الفاسي الفهري: المغرب مرتاح لقرار مجلس الأمن الذي لم يشير لمقترح بيكر

البوليساريو: المفاوضات المباشرة ينبغي أن تكون على أساس حق تقرير المصير

TT

في بادرة جعلت ملف نزاع الصحراء يدخل منعطفا جديدا مغايرا للمسارات السابقة التي عرفها على امتداد اكثر من ثلاثة عقود، ويقبر بشكل نهائي المخطط الثاني لجيمس بيكر، وزير خارجية اميركا الاسبق، دعا مجلس الامن في قرار صدر عنه اول من امس، المغرب وجبهة البوليساريو، الى الدخول في مفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية، مع أخذ التطورات الحاصلة على مدار الشهور الأخيرة في الحسبان، وذلك من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، بما يكفل لشعب الصحراء الغربية الحق في تقرير مصيره.

وطلب مجلس الأمن من الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون أن يضع هذه المفاوضات تحت رعايته، ودعا الدول الأعضاء إلى تقديم الدعم الملائم لهذه المحادثات، على أن يقدم الامين العام، بحلول30 يونيو (حزيران) 2007، تقريرا عن حالة المفاوضات التي ستجري تحت رعايته، وعن التقدم المحرز فيها، معربا عن اعتزامه عقد اجتماع لتسلم هذا التقرير ومناقشته.

وتكمن أهمية قرار مجلس الأمن كونه يكرس التفاوض كوسيلة وحيدة تتيح التوصل لحل نهائي لنزاع الصحراء الذي طال أمده.

وأكد القرار مجددا على ضرورة الاحترام التام للاتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها مع بعثة الأمم المتحدة في الصحراء «مينورسو» بشأن وقف إطلاق النار. وقرر المجلس تمديد ولاية بعثة المينورسو مدة ستة أشهر تنتهي في 31 اكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

كما تكمن اهمية فحوى القرار الجديد بالنسبة للمغرب في كونه لم يشر للقرار رقم 1495 الصادر في يوليو( تموز) 2003 المتعلق بمخطط بيكر الثاني. وبالتالي فانه يتوج منهجية شاملة، مطبوعة بأسلوب العاهل المغربي الملك محمد السادس سواء على المستوى الداخلي من خلال دمقرطة تدبير ملف الصحراء، وإرساء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، والمقاربة التشاركية في بلورة هذه المبادرة، اضافة الى المضي قدما في التنمية السوسيواقتصادية للأقاليم الجنوبية الصحراوية، أو على المستوى الخارجي من خلال استشارات العديد من العواصم بناء على مصداقية المقاربة والدقة في الإعداد والجدية في الالتزام.

ويأمل المغرب المستعد سياسيا وقانونيا وتقنيا لهذه المفاوضات، في أن تكون باقي الأطراف قادرة على اغتنام هذه اللحظة التاريخية من أجل وضع حد لهذا النزاع.

وفي فقراته التمهيدية، أشار القرار الصادر عن مجلس الامن، إلى المبادرة التي قدمتها الرباط الرامية إلى منح حكم ذاتي لسكان الصحراء. ووصف المجلس المبادرة المغربية بأنها جدية وذات مصداقية وترمي إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية. مشيرا الى انه أحيط علما أيضا بمقترح البوليساريو، الذي يدعو إلى إحياء خطة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، دون إبداء أي تنويه به مثلما عومل المقترح المغربي.

ورحبت الولايات المتحدة بقرار مجلس الأمن؛ وشدد السفير الأميركي لدى الامم المتحدة، زلماي خليلزاد على أهمية المفاوضات المباشرة، ووصف المبادرة المغربية بالاقتراح الجيد والمعقول. ووصف السفير الفرنسي جان مارك دي سابليير القرار بالمتوازن، إذ قال «إنه حل وسط، وآمل أن تبدأ المفاوضات في أقرب وقت وبحسن نية». وأكد على أن المبادرة المغربية تنسجم مع حق تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية.

وفي سياق ذلك، أشاد رئيس الحكومة الإسبانية خوصي لويس رودريغيث ثباطيرو، بقرار مجلس الأمن، الذي «يتقاطع بشكل كامل» مع موقف الحكومة الإسبانية سواء على مستوى التقبل الإيجابي لمبادرة الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب، أو من خلال دعوة الأطراف الى مفاوضات لإيجاد حل عن طريق الحوار.

وأشارت مدريد في بيان نشرته رئاسة الحكومة الإسبانية اول من امس، الى أن القرار الذي تمت المصادقة عليه من قبل مجلس الأمن، ينوه بمقترح المغرب، واصفا جهود المملكة بـ«الجدية وبذات المصداقية» في طريق إيجاد حل للنزاع.

ولاحظ البيان أن رئيس الحكومة الإسبانية كان قد عبر عن «المعنى ذاته» خلال زيارته الأخيرة للمغرب في مارس (آذار) الماضي، عندما «تقبل إيجابيا» وبـ«اهتمام» المبادرة المغربية.

وذكرت مدريد بما جاء في التصريح المشترك الذي تم اعتماده آنذاك، والذي ينص على أن الجانب الإسباني استقبل «باهتمام المخطط المغربي الذي يمكن أن يبعث الدينامية في الحوار من أجل تجاوز المأزق الحالي، والعمل انطلاقا من هذه القاعدة للوصول الى تسوية لهذا النزاع الذي يضمن مبدأ تقرير المصير». ويشير البيان الى أن مجلس الأمن أحيط علما بـ«مقترح جبهة البوليساريو، وشدد على ضرورة الوصول الى حل عن طريق الحوار، كما تأمل ذلك إسبانيا».

وأضاف المصدر ذاته، أن رئيس الحكومة الإسبانية اعتبر أيضا أن القرار الأممي الجديد يشكل «خطوة جديدة متقدمة في إطار محاولات الأمم المتحدة لوضع حد للمأزق الراهن لنزاع توليه إسبانيا اهتمامها الأكبر».

ورحب المغرب بالقرار، إذ قال السفير المغربي المصطفى ساهل «إن هذا القرار يؤرخ لمرحلة جديدة في مسار النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء». ولاحظ السفير المغربي أن قرار مجلس الأمن الجديد كرس تجاوز المبادرات السابقة خاصة خطة وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر. ورأى أن القرار حدد آلية التوصل إلى ذلك الحل السياسي أي المفاوضات المباشرة بين الأطراف، أخذا بنظر الاعتبار التطورات التي عرفتها الأشهر الأخيرة. ووافق المغرب على الدخول في مفاوضات مباشرة. وقال السفير ساهل: «بطبيعة الحال يستجيب المغرب لهذه الدعوة للمفاوضات». وأضاف: «يفترض في هذه المفاوضات أن تكون جدية ومبنية على حسن النية وكما يتوخى منها أن تتعامل مع مسألة تقرير المصير».

وشدد السفير ساهل على القول ان المبادرة المغربية تستجيب لمبدأ حق تقرير المصير، وقال «إن الحل السياسي الذي سيتوصل إليه عن طريق المفاوضات، هو ما يشكل التعبير القانوني لمبدأ تقرير المصير».

وبدورها رحبت جبهة البوليساريو بقرار المجلس، وقال منسق الجبهة مع الأمم المتحدة، محمد خداد «إن هذا القرار يؤكد على أنه ليس هناك مهرب من الاستفتاء ومن حق تقرير المصير». وأعرب عن استعداد الجبهة على الدخول في مفاوضات مباشرة مع المغرب. وقال خداد «إن المفاوضات المباشرة التي ستشرف عليها الأمم المتحدة ينبغي أن تكون على أساس اقتراح حق تقرير المصير».

وفي سياق ذلك، أكد الطيب الفاسي الفهري، الوزير المغربي المنتدب في الخارجية والتعاون، مساء اول من امس، أن القرار الذي اعتمده مجلس الأمن بشأن الصحراء «يؤكد دعم المجموعة الدولية لخطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب لحل هذا النزاع».

وقال الفاسي الفهري إن المغرب «مرتاح تماما»، لهذا القرار الذي لا يشير لا إلى مخطط بيكر الثاني ولا إلى القرار رقم 1495 المؤرخ في يوليو(تموز) 2003 والمتعلق بهذا المخطط.

وأشار الفاسي الفهري الى ان قرار مجلس الأمن يشير بصراحة إلى أن هذه المفاوضات يجب أن تأخذ في الحسبان «التطورات الحاصلة على مدار الشهور الأخيرة» أي على أساس المبادرة المغربية.

وأضاف الفاسي الفهري أنه حينما يتحدث مجلس الأمن عن «تطورات حاصلة على مدار الشهور الأخيرة»، فإنه يحيل بشكل حصري على الخطة المغربية ما دام اقتراح «البوليساريو» قد تم التقدم به بشكل مفاجئ يوم 10 أبريل( نيسان) الماضي، بينما شرع المغرب منذ شهور في حملة لشرح الخطوط العريضة لخطته للحكم الذاتي وأهدافها.

وأوضح الفاسي الفهري أن «الحكم الذاتي ليس اقتراعا يتعين القيام به اليوم، بل هو التزام بين خيارين على طرفي نقيض»، مؤكدا أن المفاوضات المحتملة بين الأطراف من أجل إيجاد حل للنزاع يتعين أن تتم في إطار «روح بناءة».

وسجل الفاسي أيضا أن قرار مجلس الأمن يتضمن إشارة واضحة إلى الجزائر عندما يدعو «دول المنطقة إلى ان تواصل تعاونها التام مع الأمم المتحدة ومع بعضها البعض لوضع حد للمأزق الراهن ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي».

وقال الفاسي الفهري، إن القرار الذي تبناه مجلس الأمن اليوم يمثل قبل كل شيء قطيعة واضحة مع المقاربات المقترحة في الماضي ومع مختلف المقترحات التي تم اختبارها أو بلورتها منذ سنة 1990 على الخصوص.

وأضاف الطيب الفاسي، الذي يوجد بنيويورك رفقة وفد مغربي يضم علي فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية، ومحمد ياسين المنصوري المدير العام للدراسات والمستندات (مخابرات عسكرية خارجية)، وخليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية ،إنه أيضا «قرار جوهري يشكل منعطفا حاسما في البحث عن حل واقعي وقابل للتحقق للقضية».

وأشار إلى أن مجلس الامن لم يقتصر بالتالي على مجرد تمديد تقني، كما دأب على فعل ذلك منذ 2004، ولكن هذه المرة، يقول الفاسي الفهري، دعا الأطراف الى الشروع، في أقرب الآجال وبحسن نية، في مسلسل جديد وحقيقي من المفاوضات المفيدة، على أساس التطورات التي أثارتها، خلال الشهور الأخيرة، مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب.