العراقيون يكتشفون فوائد متعددة للحواجز الكونكريتية المنتشرة

تستخدم كلوحات إعلانية ولعرض البضائع ولوحات فنية..

TT

لم يجد سعد صالح غير الحواجز الكونكريتية المنتشرة بكثرة في عموم مناطق العاصمة بغداد مكانا مناسبا ليعرض بضاعته؛ وهي عبارة عن ملابس وأحذية وحقائب ومستلزمات تجميل وعطور يقوم بشرائها من أسواق الجملة في منطقتي السوق العربي والشورجة التجاريتين ليبيعها الى زبائنه. ويعتبر صالح، 43 عاما، وهو رب أسرة يعيل سبعة أطفال، ان تلك الحواجز وفرت له مكانا يستطيع من خلاله توفير لقمة العيش لعائلته من دون ان يدفع أي أموال كبدل ايجار او «سرقفلية» لأصحاب العمارات الذين يطلبون أموالا كبيرة كبدل إيجار عن محلاتهم. وقال لـ«الشرق الاوسط» «هذه الحواجز وفرت للبائعين المتجولين أمثالي مكانا لعرض بضائعهم وبيعها من دون ان يدفعوا أي مبالغ كأقساط ايجار، كما أنها تقي المارة والبائعين على حد سواء أشعة الشمس الحارقة في فصل الصيف، فضلا عن كونها جدرانا قوية تساعد في تقليص الخسائر المادية والمعنوية عند حدوث الانفجارات التي تستهدف الاسواق».

وعلى الرغم مما تشكله هذه الحواجز من عوائق، إلا انها تساعد ايضا بعض العاطلين الذين ينتشرون بقربها في الحصول على فرصة عمل لكسب العيش من خلال استخدامها في عرض مؤهلاتهم ومنتجاتهم. وكذلك يستخدمها بعض الرسامين في عرض لوحاتهم الفنية للبيع. وقام مجموعة من الفنانين التشكيليين وطلاب في معاهد وكليات الفنون الجميلة مؤخرا، بحملة كبيرة لتحويل تلك الحواجز الى لوحات فنية تحكي تاريخ وتراث العراق، وبعضها رسم عليها العلم العراقي بأحجام كبيرة، في محاولة منهم لإبراز الاستمرارية في الحياة اليومية للعاصمة بغداد.

وتقول الحكومة العراقية والقوات الاميركية إن الغرض الأساسي من نشر وإقامة هذه الحواجز، هو لحماية أرواح المدنيين الأبرياء من الهجمات الانتحارية بالسيارات المفخخة التي يتم فيها استهداف الأسواق التجارية والأماكن العامة المليئة بالمارة.

وعند المرور في بعض مناطق العاصمة وخصوصا التجارية منها او تلك القريبة من الاسواق التي تم احاطتها بجدران اسمنتية وحواجز كونكريتية كمنطقة بغداد الجديدة وشارع السعدون وساحة الطيران في منطقة الباب الشرقي، سيتم ملاحظة ظاهرة جديدة وهي تحويل بعض هذه الحواجز الكونكريتية الى لوحات اعلانية تدل على عيادات اطباء وصيدليات ومحلات للأزياء او لمكاتب سفر وسياحة، او في الاعلان عن مطاعم ووظائف في محلات متنوعة وغيرها من الاعلانات التي تشير الى وجود حياة تجارية منتعشة وكبيرة خلف هذه الحواجز. وفي مناطق أخرى من بغداد والتي تعتبر من المناطق المتوترة امنيا كالاعظمية وحي الجامعة والصليخ والعامرية، تحولت تلك الحواجز الكونكريتية الى لافتات وجدران كتبت عليها شعارات مناهضة للحكومة والقوات الاميركية وتندد بالعمليات العسكرية التي تشنها الاجهزة الامنية العراقية وبالاجراءات التي تتبعها تلك الاجهزة في محاربة الجماعات المسلحة التي تتخذ من تلك المناطق أوكارا لها.

احد الخطاطين كان يقوم بعمل لافتة اعلانية لاحد المطاعم الكبيرة في منطقة الشورجة على أحد الحواجز الكونكريتية قال لـ«الشرق الاوسط» ان «هذه الظاهرة أخذت بالانتشار مؤخرا في المناطق والأسواق التي احيطت بالجدران الكونكريتية، وباتت تدر علي دخلا ماليا مناسبا من خلال الاعلانات التي اعملها لأصحاب المحلات والمطاعم التي تقع داخل تلك الاسواق المحاطة بالكتل الاسمنتية».

واضاف ربيع سرحان، 46 عاما، الذي يعمل خطاطا متجولا «قمت بعمل لوحات ولافتات إعلانية في أسواق الشورجة والباب الشرقي والسنك للاستدلال على بعض المحلات التي حوصرت بسبب إقامة الجدران الكونكريتية تلبية لرغبات اصحاب تلك المحلات».

وعلى العكس من صالح، يصف معتز الجنابي، 38 عاما، وهو من سكان منطقة البياع جنوب بغداد هذه الحواجز بـ«النقمة» التي حلت على رؤوس العراقيين جميعا، بعد ان شلت وبشكل شبه كامل حركة الانسيابية والمرور في شوارع العاصمة العراقية وأدت الى عزل مناطق كبيرة وتجارية عن محيطها الاداري والسكاني.

وقال الجنابي وهو سائق تاكسي يجول في مناطق عديدة يوميا «معاناتنا كبيرة بسبب هذه الحواجز؛ فهي السبب المباشر في الازدحام والاختناقات المرورية التي تشهدها شوارع بغداد، فضلا عن منظرها الذي لا يسر، وعلى الرغم من تحويل بعضها الى لوحات فنية إلا ان وجودها من الأصل يعطي شعورا سوداويا لناظريها»، مضيفا «عند رؤيتي لهذه الحواجز أتخيلها جدران لأحد السجون والمواطنين خلفها عبارة عن سجناء».