التاريخ سيذكر بلير بـ«ورطة العراق» و«إنجاز آيرلندا»

أطول عمالي عمر في السلطة.. وأول رئيس حكومة كاد يحاكمه البرلمان

TT

شغل أنتوني تشارلز لينتون «توني» بلير منصب رئيس الوزراء في بريطانيا عام 1997 عندما أتى بحزب العمال الى السلطة للمرة الأولى، بعد 18 عاما متتالية في المعارضة. فبعد تزعمه الحزب عام 1994 خلفا لجون سميث، بدأ توجهه الى وسط الطيف السياسي واستخدم مصطلح «حزب العمال الجديد» ليؤذن بانعطافة أساسية للحزب من سياسته الاشتراكية التقليدية الى دعم القطاع الخاص، وأثار بذلك انتقادات من اليسار الذي شعر أن حزب العمال لم يعد يمثله.

وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر (ايلول)، تحولت أولوياته الى السياسة الخارجية فقدم أكبر دعم للرئيس الأميركي جورج بوش في «الحرب ضد الإرهاب»، وأرسل قوات بريطانية لتقف جنبا إلى جنب مع نظيرتها الأميركية في غزوها أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003. كما امتنع، مثل جورج بوش، عن ردع إسرائيل عن قصف لبنان في حرب يوليو (تموز) 2006.

ولد بلير عام 1953 في أدنبره باسكوتلندا، لوالده ليو الذي كان محاميا ولاحقا محاضرا في القانون متمتعا بعضوية حزب المحافظين. تلقى تعليمه في مدرسة كوريستر، دارهام، وكلية فيتيز، أدنبره. ثم درس القانون بأكسفورد. وأثناء دراسته هناك كان أيضا مغنيا وعازفا للغيتار بفرقة روك تدعى «أغلي رومرز» (إشاعات مغرضة). ولدى نيله شهادة التخرج التحق متدربا بـ«تشيمبرز اوف ديري آيرفين» محاميا مترافعا. وهناك التقى بشيري بوث التي تزوجها عام 1980، وأنجبت له ثلاثة اولاد هم يوان ونكي وليو وبنتا هي كاثرين. ويتميز ليو بأنه الطفل الوحيد الذي ولد لرئيس وزراء بريطاني في منصبه على مدى 150 عاما. وبلير وزوجته يعتنقان الكاثوليكية وقيل عنه انه أكثر رؤساء الوزراء البريطانيين تدينا منذ ويليام غلادستون.

بعيد تخرجه عام 1975، انضم بلير الى صفوف حزب العمال. وفي 1983 خاض الانتخابات العامة مرشحاً عن الحزب لدائرة سيدجفيلد، قرب دارهام في شمال شرق انجلترا. ولأن هذه الدائرة كانت مضمونة للعمال، فقد نال بلير مقعداً داخل البرلمان الذي صعد فيه نجمه بسرعة. ففي العام التالي عين مساعدا للمتحدث باسم الخزانة، وبفضل ولائه لزعيم الحزب وقتها، نيل كينوك، رقي بعيد انتخابات 1987 الى المتحدث باسم حي المال اللندني «السيتي» في فريق الحزب للتجارة والصناعة. والعام التالي اختير وزيرا للتشغيل في «حكومة الظل».

وفي اعقاب فوز المحافظين في انتخابات 1992، استقال كينوك، وخلفه جون سميث الذي عين بلير وزيرا للداخلية في حكومة الظل. ولدى وفاة سميث المفاجئة عام 1994، تنافس على خلافته بلير (حصل على 32% من الأصوات في استطلاع عام للرأي) وغوردون براون (9%) وروبن كوك (5%). وفي 31 مايو (أيار) من ذلك العام التقى بلير وبراون في مطعم لندني، حيث وافق هذا الأخير على الانسحاب لصالح بلير، مقابل ان يتنحى عن زعامة الحزب بعد أجل معلوم بينهما. وفي 21 يوليو (حزيران) من ذلك العام هزم بلير منافسيه جون بريسكوت ومارغريت بيكيت ليفوز بزعامة الحزب.

وأعلن بلير على الفور أن الحزب تحت زعامته سيغير مساره التقليدي الى آخر نقله يمينا إلى الوسط. ولأجل ذلك ألغى «البند الرابع» في الميثاق العمالي الذي يلزم الحزب بانتهاج سياسة التأميم الشامل، وهو ما صادق عليه مؤتمر العمال في مارس (آذار) 1995. وبذل بلير جهدا كبيرا لإقناع قطاع الصناعيين والرأسماليين الآخرين بأن «حزب العمال الجديد» سيرعى مصالحهم على نحو أفضل من المحافظين. وفي انتخابات 1997 حقق بلير والعمال عموماً نصرا ساحقا على جون ميجور لينهوا 18 عاما من قبضة المحافظين الحديدية على السلطة.

كان أكبر إنجازات بلير في ولايته الأولى التوصل الى «اتفاقية الجمعة الحزينة» (الجمعة الأخيرة قبل عيد الفصح)، التي أدت إلى إنهاء نزاع آيرلندا الشمالية رسمياً في 10 أبريل (نيسان) 1998. وكان من نتائج تلك الاتفاقية تشكيل حكومة تضم الكاثوليك والبروتستانت، الذين ظلوا أعداء على مدى عقود، خلال الأيام القليلة الماضية.

احتفظ العمال بالسلطة في انتخابات 2001 وأصبح بلير أول رئيس وزراء عمالي يفوز بولايتين متتاليتين. وفي 1 أغسطس (آب) 2003، صار بلير رئيس الوزراء العمالي صاحب الفترة الأطول في منصبه. وفي عام 2005 فاز العمال بولاية ثالثة لكن أغلبيتهم البرلمانية انخفضت من 167 إلى 66 مقعدا، مما دعا بعدد متزايد من البرلمانيين العماليين لدعوة بلير الى التنحي. واكتسب هذا الاتجاه زخما إضافيا عندما اتضح في أكتوبر (تشرين الأول) 2003 ان بلير يعاني من متاعب في القلب، وأنه خضع وقتها لتنظيم خفقانه. في ولايته الثانية ظل بلير من أشد مناصري جورج بوش في سعيه لإطاحة الرئيس صدام حسين. وسرعان ما أصبح «وجه الدبلوماسية الدولية المؤيدة لغزو العراق»، مصطدما بالرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي صار من جهته «وجه الدبلوماسية الدولية المعارضة للغزو». وكان من عواقب الضجة التي أثيرت في أعقاب الحرب، أن سعت عدة جماعات ضغط معارضة للحرب، لتقديم بلير الى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في العراق (بوش لا يمكن ان يحاكم لأن بلاده لم توقع على اتفاقية تشكيل المحكمة). وفي أغسطس 2004، أعلن البرلماني عن حزب «بلايد كومري» الويلزي أنه سيسعى لتوجيه الاتهام رسميا الى بلير، ومحاكمته في البرلمان، بتهمة «التسبب في إلحاق الأذى بالدولة» على خلفية الحرب، و«انتهاك واجباته الدستورية» بكذبه على أعضاء الجهاز التشريعي و«دخوله في اتفاق سري مع رئيس الولايات المتحدة». ورغم ان المسعى، الذي أيدته احزاب صغيرة، لم يسفر عن شيء، فقد كانت تلك المرة الأولى في 150 عاما من عمر السياسة البريطانية التي تتم فيها محاولة توجيه الاتهام لرئيس الوزراء ومحاكمته.

ورغم أن غالبية المراقبين السياسيين، يجمعون بأن تحقيق السلام في آيرلندا الشمالية، وما نجم عنه من تشكيل حكومة تقاسم سلطة بين اعداء الأمس، كان من أكبر الإنجازات التي تحققت في عهد بلير، فإن الأمر نفسه لا يمكن ان يقال عن قراره غزو العراق الى جانب القوات الأميركية. ولا يختلف المراقبون أيضاً في ان التاريخ سيحكم على بلير بأنه شارك في «كارثة العراق» أولا وفي «إنجاز آيرلندا الشمالية» ثانياً.