33 ألف جندي عراقي جرحوا منذ الغزو.. واجهوا الإهمال بسبب قلة العناية الطبية

نظراؤهم الأميركيون ينقلون بالطائرة إلى مستشفى عسكري من الدرجة الأولى في ألمانيا

TT

كان محمد مظهر محسن رجلا مختلفا في صباح يوم 21 فبراير(شباط) الماضي. فشارباه يطغيان على بدلة الجيش العراقي. ومظهره يشع بثقة جندي ساعد على إلقاء القبض على متمردين. وقلبه يمتلئ فخرا. وبعد ساعات قليلة من إنهاء وحدته نوبة الحراسة في مشروع بناء في العاصمة بغداد، كان يتوجه الى خطبة صديقته.

ثم انفجرت قنبلة في علبة سمن للطبخ على جانب الطريق، ومزقت ساقه اليسرى بشظية.

والآن يتحرك الجندي الأول محسن بساق واحدة وينقله أشقاؤه من سريره حيث يرى في احلامه التفجيرات ويسمع أصواتها الى جهاز الكومبيوتر، حيث يبحث عن ساق اصطناعية. وقد أنفق راتبه الشهري البالغ 460 دولارا على علاجه الذي بلغ 3400 دولار. وبينما يستعد الجيش الأميركي لتسليم المهمات الأمنية الى القوات العراقية، فان مزيدا من الجنود العراقيين البالغ عددهم 120 ألفا يتقدمون الى الخطوط الأمامية للحرب، ويصاب المزيد منهم بجروح. ولكن بسبب عدم وجود مستشفيات عسكرية عراقية، فان آلافا يتركون تحت رحمة المستشفيات المدنية التي ينتشر فيها الفساد ونظام تعويضات عسكرية تشله البيروقراطية والفوضى، وفقا لما قاله الجنود وأفراد العوائل والأطباء والمسؤولون العسكريون. ويعود كثيرون، ممن يشعرون بأنهم مهملون، الى عوائلهم طلبا للمساعدة.

وقد سجلت وزارة الدفاع العراقية 3700 جندي جريح منذ بداية الحرب، ولكن مسؤولين يقولون ان الرقم الحقيقي قد يكون ضعف ذلك. وتقدر مؤسسة الأبحاث في الكونغرس ان ما يزيد على 33 ألفا من أفراد قوات الأمن العراقية، وبينهم خمسان من الجنود، جرحوا حتى ابريل(نيسان) 2006. وفي العام الماضي قال وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، ان أفراد القوات العراقية جرحوا بنسبة تقرب من الضعف بالمقارنة مع القوات الاميركية. وقد أصيب بجروح ما يقرب من 25 ألفا من الجنود الأميركيين حتى الأول من مايو (أيار) الحالي، وفقا لوزارة الدفاع. ويقول مسؤولون عسكريون اميركيون يعملون مع وزارة الدفاع، ان القدرة العراقية على العناية بأفراد قواتها قد تحسنت كثيرا، ولكنها تبقى معاقة باعتمادها على المستشفيات العامة، التي تدهورت في ظل العقوبات الاقتصادية خلال سنوات التسعينات.

وعلى الرغم من ان العراقيين يقاتلون الى جانب الأميركيين، فان مصائرهم تختلف فيما يتعلق بالإصابة بجروح. فالجنود الأميركيون الجرحى ينقلون بالطائرة عادة خلال يوم واحد الى مستشفى عسكري من الدرجة الأولى في ألمانيا ويصلون في غضون 72 ساعة الى مركز والتر ريد الطبي للجيش، حيث الجرحى يتلقون إعادة تأهيل شاملة ويحصلون على أعضاء جسدية اصطناعية بسعر مناسب، وفقا لدراسة قام بها مركز انتربرايس الأميركي التابع لمعهد بروكينغز.

والمستشفيات العسكرية شيدت في عهد صدام حسين، ولكنها نهبت خلال الحرب وهرب أطباؤها.وبينما يتلقى الجنود العراقيون المصابون بجروح بليغة في الوقت الحالي عناية اولية في مستشفيات عسكرية أميركية متطورة في العراق، فان عليهم استكمال العلاج في مستشفيات عامة، حيث تشح الأدوية والطاقم المدرب تدريبا عاليا. وتوجد عيادة عسكرية واحدة خاصة بالأعضاء البشرية في البلاد وقليل من خدمات الصحة العقلية ولا يوجد مركز للحروق.

وبينما تركز منظمات مساعدة عدة على الضحايا المدنيين للعنف في العراق، فانه ما من منظمة تقدم المساعدة للجنود الجرحى. أما بالنسبة لمحسن، فقد تبع أخواه سيارة الاسعاف التي تحمله بسيارتهما مع بندقيتيهما جاهزتين للمواجهة، إذ من المعروف أن المتمردين ينصبون كمائن لسيارات الاسعاف التي تحمل جنودا، حسبما قالا. وبعد ساعة أخذه أخواه إلى مستشفى الكاظمية التي شعرا أنها أكثر أمانا.

لكنها كانت مكانا موحشا، كما قال محسن وأخواه. وقالوا إن هناك عددا قليلا من الأطباء، لذلك اضطروا أن يجلبا طبيبا خاصا كي يخيط المنطقة المقطوعة من جسده والتي كانت غير مغلقة تماما. وظل أقارب محسن ينظفون غرفته كل يوم بسبب عدم قدوم منظفين إليها. ولم يكن في المستشفى عقاقير مضادة للألم أو للجراثيم كان محسن بحاجة إليها، لذلك كانت عائلته تشتريها بمعدل 15 دولارا يوميا من صيدليات خارج المستشفى. وكان عليهم أن يبرطلوا الممرضة بستة دولارات كل يوم كي تحقن محسن وتنظف جروحه.

وقال أخوه الجريح علي مزهر محسن، 37 سنة: «كان علينا أن نشتري كل شيء ابتداء من الماء والعصير». غادر محسن المستشفى بعد 11 يوما، لكنه قال إنه ما زال ينفق كل راتبه على العلاج. أما أخوه الآخر، إبراهيم مزهر مازن، 32 سنة، فسعى للحصول على مساعدة وزارة الدفاع، لكنه أخبر بأن طلب التعويض يجب أن يبدأ من الوحدة التي يخدم فيها الجندي وتلك الوحدة أرسلت مرة أخرى إلى وزارة الدفاع. وأضاف: «أنت تعرف البيروقراطية. نحن يئسنا».

لكن علي ما زال يحتفظ بقائمة المصروفات على معالجة أخيه على أمل أنهم يستطيعون في الأخير أن يحصلوا على تعويض. ومن بين المواد المسجلة 120 لفافا و10 أنابيب من المرهم وثلاث عمليات جراحية.

قال العميد سمير حسن الجراح العام في وزارة الدفاع، إن من المفترض أن تكون المستشفيات العامة مجانية وإن التعويضات تقدم إلى الجنود لغرض الحصول على الخدمات غير المتوفرة في قطاعات الدولة. لكنه قال إن المستشفيات العامة لا تخزن أدويتها.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)