انتخابات الرئاسة التركية: فشل غل أول هزيمة كبيرة لحزبه منذ وصوله للحكم

النصاب اللازم لانتخاب الرئيس لم يكتمل والأتراك أصبحوا غير مهتمين بموقف الاتحاد الأوروبي

TT

في ما يعد أول هزيمة كبيرة لحزب العدالة والتنمية منذ وصوله الى الحكم في عام 2002 اضطر عبد الله غل، وزير الخارجية التركي، الى الانسحاب من سباق انتخابات الرئاسة التركية بعد ان فشل الحزب في تأمين النصاب القانوني اللازم في التصويت الذي جرى في البرلمان أمس على المنصب، وكان غل المرشح الوحيد فيه. وقال غل للصحافيين في البرلمان «بعد هذا... بات ترشيحي أمرا غير وارد».

وفشل حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية في تأمين حضور 367 عضوا في البرلمان ليتسنى اجراء تصويت على انتخاب غل للرئاسة، وذلك في أحدث فصل من الأزمة القائمة منذ اكثر من اسبوع بعد اعلان الحزب ذي الخلفية الإسلامية ترشيح غل للمنصب الذي يعد اهم مواقع العلمانيين في تركيا.

وأجرى رئيس البرلمان بولند ارينج تعدادين لعدد النواب الحاضرين حتى يتمكن من بدء عملية الاقتراع، لكن النصاب المتمثل بثلثي أعضاء البرلمان (367 نائبا) لم يكتمل، فرفع الجلسة التي قاطعتها المعارضة كما في الدورة الاولى من الانتخابات التي جرت في 27 ابريل ( نيسان) الماضي. وأشار التعدادان الى حضور 356 ثم 358 نائبا، بحسب ما اعلن ارينج. ويشغل حزب العدالة والتنمية 352 مقعدا من اصل 550.

وخلال الدورة الاولى من الانتخابات في 27 ابريل، نال عبد الله غل الذي يعد المسؤول الثاني في حزب العدالة والتنمية بعد رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان 357 صوتا من اصل 367 مطلوبة من اجل انتخابه.

وألغت المحكمة الدستورية العليا الأسبوع الماضي جولة التصويت الاولى وحكمت بأن ثلثي البرلمان أو 367 عضوا يجب أن يكونوا حاضرين حتى يكون التصويت صحيحا.

وقد واجه ترشيح غل معارضة من الجيش وقسم من الرأي العام في اطار الحرص على الطابع العلماني للجمهورية التركية، خاصة ان زوجته تضع الحجاب، واحتج اتراك على وجود محجبة كسيدة اولى في القصر الرئاسي في حال فوز غل بالمنصب. وحشدت تظاهرتان في انقرة واسطنبول أكثر من مليون شخص للتأكيد على التمسك بالمبادئ العلمانية للدولة التركية والتنديد بانجراف حزب العدالة والتنمية الى توجهات اسلامية، على حد قولهم.

وتظاهر أول من أمس نحو 150 ألف شخص في ثلاث مدن غرب البلاد مرددين الشعارات ذاتها.

وكان الجيش، الذي يعتبر نفسه حامي العلمانية ومبادئ كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة ، يلوح بالتدخل. وكان قد أسقط أربع حكومات منذ 1960. لكن حكومة حزب العدالة والتمنية ردت هذه المرة بحزم منتقدة تدخل الجيش. ودعا حزب العدالة والتنمية، في محاولة لحل الأزمة، الى انتخابات تشريعية مبكرة في 22 يوليو (تموز)، ما اثار ارتياحا في البلاد، بما في ذلك في الأسواق المالية. كما تقدم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في الوقت ذاته للبرلمان بسلسلة من التعديلات الدستورية ابرزها مشروع قانون ينص على انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع العام المباشر من الشعب لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد بدلا من ولاية واحدة من سبع سنوات. وأقرت اللجان النيابية عددا من بنود هذا المشروع، لكن من غير المؤكد متى سيتم البحث فيه في اطار جلسة عامة. ويعارض حزب المعارضة الرئيسي هذا المشروع من حيث المبدأ، معتبرا ان حزب العدالة والتنمية قام بإعداده «على عجل».

وقال النائب النافذ في حزب العدالة والتنمية سعد الله ارغين أمس «ان كنا لا نستطيع ان ننتخب الرئيس في البرلمان، فلتكن الكلمة للشعب». وعبر غل عن ثقته في الفوز اذا تم تعديل نظام الاقتراع في مقابلة نشرتها اول من امس صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، وقال «ان 70 في المائة من الشعب يدعمونني. لذلك قررنا التوجه الى الشعب وسأحصل على الأغلبية من الدورة الاولى».

وفي ظل الوضع الحالي سيبقى الرئيس الحالي احمد نجدت سزر العلماني المتشدد في منصبه حتى انتخاب خلفه، علما أن ولايته تنتهي في 16 مايو(ايار) الحالي. من جهة أخرى قال تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية انه خلافا لما كان عليه الحال عامة في هازماتها السابقة لا يبدو ان تركيا تولي هذه المرة اي اهتمام لرأي الاتحاد الأوروبي، ما يشير الى انها ترد بذلك على ما تعتبره رفضا غير صريح لانضمامها.

وتفيد سلسلة من استطلاعات الرأي الأخيرة ان شعبية الاتحاد الأوروبي تراجعت بشكل كبير لدى الرأي العام التركي حيث لا يدعم حاليا عملية الانضمام سوى ثلث الأتراك مقابل ثلاثة أرباعهم قبل عامين عندما وافق الاتحاد على فتح مفاوضات الانضمام مع انقرة.

ويرى جنكيز اكتر مدير مركز الأبحاث حول الاتحاد الأوروبي في جامعة بهتشيشهير في اسطنبول ان «التحذير الذي وجهه العسكريون دليل على ان الاتحاد الأوروبي لم يعد يعني شيئا بالنسبة لتركيا»، في اشارة الى التدخل الأخير للجيش الذي ألغى بمجرد بيان جولة انتخاب عبد الله غول الإسلامي المعتدل لرئاسة الجمهورية.

وهناك عدة عوامل أسهمت في هذا الابتعاد، مثل العلاقة التي اقامها مؤخرا بعض المسؤولين الأوروبيين بين انضمام تركيا وبين اعترافها بإبادة الأرمن.

ويقول اكتر «لم تعد للاتحاد الأوروبي أية سيطرة على عملية الإصلاحات الباقية»، معتبرا ان الحكومة الاسلامية المحافظة لم تسهم كثيرا في العملية ،ولا سيما باعتمادها عام 2005 قانون عقوبات تعتبر بعض بنوده «خانقة تماما للحرية» حسب قوله. فالمادة 301 على سبيل المثال تعاقب «اهانة الهوية القومية التركية». وقد ربط عدد من المراقبين بين هذه المادة وبين اغتيال الصحافي التركي الأرميني، هرانت دينك، في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي في اسطنبول.

ولم تتردد صحيفة «ينيتشاغ» القومية المتشددة في تحويل نجوم العلم الأوروبي الى صلبان معقوفة صغيرة في الشعار الذي يعلو المقالات التي تنشرها عن الاتحاد الأوروبي. وفي الجانب الأوروبي يبدو ايضا ان انضمام تركيا يقابل بفتور شديد.

وقال رئيس اردوغان في منتصف أبريل الماضي «إذا كان الاتحاد الأوروبي لا يريدنا فعليه ان يقول ذلك صراحة الآن. فإذا كان لا يريدنا فلا حاجة للجانبين للاستمرار في اضاعة الوقت في مفاوضات» وذلك قبيل زيارة لألمانيا التي تعارض مستشارتها انجيلا ميركل عضوية كاملة لتركيا في الاتحاد.

كما أبدى المرشح للرئاسة الفرنسية، نيكولا ساركوزي، صراحة معارضته لانضمام تركيا. وتوقع اكثر في حال فوزه أمس ان «يضع على الأرجح المسمار الأخير في نعش العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي».

و«بصفة عامة لا يوجد على الإطلاق ما يتيح التحدث في تركيا عن أوروبا بصورة ايجابية»، يضيف أكثر الذي كان من اشد المؤيدين لانضمام انقرة للاتحاد الأوروبي الى جانب مفكرين وصحافيين وسياسيين آخرين صمتت أصواتهم تماما.

وبالنسبة للجيش فرغم تأييده الرسمي المعلن للانضمام الى الاتحاد الأوروبي باسم العلمانية الغربية التي أرسى قواعدها مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، الا انه تحفظ دائما عن القول صراحة ان هذا الإطار سيمحو وجوده في الحياة السياسية التي لا يزال يمارس فيها تأثيرا حاسما.