فرنسا: بايرو يطلق «الحركة الديمقراطية» والاشتراكيون يلملمون جراحهم

TT

بدأت تتسارع التحضيرات للانتخابات التشريعية، التي ستجري في فرنسا في العاشر والسابع عشر من يونيو (حزيران) المقبل، فيما بدأت استطلاعات الرأي تظهر صورة الجمعية الوطنية المقبلة، التي سيهيمن عليها حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الرئاسي. وما كاد الرئيس المنتخب نيكولا ساركوزي يعود من رحلته المالطية، التي أثارت جدلا لم يهدأ ضجيجه بعد، حتى تكثفت الاتصالات من أجل تشكيل الحكومة الجديدة وتحديد اللوائح الحزبية التي ستتنافس في الانتخابات التشريعية. وفيما يعرض حزب ساركوزي عضلاته الانتخابية، أعلن فرنسوا بايرو، مرشح الوسط، في اجتماع حاشد جرى أمس في باريس، تشكيل حزب جديد اسمه «الحركة الديمقراطية»، معربا عن عزمه خوض غمار المعركة الانتخابية القادمة في كل الدوائر الـ577.

ويجد بايرو الذي حصل على 7 ملايين صوت في الدورة الرئاسية الأولى، نفسه في وضع غير مريح. فنواب حزبه تخلوا عنه بأكثريتهم الساحقة، والدورة الثانية أعادت ثنائية اليمين واليسار الى الواجهة، بحيث لم يعد أمام بايرو الداعي الى تخطي الانقسامات السياسية التقليدية فسحة للتحرك. فضلا عن ذلك، جاء استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «بي. في. ايه»، نشرت نتائجه أمس ليعكس حرج موقف بايرو، الذي كان يعتقد أنه سيكون قادرا على إحداث «زلزال سياسي»، من خلال بناء حزب يحتل موقع الوسط ويتخطى اليمين واليسار. وأفاد هذا الاستطلاع بأن حزب ساركوزي يمكن أن يحصل على الأكثرية المطلقة في البرلمان، ما سيمكن الرئيس وحكومته العتيدة من تنفيذ البرنامج الذي انتخب على أساسه. ويتوقع استطلاع الرأي أن يحصل الاتحاد من أجل حركة شعبية على 288 الى 344 نائبا، مستفيدا بذلك من الدينامية الانتخابية التي أوصلت ساركوزي الى رئاسة الجمهورية. أما الحزب الاشتراكي فإن من المرجح له أن يحصل على 158 الى 200 نائب، ما يعني أنه سيكون قادرا على الاحتفاظ بكتلته النيابية الحالية، لا بل اكتساب مقاعد إضافية. ويأتي تقدم الاشتراكيين وحزب ساركوزي على حساب حزب الاتحاد من أجل حركة ديمقراطية (الوسط) وعلى حساب الشيوعيين والخضر. ومن المرجح أن يخسر الشيوعيون كتلتهم النيابية، فيما لن ينجح أي مرشح عن الجبهة الوطنية المتطرفة رغم حصول زعيمها جان ماري لوبن على ما يزيد على عشرة بالمائة من الأصوات.

أما الخبر السيئ لبايرو الذي انفض عنه نواب حزبه، فهو أنه لن يحصل إلا على نصف ما كان له في الدورة الماضية (32 نائبا). وسيعاني بايرو من عزم الاتحاد من أجل حركة شعبية على سلبه ما تبقى له من نواب، عقاباً له على المواقف التي اتخذها ما بين الدورتين الأولى والثانية من انتخابات الرئاسة.

ورغم صعوبة الوضع، فقد نفذ بايرو التزامه بإطلاق حزب جديد سماه «الحركة الديمقراطية»، التي وصفها بأنها «قوة سياسية جديدة مستقلة». وفي خطاب طويل، أعلن بايرو أنه «يعرف الصعوبة الكبرى للمعركة الانتخابية». لكنه نفى أن يكون عازما على التفاهم مع الاشتراكيين في الاستحقاق الانتخابي القادم، وأكد التزامه خطا مستقلا داعيا الى مقاومة الضغوط والإغراءات التي يمارسها اليمين على الوسط.

وبموازاة ذلك، استمر مخاض الحزب الاشتراكي، الذي لم يتوصل بعد الى هضم الهزيمة الانتخابية التي مني بها. وأمس، عاد وزير الاقتصاد السابق دومينيك ستروس الذي كان قد ترشح من داخل الحزب لمواجهة سيغولين رويال الى الواجهة، من خلال دعواته لإصلاح وتجديد الحزب بشكل جذري. ورغم أن «فيلة» الحزب اتفقوا على وضع خلافاتهم جانبا، وعلى تأسيس قيادة جماعية تتولى تحديد البرنامج السياسي، الذي سيتقدم المرشحون على أساسه من الناخبين، فإن الخلافات قائمة على هوية الشخص الذي ستعود اليه قيادة الحملة الانتخابية. ولا تنوي المرشحة الاشتراكية، التي حصلت على أكثر من 16 مليون صوت في الدورة الانتخابية الثانية، العودة الى المقاعد الخلفية، بل تطمح لأن تكون لها كلمتها في قيادة الحملة. وهذا ما أكدته منذ مساء الأحد الماضي أي مباشرة عقب الإعلان عن النتائج. ويسعى السكرتير الأول للحزب فرنسوا هولند التوفيق بين مختلف التيارات، داعيا الى تغليب المصلحة العليا وضرورة الالتفات الى الانتخابات القادمة وتحاشي الحرب الداخلية.

في هذا الوقت، كثف الرئيس المنتخب اجتماعاته منذ صباح أمس تمهيدا لعملية التسلم والتسليم التي ستجرى في 16 الشهر الجاري. ويركز ساركوزي جهوده على تشكيل حكومته الأولى التي سيترأسها الوزير السابق ومستشاره السياسي فرنسوا فيون. ويتعين على ساركوزي أن يجد حلولا لخلافته على رأس حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، وعلى رأس المجلس العام لمنطقة هو دي سين ناهيك من العثور على التركيبة الوزارية المثالية التي وضع معاييرها منذ أسابيع، ومنها الانفتاح على الوسط واليسار والفعالية والمساواة بين الرجال والنساء وحكومة مصغرة من 15 وزيرا. واليوم يلتقي ساركوزي رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، فيما سيلتقي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأربعاء القادم.