المسلمون في كندا: محاولات للانخراط في المجتمع من خلال العمل الخيري

استطلاع للرأي أظهر أن عدم الاتصال بمسلمي البلاد يزيد من العنصرية ضدهم

TT

تعتبر «المؤسسة الاسلامية في تورونتو» من أبرز الجهات التي تمثل المسلمين في كندا ـ من اللقاءات الخاصة مع رئيس الوزراء ستيفن هاربر الى عقد مؤتمرات صحافية للرد على الاخبار التي تهم المسلمين وباقي الكنديين على حد سواء. ومع 85 موظفاً والمئات من المتطوعين، تستطيع المؤسسة ان تترك بصمتها ليس فقط على المجتمع المسلم في منطقة «سكاربورو» في ضواحي تورونتو وانما في المحيط الاوسع. وهذا ما كانت تسعى اليه المؤسسة عندما بدأت «ايام الشوربة» في مارس (اذار) 2005، حيث توزع كل يوم سبت الشوربة الى كل محتاج يأتي اليها ـ اذا كان مسلماً أو غير مسلم، بالإضافة إلى توزيع طعام على 300 عائلة من المشردين في المنطقة اسبوعياً.

ومنذ عام 1969 بدأت بذرة المؤسسة من خلال بيت قديم أصبح مسجداً للمصلين، ليتسع اليوم ويشمل مدرسة ومكتبة ومكاتب أعمال خيرية مساحتها تمتد 53 الف قدم مربع. وشرح محمد عالم، رئيس المؤسسة ان الهدف الرئيسي للمؤسسة هو مساعدة المسلمين في كندا، ولكن منذ احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001، اصبح من ابرز اعمالها التركيز على التواصل مع غير المسلمين. وسلطت الأضواء على المسلمين في كندا بعد تفجيرات 11 سبتمبر، كغيرها من الدول الغربية، ولكن اعتقال 17 مسلما كنديا بتهم مرتبطة بأعمال «ارهابية» الصيف الماضي، كان الحدث الاكثر تأثيراً على المسلمين في كندا. وشرح زين العابدين خان المستشار الإعلامي للمؤسسة، ان المؤسسة عقدت مؤتمرا صحافيا حضره مدير شرطة كندا في مقر المؤسسة في يونيو (حزيران) الماضي، عقب الاعلان عن اعتقال المسلمين من اجل تفادي تداعيات الأزمة. وأضاف خان ان المؤسسة تعمل على انشاء مجموعة اسمها «المسلمون متحدون» في تورونتو، لجعل المسلمين يتواصلون بين بعضهم البعض لمواجهة تداعيات الشؤون السياسية والاجتماعية التي تؤثر عليهم، مؤكداً «المسألة يجب ان تترك للجاليات والناس العاديين، وبعيداً عن المصالح السياسية والحزبية». وبينما شددت اسماء بالا ـ التلميذة في مدرسة المؤسسة والتي تعتبر من المجتهدين في الصف الرابع ثانوي، على أنها لا تشعر بالفرق عن باقي البنات في كندا، الا ان الفرق يصبح واضحاً عندما تظهر ازمات مثل قضايا ارهاب او ازمات سياسية في بلاد مسلمة. وأضافت بالا، وعمرها 16 عاماً وجاءت الى كندا من باكستان وعمرها 6 أعوام، لـ«الشرق الأوسط»: «علينا نحن بذل جهود اوسع لاثبات انتمائنا هنا، ولكن هذا امر يعود الينا، ولا يمكن فرضه من الآخرين». من جهتها، قالت المدرسة ارشية، التي جاءت الى كندا من باكستان عام 1977: «من السهل لي أن أمارس ديني هنا، ولكن هناك مصاعب امام الجيل الشاب، بسبب التغيرات خلال السنين الأخيرة والنظرة العامة إلى الإسلام». وتحدث الكثير من المسلمين وغير المسلمين في كندا عن تداعيات استطلاع للرأي قامت به شركة «انفيارونيكس» الكندية للاحصاءات في فبراير (شباط) الماضي. ومن المثير أن الاستطلاع أظهر أن في البلدات التي يسكنها اقل من خمسة آلاف كندي، 49 في المائة منهم ليس لديهم أي اتصال بأي مسلم، بينما الكنديون في المدن الكبرى التي يسكنها اكثر من مليون شخص نسبة الاحتكاك بالمسلمين كان 64 في المائة. وأظهر الاستطلاع ان من بين الكنديين الذين لديهم «اتصال كثير» بمسملين في كندا، 70 في المائة منهم كانت لديهم نظرة «ايجابية» عن الإسلام، بينما 49 في المائة من الذين ليس لديهم أي اتصال او اتصال نادر بمسلمين لهم فكرة «سلبية» عن الإسلام. وقال 44 في المائة من الكنديين المشاركين في الاحصاء الذي اجري بداية العام الحالي، ان «بعض الكنديين معاديون لمسلمين»، بينما 39 من المسلمين الكنديين المشاركين في الاحصاء اتفقوا مع هذا الرأي». وبينما 55 في المائة من المسلمين قالوا إنهم يريدون «تبني عادات كندا»، شكك غالبية الكنديين في ذلك، واتفق 25 في المائة منهم فقط مع هذا الرأي. وهناك مسألة الأفكار العلمانية المهيمنة على المجتمع الكندي، التي تبرز فوارق الكثير من الكنديين والمسلمين، فبينما 80 في المائة من المسلمين المشاركين في احصاء «انفيرونيكس» قالوا إن «الإيمان الديني مهماً جداً» بالنسبة لهم، بينما فقط 14 في المائة من باقي الكنديين، اتفقوا مع هذا الرأي. واثار اجابة 77 في المائة من المسلمين بين العمر18 الى 29 عاماً بأنهم يشعرون بأنهم «مسلمون اولاً» قبل ان يكونوا كنديين، استياء بعض الكدنيين. ولكن لفت مدير «انفيرونيكس» الى ان 83 في المائة من الفرنسيين المشاركين في احصاء لشركة «بيو» يعتبرون انفسهم «مسيحيين اولاً» قبل ان يكونوا فرنسيين. وهناك ظاهرة خاصة في مقاطعة كيوبك تجاه المسلمين، فقد اقرت المقاطعة منع المنقبات من التصويت في الانتخابات المحلية من دون الكشف عن وجوههن. واظهر استطلاع «انفيرونيكس» ان 53 في المائة من سكان كيوبك يؤيدون حظر الحجاب في المناطق العامة مثل المدارس، بالمقارنة بـ36 في المائة من اجمالي الشعب الكندي. واستطاع المسلمون في كندا الوصول الى مناصب مهمة عدة، الا ان هناك مازالت عقبات كثيرة ما زالت امامهم. وشرحت السناتور موبينا جعفر، المسلمة الوحيدة من بين 195 سناتورا في مجلس الشيوخ الكندي، ان كندا تتيح للمهاجرين الفرص الكافية لتعدي تلك العقبات، موضحة: «كندا دولة تسمح للاجئين ان يصبحوا نواب في برلمانها». وكانت موبينا اتت الى كندا مع والديها طالبين اللجوء من نظام عيدي أمين في أوغندا، لتدرس وتختص في مجال المحاماة قبل أن تصبح سناتورة قبل 7 أعوام. وروت موبينا الى مجموعة من الصحافيين تجربتها في المجلس الأعلى من البرلمان الكندي، منذ توليها منصبها بعد اسبوع من هجمات 11 سبتمبر الى التحديات التي تواجه المسلمين في كندا. ولفتت الى ان التطورات في ما يخص ملف الارهاب وقوانين مكافحة الارهاب، أثرت على المسلمين في الآونة الأخيرة. وتحاول جعفر التطرق الى متطلبات المسلمين في هذه القضية اذ انها عضو في لجنة صياغة قوانين مكافحة الإرهاب. وقالت جعفر ان الظواهر عدة تغيرت بالنسبة للمسلمين في كندا، موضحة «لا يوجد شك من ان المسلمين مراقبون في المطارات، وان هناك تأثيرا على الشباب المسلم لتعريف انفسهم من خلال هوية مسلمة اقوى». وحذر الكثير من المسلمين الذين التقتهم «الشرق الأوسط» من التركيز فقط على قضايا الارهاب التي تخص المسلمين، مشددين على ضرورة الاندماج في المجتمع. وقالت السناتور جعفر: «لا يمكن لنا ان نفعل اكثر من أن نؤثر على محيطنا بأفضل طريقة ممكنة»، مضيفة: «على المسلمين الانخراط بالسياسة المحلية من اجل فرض التغيرات على محيطهم، ولأننا نعيش ضمن نظام ديمقراطي، هذا الأمر ممكن، ولكن الكثير من المسلمين لا يتخذون الخطوات الكافية لدخول هذا المجال». وتابعت: «المسلمون يشكلون اكبر فرصة للنمو في البلاد، ولكن اكبر خوف للكثير هنا». واعتبرت جعفر ان الحكومة الكندية «تخلق لنفسها مشاكل، لأنها لا تساعد الذين يأتون الى كندا من مناطق تشهد حروبا وصراعات»، موضحة ان اللاجئين من دول مثل الصومال وافغانستان «يظلمون مرتين، المرة الأولى في دولهم الأصلية والمرة الثانية عندما يأتون هنا ولا يعرفون كيف يتأقلمون مع حياتهم الجديدة».