سيغولين رويال.. الغزالة والفيلة والذئاب

TT

حتى الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، كانت سيغولين رويال عرضة للانتقادات والتهكمات من قبل معسكرها ومن جانب رفاقها في الحزب الاشتراكي. وجاءت دعوة رئيس الحكومة السابق الإشتراكي ميشال روكار الذي دعا الى اتفاق مسبق مع مرشح الوسط فرنسوا بيرو لتزيد من حيرة وخوف المحاربين الاشتراكيين. وهؤلاء هالهم أن يهمش الحزب الاشتراكي مجددا. وبما أن العديد من النخبة الاشتراكية كانت تتخوف من الهزيمة ومن وصول المرشح نيكولا ساركوزي الى الرئاسة، فإنها سعت الى تعميم الفكرة الداعية الى الاقتراع لمرشح الوسط منذ الدورة الأولى لاعتبارها الأكثر حظا بالتغلب على مرشح اليمين. غير أن كل هذا الضجيج حول عدم كفاءة رويال وسطحية طرحها السياسي وتغير مواقفها وانعدام خبرتها الدولية وغيرها من الاتهامات التي تذهب في كل اتجاه لم تكن كافية لتثبيط عزيمة هذه المرأة التي تخفي تحت ابتسامتها الساحر إرادة حديدية.

«الغزالة» الاشتراكية، كما تسمي نفسها، أطاحت بفيلة الحزب الاشتراكي، وها هي تتأهل للدورة الثانية من الانتخابات الرئيسية بعد أن «غسلت العار» الذي لحق بحزبها بعد إخراج مرشحه ليونيل جوسبان من السياق الرئاسي عام 2002. مع سيغولين رويال، تخطت فرنسا خطوات «ثورية»: فهي المرة الأولى التي تحظى فيها امرأة بحظ حقيقي للوصول الى قصر اإليزيه. التجارب السابقة لم تكن تشجع أبدا. فتعيين الرئيس فرنسوا ميتران إديث كريسون رئيسة للحكومة، تحول الى محطة تندر دائمة. التجربة لم تنجح. وجاء تعيين عدة وزيرات في حكومة ألان جوبيه في بداية عهد الرئيس شيراك الأول ليؤكد أن فرنسا لم تتأهل بعد لتقبل وجود امرأة في مناصب الدولة العليا، إذ أن غالبية الوزيرات أخرجن من الوزارة في أول تعديل جرى على حكومة جوبيه. ورغم قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الجمعية الوطنية وغيرها من المراكز الاقتراعية، فإن «التجرية النسائية» ما زالت تحتاج الى زمن حتى تفرض نفسها.

وما عانت منه رويال يندرج في هذا الإطار. لكن النائبة الحالية والوزيرة السابقة ليست من النوع الذي يتورع أو يخاف. لقد نجحت سيغولين رويال المولودة في أفريقيا (السنغال) في عائلة كثيرة العدد تسيطر عليها صورة الأب العسكري (عقيد في الجيش) الذي يدير شؤون عائلته كما يدير شؤون ثكنته العسكرية، في فرض نفسها وأسلوبها الحياتي والسياسي. فهي تريد نفسها نموذجا للمرأة المعاصرة. ولذا فإنها تعيش مع رفيق دربها فرنسوا هوالند، أمين عام الحزب الاشتراكي، من دون زواج. وهي في الوقت عينه أم لأربعة أبناء، فيما المعدل الوسطي للإنجاب في فرنسا لا يتجاوز الولدين. ورويال تنتمي الى النخبة الفرنسية عبر انتمائها أولا الى معهد العلوم السياسية ثم الى المعهد الوطني للإدارة حيث تعرفت على هوالند وزاملت طلابا أصبحوا لاحقا من بين قادة فرنسا مثل رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان وغيره. وبدأت رويال حياتها السياسية من الباب الواسع، إذ استدعيت الى قصر الإليزيه من قبل المستشار الخاص لميتران، جاك أتالي، الذي عينها مستشارة «تقنية» لشؤون العائلة. ومن هناك، نجحت في أن ترشح للنيابة ودخلت الجمعية الوطنية في العام 1988. وما زالت، حتى الآن، تشغل المعد النيابي الذي ربحته بفضل جهودها وطموحها. وبعد النيابة وصلت الى الوزارة، إذ عينت في العام 1992 وزيرة للبيئة شغلت لاحقا عدة مناصب وزارية. غير أن نجاحها السياسي الأكبر الذي أعطاها البعد اللازم للترشح لرئاسة الجمهورية كان انتزاعها لرئاسة المجلس الإقليمي في منطقة بواتو ـ شارنت وفوزها على مرشح رئيس الوزراء جان بيار رافاران وعلى اليمين كله. وتأكد حسها السياسي عندما نجحت في لعب ورقة التجدد داخل الحزب الإشتراكي للفوز بترشيحه للانتخابات الرئاسية، ويقول الكثيرون إن جانبا من قوة رويال يكمن في استهانة خصومها بها. فهل سيرتكب منافسها للدورة الثانية هذا الخطأ بحيث يفتح الباب أمام وصول أول امرأة الى رئاسة الجمهورية الفرنسية؟