أزمة تركيا تتعمق.. إبطال الدورة الأولى من الانتخابات وتأجيل التصويت على الرئيس

أردوغان لا يمانع في انتخابات مبكرة بشرط تخفيض سن المرشحين من 30 إلى 25 عاما

TT

وصلت الأزمة السياسية التي تشهدها تركيا منحنى جديدا مع إعلان المحكمة الدستورية بطلان الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية التي خاضها مرشح حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، عبد الله غل، وهو الإعلان الذي تبعه تأكيد حكومة حزب العدالة والتنمية أنها ستطرح اليوم مجددا مرشحها الرئاسي غل لتصويت الدورة الثانية من البرلمان، وإعلانها في الوقت نفسه أنها لا تعارض إجراء انتخابات عامة مبكرة للخروج بالبلاد من أزمتها السياسية، ثم عودتها لإعلان ان موعد تصويت البرلمان اليوم سيرجأ الى موعد آخر لم تحدده. وقال محلل سياسي تركي لـ«الشرق الأوسط» ان قرار المحكمة الدستورية ببطلان الجولة الأولي من الانتخابات بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، لا يلغي حق غل في الترشح مجددا ولا حظوظ فوزه، خصوصا اذا ما اتفقت الأحزاب التركية على صيغة حل ما. لكن اذا لم يحصل غل على عدد الأصوات اللازمة، فسيضطر الى انتظار الدورة الثالثة المقررة مبدئيا في التاسع من مايو (أيار) التي تكفي فيها الأغلبية المطلقة 276 صوتا للفوز بالمنصب. ويشغل حزب العدالة والتنمية 352 مقعدا في البرلمان، موضحا ان تركيا تتجه فى كل الحالات الى انتخابات عامة مبكرة قد تكون في منتصف يونيو (حزيران) المقبل. وقال جميل جيجيك، المتحدث باسم الحكومة التركية، ان حزب العدالة والتنمية سيدفع من جديد بمرشحه لانتخابات الرئاسة أمام البرلمان على الرغم من حكم المحكمة العليا. وأوضح جيجيك في مؤتمر صحافي أن الحكومة سوف تحرص على حضور 367 نائبا في البرلمان خلال جلسة التصويت. وقال المتحدث باسم الحكومة ان حكومة اردوغان على استعداد لاجراء انتخابات تشريعية مبكرة بعد قرار المحكمة الدستورية. وتابع «نحن مع تقديم موعد الانتخابات. ونحن نؤيد ذلك». وبدون تحديد الموعد الذي يمكن ان تجري فيه هذه الانتخابات، المقررة أصلا في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، أشار جيجيك الى ان الشرط الوحيد لحزب العدالة والتنمية هو اجراء تعديل في الدستور يخفض سن اهلية النواب للترشح من 30 عاما الى 25 عاما. ويعتقد حزب العدالة والتنمية ان هذا التغيير سيعضد فرصه في الانتخابات.

وكانت المحكمة الدستورية التركية قد اصدرت امس قرارها المرتقب بخصوص قانونية الجولة الأولي من الانتخابات، معلنة أنها لاغية. وأقرت المحكمة طعنا تقدمت به المعارضة العلمانية التي تريد منع غل من أن يصير رئيسا للبلاد. وأبلغ هاشم كيليج نائب رئيس المحكمة العليا مؤتمرا صحافيا أنه «تم اتخاذ قرار لوقف العملية». وقال سمير صالحة، أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية في جامعة «كوجالي» التركية، لـ«الشرق الأوسط» أن إجراء انتخابات مبكرة في تركيا بات شيء في حكم المؤكد، موضحا ان حزب العدالة والمعارضة يتفقان على ضرورة اجراء انتخابات مبكرة، لأن الانتخابات ستتحول الى استفتاء حول الحزب، وبناء عليها سيتحدد الكثير من الأشياء، وستطرح قضايا جديدة. وأوضح صالحة انه حتي إذا انتخب غل رئيسا لتركيا خلال الأيام المقبلة، فإنه سيدعم الانتخابات المبكرة، لأنه يحتاج دعما حزبيا وشعبيا مباشرا، مشيرا الى انه بدون تفويض جديد من الشعب التركي لحزب العدالة والتنمية فإن غل سيكون مقيد الحركة ولن يستطيع التحرك، موضحا ان الانتخابات ستكون على الأرجح في منتصف يونيو(حزيران). واستبعد صالحة ان تطرح المعارضة مرشحا رئاسيا جديدا للخروج من الأزمة، موضحا «لا اظن ان تبدأ الاحزاب المعارضة مرحلة جديدة من التفاوض لاختيار مرشح جديد، كما ان غل وحزبه لن يسحبا ترشحهما». وقال انه في حالة انتخابات مبكرة فإن «الصورة لن تتغير كثيرا، سيكون حزب العدالة هو الحزب الأساسي وسيحصل على غالبية الأصوات، ومعه قد تكون هناك أحزاب صغيرة تشكل معا ائتلافا، ذلك ان النظام الانتخابي يلزم الأحزاب بالحصول على نسبة 10 في المائة للوصول الى البرلمان، وهذه نسبة كبيرة. كان بامكان حزب العدالة ان يغير القانون لكنه لم يغيره لأنه فى مصلحته». وقلل صالحة من تأثير الأزمة الحالية على اقتصاد تركيا، موضحا «تركيا اليوم، قبل تركيا قبل خمس سنوات، بعد وصول حزب العدالة والتنمية، تغيرت البلاد على اكثر من صعيد، الآن لدينا ازمة حكومية، لكن رغم الأزمة الحالية يعتبر الوضع الاقتصادي مستقرا. على عكس ازمة الحكومة ورئيس الدولة عام 2001، اذ تعرض الاقتصاد التركي للانهيار. الوضع الاقتصادي صامد اليوم بالرغم من ان الأزمة الآن أكبر من الأزمة السابقة. يعني رأس المال العالمي ما زال يثق في الاقتصاد تركيا». وبمقدور رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الآن اقتراح مرشح آخر لشغل هذا المنصب. ولكن بعض المحللين يقولون ان من الأرجح ان يرجئ انتخابات الرئاسة ويدعو لانتخابات برلمانية مبكرة للمساعدة في نزع فتيل التوتر. وتفضل الاسواق المالية ومجتمع رجال الاعمال في تركيا هذه الخطوة لاعتقادهم بأن حزب العدالة والتنمية المؤيد لنظام السوق سيفوز مرة أخرى بأغلبية كبيرة في البرلمان تساعده على المضي قدما في تطبيق اصلاحات. وبموجب هذا التصور سيبقى الرئيس المنتهية ولايته أحمد نجدت سزر رئيسا مؤقتا للدولة الى أن يكون بمقدور البرلمان الجديد اختيار من يخلفه. وينتخب البرلمان الرئيس في تركيا لولاية مدتها سبع سنوات. وقال حزب الشعب الجمهوري العلماني إن الجولة الاولى من الاقتراع في انتخابات الرئاسة يوم الجمعة الماضي لاغية لحضور أقل من ثلثي نواب البرلمان البالغ عددهم 550 جلسة الاقتراع. وجادلت الحكومة بأن 184 نائبا كافون لأن يكون الاقتراع صالحا. وقبل اعلان حكم المحكمة الدستورية رسميا، قالت الصحف ان حكمت تولين مقرر المحكمة الذي يعمل كجهة ادعاء في مثل هذه القضايا أوصى برفض طلب الحزب الشعبي الجمهوري.

غير أن هذه التوصية غير ملزمة، ولم تأخذ بها المحكمة امس. ويواجه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أكبر أزمة سياسية له منذ تولى السلطة في عام 2003 ووجه الاثنين نداء من أجل الوحدة الوطنية، ومن شأن التطورات الحالية ان تدفع لانتخابات مبكرة. ويرى الكثير من المحللين أن ذلك قد يمنع تصاعد التوترات بين المؤسسات العلمانية ومن بينها الجيش من جهة والحكومة من جهة أخرى. وبسبب الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها اردوغان، يرجح فوز العدالة والتنمية وتشكيله الحكومة الجديدة، حتي وان اضطر لإدخال احزاب صغيرة معه في ائتلاف حكومي. وسجلت أسواق المال التركية أكبر خسائرها منذ عام. كما واصلت الليرة خسائرها أمس، وذلك جراء تهديد القوات المسلحة الأسبوع الماضي بالتدخل في انتخابات الرئاسة.

وتخشى المؤسسة العلمانية من أن حزب العدالة والتنمية سيزيل المبادئ العلمانية للجمهورية بمجرد أن يبسط سيطرته على مؤسسة الرئاسة. وينفي الحزب ذلك.

الي ذلك، استخدمت الشرطة التركية الغازات المسيلة للدموع عندما اشتبكت مع محتجين واعتقلت 580 شخصا. ونقلت قناة «إن.تي.في» التلفزيونية التركية عن معمر غولر، محافظ اسطنبول، قوله إن الشرطة التركية اعتقلت 580 شخصا في المدينة أمس عندما حاولوا تنظيم احتجاج في ذكرى إطلاق نار على حشود في عيد العمال قبل 30 عاما، تحول ضمنا الى احتجاج مناهض لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وسمحت السلطات لمجموعة صغيرة من زعماء النقابات بوضع ورود حمراء في موقع الحادث. وتجمع مئات الأشخاص في الميدان في وقت لاحق للاحتجاج قبل أن تتحرك الشرطة وتقوم بالاعتقالات. وتم نشر قرابة 17 ألف شرطي في أنحاء المدينة التي تعد أكبر مدن تركيا. وأغلقت محطات لقطارات الأنفاق وخطوط للعبارات والحافلات، كما قيد التنقل عبر مضيق البوسفور. وكان غولر امر اول من أمس بإغلاق 41 مدرسة في الأحياء القريبة من ساحة تقسيم لأسباب امنية خشية وقوع اعمال عنف. وتعرض غولر لانتقادات لإغلاقه أجزاء من المدينة. وكان قناصة لم يتم التعرف اليهم ويشتبه في انتمائهم الى مجموعات صغيرة من اليمين المتطرف فتحوا النار في الاول من مايو (أيار) 1977 على حشد من عشرات آلاف الأشخاص تجمعوا للاحتفال بعيد العمال، ما أثار موجة ذعر أسفرت عن مقتل 37 منهم.