نيكولا سركوزي.. الرجل المستعجل قاب قوسين أو أدنى من قصر الإليزيه

TT

يروى أن بول ناجي بوكسي، المهاجر المجري الذي استقر في فرنسا في مدينة مرسيليا أولا وفي باريس لاحقا، جمع اولاده الثلاثة غيوم ونيكولا وفرنسوا وقال لهم: «فرنسا ليست البلد الذي يمكن أن تحلموا به إذا كان أحدكم راغبا في الوصول الى رئاسة الجمهورية. وحدها الولايات المتحدة يمكن أن تحقق هذا الحلم».

تشاؤم بول ناجي بوكسي، والد المرشح الرئاسي نيكولا سركوزي، لم يكن في محله. فابنه الذي رأى النور عام 1955 أصبح قاب قوسين أو أدنى من قصر الاليزيه.

لم يخف نيكولا سركوزي الذي ولج عالم السياسة وهو سن الثانية والعشرين أبدا طموحاته السياسية. وفي شبابه وبينما كانت «الموضة» السياسية لشبان تلك الحقبة الالتحاق بالأحزاب اليسارية عقب «ثورة الطلاب» في فرنسا ربيع عام 1968، اختار سركوزي الالتحاق بالحزب الديغولي عام 1974 الذي كان اسمه وقتها «اتحاد الديمقراطيين من اجل الجمهورية». ولاحقا، انتمى سركوزي الى حزب «التجمع من أجل الجمهورية» الذي أسسه الرئيس شيراك على أنقاض الحزب السابق وجعل منه الماكينة الانتخابية وآلة وصوله الى رئاسة الجمهورية. وما بين مدينة نويي، الضاحية الفخمة الواقعة غرب باريس وبين القصور الحكومية وآخرها وزارة الداخلية الواقعة على الرصيف المقابل لقصر الاليزيه، انداحت حياة سركوزي السياسية التي هي مجموعة من النجاحات، ولكن أيضا مجموعة من خيبات الأمل. نجاحاته الأولى حققها في مدينة نويي، حيث انتخب باكرا مستشارا بلديا لكنه نجح في فرض نفسه في الوصول الى رئاسة بلديتها رغم معارضة الوزير السابق شارل باسكوا الذي كلن عراب سركوزي السياسي. باسكوا أدخل سركوزي في الدائرة المصغرة المحيطة بشيراك الى حد أنه كان عراب ابنة شيراك كلود عند زواجها. ومن المهمات التي أناطها شيراك بسركوزي «تثقيف» ابنته سياسيا. لم يكن سركوزي تلميذا بارعا ولا طالبا اختار المسالك النبيلة في التعليم العالي الفرنسي التي تؤهل النخبة. فقد اختار دراسة الحقوق فيما النخبة تختار الدراسة الكبرى أو معهد العلوم السياسية وبعدها معهد الإدارة العالي. لكن تميزه عن غيره أنه فهم كيف يعمل النظام السياسي الفرنسي وأهمية العلاقات فيه وميزان القوى. وبعد أن تسلق سركوزي المراكز الحزبية الواحد تلو الآخر ليصبح الأمين العام المساعد للحزب الديغولي بعد أن شغل وظيفة الاهتمام بالأقسام الشبابية، حانت فرصته عام 1993 عندما خسر الاشتراكيون الانتخابات التشريعية واضطر الرئيس فرنسوا ميتران أن يستدعي أدوار بالادور الى رئاسة الحكومة. وفي هذه الحكومة، عين سركوزي وزيرا للخزانة وناطقا باسم الحكومة. لكن بالادور كان يريد أكثر من رئاسة الحكومة. ورغم الصداقة التي عمرها 30 عاما مع شيراك، إلا أنه قرر الترشح لرئاسة الجمهورية. ووقف سركوزي الى جانبه. غير أن شيراك نجح في تهميش بالادور وفي الفوز بالرئاسة. وطيلة سنوات، عانى سركوزي من تهمة «الخيانة» التي وجهها اليه شيراك وعائلته. «الابن الروحي» لشيراك تحول الى «ابن عاق». ومنذ 12 عاما، انصب حقد شيراك وعائلته على سركوزي. وكل محاولات الرئيس الفرنسي لإيجاد منافس لسركوزي داخل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني مرده الى عجز شيراك عن تناسي فعل الخيانة. معروف أنه ليس في السياسة صداقات دائمة أو عداوات دائمة. ولذا، فبعد إعادة انتخابه رئيسا عام 2002، استدعى شيراك سركوزي الى الوزارة مجددا وكلفه وزارة الداخلية لأنه رأى فيه دينامية وقدرة على إدارة هذه الوزارة الحساسة. وتنقل سركوزي الذي استولى لاحقا على رئاسة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية بين الداخلية ووزارة الاقتصاد. وأصبح الرقم الصعب داخل الحكومة وداخل اليمين الفرنسي الى درجة أن كل محاولات شيراك ورئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان لعرقلة صعود سركوزي وتأهله ليكون مرشح اليمين الأوحد باءت بالفشل. وجاء تكريس سركوزي في مؤتمر الحزب في 14 يناير(كانون الثاني) ليبين لليمين واليسار معا، أنه «رجل المرحلة». ومنذ تعيينه مرشحا رسميا لا بل قبل ذلك، عرف سركوزي أن يقود حملة انتخابية بالغة الفعالية وأن يشق الوسط بأن يجذب اليه بعض كبار قادته طمعا في استغلالهم لاحقا من اجل استدراج ناخبيهم الذين لحقوا فرنسوا بيرو. وفي خطابه السياسي، وسع سركوزي بيكار مراجعه وخاطب في الوقت نفسه ناخبي اليمين المتطرف كما خاطب ناخبي اليسار. ويبدو أن هذه السياسة قد نجحت. لكن التحدي يبقى في الفوز في الدورة الثانية، علما أن اليمين الفرنسي قد خسر كل الانتخابات التي أجريت منذ عام 2002.