خبير استطلاعات رأي يقود سباق المرشحين الديمقراطيين للرئاسة الأميركية

مهندس حملات كلينتون تسبب في نجاح بلير ومناحيم بيغن

TT

كان الامر في غاية البساطة، قال «مارك ج. بين» ذلك بهدوء لنائب الرئيس آل غور في تقديمه لتقرير عن نتائج استطلاع شامل اجراه في الانتخابات التمهيدية لحملة الرئيس عام 2000. «الناخبون يحبون سياسات غور. ولكنهم لا يحبونه هو شخصيا».

وضحك غور، طبقا للأشخاص الذين حضروا الاجتماع. فقد سمع ذلك من قبل. ولكن نائب الرئيس، الذي يشعر بالقلق بخصوص تأثير فضائح الرئيس بل كلينتون على حملته، كان لديه سؤالا اخر لخبير الاستطلاع: هل هناك ادلة عن «ارهاق كلينتون» الذي يتحدث عنه الناس؟

ورد بين «لست مرهقا منه، هل انت؟».

كان ردا وقحا ـ والقشة الاخيرة كما يقولون بالنسبة لغور، الذي كان دائما قلقا من «ج. بين» ويشعر ان ولاءه هو لكلينتون والسيدة الاولى هيلاري رودام كلينتون. ووافق كبار مساعديه واعتبروا «ج. بين» شخصا مغرورا ومسيطر، وشخص يتعدى حدود وظيفته بتقديم النصيحة بدلا من تفسير المعلومات. وبعد فترة قصيرة من الاجتماع مع غور، طرد «ج. بين» من وظيفته. ولكنه وقع عقدا انذاك مع وجه معروف في بداية اول حملاته الانتخابية في نيويورك ـ هيلاري كلينتون.

وبعد 8 سنوات رشحت هيلاري كلينتون لمنصب الرئيس و«ج. بين» البالغ من العمر 53 سنة، هو رئيس الفريق الاستراتيجي، وبالرغم من انه لا يدير حملتها رسميا الا انه يسيطر على العناصر الرئيسية في الحملة، ولا سيما محاولتها تقديم نفسها لناخبين على استعداد لرئيس ديمقراطي ولكنهم يشعرون بالارهاق من كلينتون.

وفي الاربعة اشهر منذ اصبحت هيلاري مرشحة رسميا، دعم «ج. بين» سلطاته، وازدادت سيطرته على العملية. واصبح «ج. بين» المسلح بحجم هائل من المعلومات التي تجمعها شركة الاستطلاع الخاصة التي يملكها، طرفا في كل خطوة تجريها هيلاري بحيث اصبحت الحملة تعكس وجهات نظر الاستراتيجي الاول مثلما تعكس وجهة نظر المرشح.

واذا ما بدأت هيلاري حذرها فربما يرجع ذلك الى ان «ج. بين» حذر بطبيعته، يختبر القضايا مرارا وتكرارا لمعرفة اياها آمن ومتفق عليه.

واذا ما كانت هيلاري تبدو اقرب الى الوسط، فربما يرجع ذلك الى ان «ج. بين» كان خبير استطلاع منذ امد بعيد لمجلس قيادة الحزب الديمقراطي الأقرب للوسط.

واذا ما كانت هيلاري تشبه شخصية من واشنطن على علاقة قوية بكبار المتبرعين في الحزب، فإن ذلك يرجع الى ان خبير الاستراتيجية الخاص بها هو مدير تنفيذي ثري يرأس شركة علاقات عامة عملاقة، حيث يتولى تنظيم العلاقات العامة لشركة مايكروسوفت في واشنطن.

واذا ما اعتبرها عدد من معارضيها انها مغرورة فذلك يرجع الى ان عدد الشخصيات المتفوقة التي تدير حملتها واستخدام برنامج «باور بوينت» الالكتروني الذي يستخدمه لإقناع الناس بحتمية المرشح.

الا ان هيلاري لديها كل شيء ترغب فيه بالنسبة لمستشار كبير: ذكاء وخبرة لا تنازع، طبقا حتى لاعدائه. وجهة نظر واضحة مع معلومات تعزز ذلك، ولاء لا يتزعزع. وتركيز على المحصلة النهائية: الفوز في الانتخابات العامة. وهيلاري تعجب به اعجابا شديدا. وتصفه في مذكراتها بأنه «تاريخ حي».

وتتبين اهمية «ج. بين» بالنسبة لهيلاري في قضية العراق، وهو الموضوع الرئيسي لانتخابات 2008. وقال دوغلاس شوين شريكه السابق «لا اعتقد بوجود هوة في تفكيرهما».

ومع تطور موقفها، من التأييد المبدئي للرئيس بوش الى الانتقادات الحادة لادارة الحرب، سعت هيلاري الى توازن حذر، يحافظ على صورتها القوية فيما يتعلق بالامن القومي وفي الوقت نفسه عدم معاداة العناصر المعادية للحرب في حزبها. وطلب منها مرارا من العناصر المعادية للحرب الاعتذار عن تأييدها الاصلي للحرب، الا انها رفضت. الا ان «ج. بين» كان من بين اهم مؤيديها في هذا الموضوع.

وبالرغم من ذلك فقد قلل «ج. بين» من دوره في تقديم النصح لهيلاري كلينتون حول العراق. وقال «بالتأكيد لست مستشار امن قومي. اعتقد افهم القضية. ولكن اترك ذلك للمستشارين السياسيين القريبين منها».

ومن بين الديمقراطيين هناك عدد من اليهود المنحازين إلى إسرائيل، مثل «ج. بين»، الذي رأى الفوائد التي يمكنها كسبها من غزو العراق قبل أن تبدأ الحرب.

وقال آل فورم الرئيس التنفيذي لمجلس القيادة الديمقراطية، والذي يعتبر «ج. بين» صديقا له إن «ج. بين كان دائما من المؤمنين بأهمية القوة لإدارة البلد، وإن الناس يريدون أن يكون رئيسهم مستعدا للدفاع عن البلد وهذه هي الخاصية الأولى المطلوبة».

وكسب «ج. بين» خبرته في السياسة الخارجية من خلال عمله في حملات كثيرة في الخارج وخصوصا في إسرائيل. وفي عام 1981 ساعد هو وشريكه في البزنس دوغ شوين بإعادة انتخاب مناحيم بيغن أحد رؤساء الوزراء الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وقال شوين: «توفرت لنا الفرصة لكسب الخبرة في معرفة المخاطر والممكنات التي تمثلها دولة إسرائيل».

وفي لحظة حاسمة وبينما كان المختصون في استطلاعات الرأي يراقبون، قام بيغن بشن هجوم على المجمع النووي العراقي (أوسيراك) وسط الحملة الانتخابية. وكتب شوين في سيرة حياته: «في نهاية المطاف أصبح قصف مفاعل (اوسيراك) رمزا لبيغن وللخطوات التي كان مستعدا اتخاذها لتحقيق أمن إسرائيل».

وظل «ج. بين» مناصرا لسياسة القوة في مجال العلاقات الخارجية، وحذر في عام 2004 من أن الديمقراطيين سيخسرون الانتخابات إن هم فشلوا في سد فجوة الأمن. وفي قائمة زبائنه هناك عدد من الداعمين للحرب في العراق خصوصا ليبرمان الذي ساعده «ج. بين» في حملته الرئاسية عام 2004 وساعد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في حملته الانتخابية حيث لعب دورا استشاريا في انتخابات عام 2005 التي أوصلت بلير إلى سدة الحكم للمرة الثالثة.

وقال «ج. بين» بخصوص موقف ليبرمان للحرب والذي أدى إلى اختلاف مع الحزب الديمقراطي في السنة الماضية بسبب موقفه هذا: «ليس هناك أي فرق ما بين السيناتور ليبرمان حول الحرب والسيناتور هيلاري كلينتون».

وبدأ «ج. بين» بعمله في مجال استطلاعات الرأي مع شوين عام 1977 لصالح حملة انتخاب عمدة لنيويورك المتمثلة بادوارد كوتش ووصل لاحقا إلى القصر الأبيض من خلال خبير آخر في استطلاعات الرأي هو ديك موريس الذي عمل لصالح ديمقراطيين مثل بيل كلينتون إضافة إلى بعض الجمهوريين. واستعان رئيس الجمهورية السابق بموريس بعد انتخابات عام 1994 حينما أصبح أكثر وضوحا من أن سيطرة الجمهوريين على الكونغرس يتطلب تحولا جذريا في استراتيجية البيت الأبيض إذا كان كلينتون يريد أن يفوز مرة أخرى عام 1996.

وسمح أسلوب موريس بالعمل في مجال استطلاعات الرأي بجعله مفضلا لدى هيلاري كلينتون بعد أن شغلت «ج. بين» وشوين في بداية عام 1995، ومع تقدم زوجها في حملته الهادفة لإعادة انتخابه للرئاسة، وكان «ج. بين» قادرا على تقديم معلومات في كل اجتماع وأصبح قريبا جدا لبيل كلينتون مع تقدم الحملة. وحينما أجبر موريس على الاستقالة بعد أن كشفت مومس عن علاقتها معه خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي وهذا ما جعل «ج. بين» يملأ مكانه. وبقي يعمل مع كلينتون ومع اللجنة القومية الديمقراطية خلال فترة الفضيحة مع مونيكا لوينسكي وقرار توبيخ المجلس له. ومع حلول عام 2000 أصبحت علاقة «ج. بين» بالزوجين كلينتون قوية.

ومثل موريس يحب «ج. بين» السباحة وسط أصعب المعلومات كما يقول بعض منتقديه وهو يميل إلى أن يحرف تأويلاته كي يظهر الزوجين كلينتون بأحسن صورة لكن عمل «ج. بين» موضوعا للثقة بما فيه الكفاية مما جعل عمله في هذا المجال يزدهر كثيرا عبر عدة عقود.

واليوم ومن المكتب الواقع في الطابق الثاني عشر في شارع متفرع عن توماس سيركل، يدير «ج. بين» استراتيجية المرشحة الديمقراطية المتوقع فوزها وكرئيس تنفيذي لشركة بيرسون مارستلر، وهي شركة علاقات عامة يعمل فيها ألفان من الموظفين. وهذه الوظيفة هي آخر تكرار للعمل المربح الذي بدأه «ج.بين» وشوين في ثمانينات القرن الماضي، وفي الوقت نفسه صنعا اسميهما كمستطلعي آراء في المجال السياسي، وذلك وضعهما في رفقة جيل جديد من المستشارين الديمقراطيين البارعين. وكان من بين زبائنهما عبر سنوات أي تي أند أمب تي، وايلي ليل، وتكساكو أند مايكروسوفت. وكان تخصصهما بحث الشركات وتحديد موقعها، أي على سبيل المثال تحديد كيف ان أي تي أند أمب تي يمكن أن تناور منافستها أم سي آي عبر استهداف زبائنها غير الملتزمين، وهو عمل يماثل السعي الى كسب الناخبين المتردين. وبينما انتقد بعض المنافسين الديمقراطيين العمل المتغير، مشيرين الى ان بين يستثمر المعلومات، فان شركة استطلاع الآراء توسعت بصورة سريعة، حيث «ج.بين» وشوين كيفا نموذجا مرتبطا بعمل الشركة الى المجال السياسي والعكس بالعكس.

وقبل عام ونصف العام عين «ج.بين» رئيسا لشركة بورسن مارستلر، خلفا لتوماس نايدز، وهو احد العاملين المسؤولين في حملة الديمقراطيين. وعلى الرغم من انه الاستراتيجي الرئيسي للمرشحة كلينتون فانه ليس من بين الموظفين العاملين في الحملة من الناحية التكنيكية. وبدلا من ذلك فان حملة كلينتون تشغل شركة الاستطلاع العائدة له، وهي بين شوين اند أمب بيرلاند اسوسييتس، التي يعمل فيها 175 موظفا وتشكل وحدة ضمن شركة بورسن مارستلر. وتتقاضى شركة بين اتعابا مالية تتراوح بين 15 الى 20 ألف دولار شهريا، مع خدمات خاصة مثل الاستطلاعات أو البريد المباشر، مع سعر متيسر لكل عمل.

ووفقا للملفات الخيرة للجنة الانتخابات الفيدرالية فان حملة كلينتون مدينة لشركة بين شوين أند امب بمبلغ 277146.84 دولار لقاء عمل الاستشارات والاستطلاع خلال الربع الأول من عام 2007. وشركة زوجة بين، التي تحمل اسم نانسي جاكوبسون للاستشارات، تلقت مبلغ 10 آلاف دولار في الربع الأول وتنتظر الحصول على مبلغ 19354.84 دولار. وقال بين انه لا يتلقى تعويضا مباشرا من حملة كلينتون، وان راتبه من بورسن مارستلر، الذي رفض الكشف عنه، يعتمد على ادائه الاداري في الشركة عموما، وليس على رسوم معينة من الحملة.

وقال «ج.بين» انه سدد جميع المبالغ المطلوبة باستثناء ما يعود الى مايكروسوفت، ولكنه ما يزال يعتمد على فريق من حوالي 20 موظفا للقيام بمعظم العمل اليومي. وعلى الرغم من ان ادارة شركة كبيرة وحملة رئاسية في الوقت ذاته قد يبدو مصدر عدد كبير من النزاعات المحتملة فان بين يصر على انه ليست هناك آية نزاعات.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»