقت الذي يطالب فيه الشعب الجزائري بالمصالحة».

وعرف حي باب الزوار الذي يبعد عن قصر الحكومة بحوالي 20 كيلومتراً، نفس مشاهد الخراب والخوف، ففي نفس التوقيت تقريبا فجر انتحاري نفسه في مبنى محافظة الشرطة، وفجر رفيق له سيارة أخرى بنفس الهدف، لكن لم يكن بداخلها. وخلف الانفجاران ثمانية قتلى على الاقل و50 جريحا، بحسب حصيلة رسمية. ووقع الحادثان في وقت يشهد فيه حي باب الزوار الآهل بالسكان، حركة نشطة للسيارات والأشخاص. وأظهرت المعاينة تحطم أجزاء كبيرة من مركز الشرطة، وخرابا في شقق العمارات المجاورة، كما أحدث أضراراً بمقر الدرك الوطني الذي يقع خلف مركز الشرطة. وتضاربت روايات أشخاص كانوا موجودين بالقرب من مكان الحادث، حول وصف الشخصين اللذين فجرا السيارتين، فمنهم من ذكر أن أحدهما حاول الخروج من السيارة قبل تفجيرها لكن الوقت كان قد فاته، ويقول آخرون إن الشخص الثاني أوقف السيارة في الباب الخلفي لمركز الشرطة، وفر بسرعة البرق وسط عشرات العمارات بحي باب الزوار.

واجتاحت العاصمة بعد الأحداث، حالة كبيرة من الفوضى وانتشرت الإنذارات الكاذبة بوجود قنابل وسيارات مفخخة في المطار وأحياء بن عكنون وبوزريعة والأبيار بأعالي العاصمة. وظلت سيارات الإسعاف وقوات الأمن تتنقل من مكان لآخر تقتفي آثار التفجيرات المفترضة.

وقال وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي في بيان إنه شعر «بالفزع والسخط بعد الانفجارين اللذين هزا العاصمة الجزائرية»، وعبر عن «أخلص التعازي لعائلات الضحايا» كما أكد «تضامن» فرنسا مع الجزائر «في حربها ضد الإرهاب».

وتعتبر التفجيرات الانتحارية التي وقعت أمس، تحولا مهما في مسار العمل المسلح الذي شهد تصاعداً خطيرا في الشهور الأخيرة. ويعتقد أفراد الأمن الذين التقتهم «الشرق الأوسط» بقصر الحكومة أن الهجمات تحمل بصمات تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي»، وأن ما حدث نتيجة منطقية لسلسلة تفجيرات بالسيارات المفخخة، بدأت في نهاية أكتوبر (تشرين الاول) الماضي حيث استهدفت شاحنتان مفخختان مركزي شرطة بالضاحية الشرقية للعاصمة، وخلفت عددا محدودا من القتلى. وفجر إرهابيون ست سيارات في مقار الدرك والشرطة في ولايتي تيزي وزو وبومرداس في 13 فبراير (شباط) الماضي، خلفت قتلى وجرحى، وكانت مؤشرا على مدى تحكم الجماعات المسلحة في التفجيرات عن بعد.

وترجح مصادر على صلة بالعمل المسلح، أن يكون التنظيم استعان بأشخاص بالعاصمة غير مبحوث عنهم من طرف مصالح الأمن، في تنفيذ تفجيرات أمس، ومن المتوقع أن يشن الأمن اعتقالات في صفوف المشتبه بضلوعهم في أحداث أمس. ويقدر متتبعون عدد أفراد «القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي» بحوالي 800 ينتشرون في عدة مناطق من الجزائر، أهمهما بومرداس وتيزي وزو وبجاية وسكيكدة وخنشلة، الواقعة شرق البلاد.

ويرأس التنظيم عبد المالك دروكدال المكنى أبو مصعب عبد الودود، الذي يشترك في اتخاد القرارات مع «مجلس الأعيان» التي تضم أبرز قادة المناطق و«ومجلس الشورى»، الذي يضم قدامى المشاركين في العمل المسلح. وقد كان التنظيم يدعى «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، قبل أن يغير اسمه مطلع العام الحالي تأكيدا لتأثره بالقاعدة. وقد خرج في 1998 من عباءة «الجماعة الاسلامية المسلحة»، وكان تعداده حينها يتجاوز الـ6 آلاف.

وربط محللون بين عمليتي أمس والهجمات المتزايدة التي يشنها الجيش على المسلحين في جبال ولاية بجاية (شرق).