العلمانيون يحشدون الشارع دفاعا عن 8 عقود من نظام أتاتورك

مظاهرات ينظمونها كل أسبوع قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في يوليو

TT

كان المتظاهرون يحملون صورا لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، مع أقوال مأثورة له ومبادئه. وهم في ذلك يدافعون عن ثمانية عقود من الحكم العلماني في تركيا. وكان المحتشدون الذين قدموا إلى هذا المكان، ينتمون إلى فئات اجتماعية مختلفة، فهناك الطلبة والمتقاعدون: الشباب والشيوخ شاركوا في هذه المظاهرة. وكانت رسائلهم متماثلة: «تركيا بلد علماني وسيبقى علمانيا»، حسبما أشارت لافتة كانوا يرفعونها.

وخلال ساعات الصباح اول من امس، كان هناك مئات وربما آلاف من الناس جاءوا من اسطنبول ومدن تركية أخرى إلى مدينة كانكال الواقعة في شرق تركيا على امتداد الدردنيل، وتأتي هذه المظاهرة واحدة ضمن سلسلة من مظاهرات أخرى راحت تنظم كل أسبوع لحشد قوى العلمانيين المدافعين عن ايديولوجيتهم بحماس وإيمان شديدين. وكانت الرحلة جزءا من تكريم وجزءا من تحشيد وجزءا من زيارة، مع مساعي المتنافسين في تصعيد المواجهة لتحديد الخطوط الخاصة بهوية تركيا قبل إجراء الانتخابات يوم 22 يوليو( تموز)، الذي يعد واحدا من أهم الانتخابات خلال فترة طويلة من تاريخ تركيا.

فمنذ تأسيسها عام 1923 ظلت الجمهورية التركية التي يبلغ عدد سكانها 74 مليون نسمة ذات نظام علماني وحديث ضمن البلدان المسلمة. بل وحتى اليوم لا يوجد حزب يتحدث علنا عن المبادئ التي رسمها أتاتورك بعد هزيمة الحرب العالمية الاولى سواء كان العلمانيون المنتمون إلى طائفة واسعة من الأحزاب السياسية أو أولئك المنتمون إلى حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب أردوغان الذي حصل على أغلبية برلمانية في انتخابات عام 2002.

وغالبا ما يرافق النقاش قدرا من الشكوك والمخاوف من الأجندات الدينية المخفية، ومن الشكاوى تجاه التشدد العلماني وأسئلة تدور حول ما إذا تمكن حزب اردوغان من السيطرة كليا على الدولة التي تضم مؤسساتها الجيش والمحاكم والدوائر الحكومية المدنية، وهذه الأسئلة تشير إلى حالة من عدم الثقة بنواياه الداخلية.

وقالت كيفيلجيم كيلجارسلان 41 سنة، والتي تعمل ممثلة، وتلف جسدها بالعلم التركي: «إنه من الواضح ما سيحدث. عاشت جمهورية أتاتورك».

وشاركها في ترديد الأغاني القومية عدد من العابرين، وهذه الأغاني تعود إلى ايام تأسيس الجمهورية التركية. ورفعت قبضة يدها في الهواء، بينما صفق الآخرون. وصاحت كيلجارسلان: «استيقظي يا تركيا».

ولمدة خمس ساعات، ظلت الحافلة تمر عبر غابات من السرو وهضاب منحنية قبل أن تفرغ ركابها في مراكب عبر الدردنيل. وهناك التقوا بعدد من باعة الأعلام الوطنية وصور أخرى لأتاتورك وقبعات تحمل عبارات مختلفة مثل: «أبي نحن على خطاك».

وقالت كيلجارسلان، وهي تمشي إلى العبّارة: «انا ابنة الجمهورية والجمهورية في أسوأ لحظاتها الآن».

وأضافت كيلجارسلان: «نحن لسنا ضد الدين، لكن إذا وصل الحجاب إلى القصر الجمهوري، فإن الجمهورية التركية تكون قد انتهت والعلمانية تكون قد انتهت».

وظل الخلاف حول دور الدين في السياسة متواصلا لعدة أجيال. وسبق للحكومة أن أغلقت الحزب السابق لحزب اردوغان عام 1998 ثم في عام 2001، لكن الرئيس السابق تورغوت اوزال وفر مناخا أكثر انفتاحا وسمح للتنظيمات والجمعيات الخيرية الإسلامية، أن تزدهر ووفر لها الامكانية للوصول إلى محطات التلفزيون. وهو رأى في «الإسلام المعتدل» الذي يضم خليطا من الرأسمالية مع الدين والثقافة طريقة جذابة إلى ما وراء حدود تركيا، خصوصا بالنسبة لدول وسط آسيا التي ظهرت إلى السطح بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وأكد بدري بيكام، المنتقد لطريقة معالجة أوزال والناشط في جمعية فكر أتاتورك، وهي جماعة نظمت الكارافان وساعدت على التخطيط للحشد، انه «بالنسبة لنا لا يوجد اسلاميون معتدلون. انه مجرد تحول الى الاسلام المتطرف».

وفي منتصف النهار نقلت السفينة المحتجين الى كاناكيل عبر الدردنيل. وبالقرب من هناك كانت مدينة توري القديمة. وهكذا حال غاليبولي حيث ساعد أتاتورك على خلق وضعه الأسطوري كبطل حرب عبر الحاق الهزيمة بالحلفاء في معركة خلال الحرب العالمية الأولى. وتبقى القصة شهيرة. فعندما اشتكى جندي من ان شحة الامدادات تمنع القوات من القتال، يقال ان أتاتورك أجاب: «أنا لا آمرك بالقتال. أنا آمرك بالموت». وقد فعل ذلك عشرات الألوف.

وقال توغرول ايرغن، الطالب البالغ 27 عاما، من على متن السفينة «عندما تنظر الى ايران، تجد انه كان لديهم اسلوب حياة حديث سابقا، وثقافة وكل شيء. وفجأة تغير ذلك. فإذا لم نستمر على مبادئ اتاتورك، فأعتقد اننا سنواجه المستقبل ذاته».

وقد انضم ايرغن وآخرون الى التجمع الواسع. وكان الشارع غارقا بالأعلام التركية، وكان آخرون يلوون بالأعلام من شرفات بيوتهم. واستحضرت الأناشيد العسكرية عهد أتاتورك والحرب الى أدت الى تأسيس تركيا. ووقف المحتشدون دقيقة صمت، حدادا على ارواح الجنود الذين سقطوا في الحرب. وكانت اللافتات تخاطب حزب أردوغان الحاكم. وحذرت احداها قائلة «اقرنوا أقوالكم بالأفعال». وأعلن الخطيب «لن نقبل من يساعدون اولئك الذين يحاولون تقسيم بلادنا. نحن هنا لنهتف: لقد تجاوزتم الحدود».

وتبع ذلك النشيد الوطني، الذي تبدأ كلماته بعبارة «لا تخافوا». غير أن الخوف ربما كان هو التعبير عن المشاعر في هذا اليوم. وفي فترة ما بعد الظهيرة بدأ المتظاهرون، الذين تميزوا بالأناقة وبدا عليهم أنهم من أهل المدن، ونادرا ما كانت بينهم نساء يرتدين الحجاب، بمغادرة المكان. وعلى حافة الرصيف كانت تجلس فاطمة دورماز، خبيرة الكومبيوتر البالغة 27 عاما، والتي استقلت الباص من اسطنبول فجرا.

وقالت «انه لأمر جيد ان يكون المرء بين الناس الذين يحملون الأفكار ذاتها، والمشاعر ذاتها، والحماس ذاته». وكانت فاطمة تشعر بالقلق من الآتي، من «الاسلاميين وتعتقد ان ذلك سيغير كل شيء من الألف الى الياء»، مضيفة «اننا لن نسمح بحدوث ذلك. لن نسمح لهم بالقيام بما يريدون».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)