الجيش «ينظف» طرابلس من المسلحين ويتعقب عناصرهم في مخيم نهر البارد

معارك ضارية بين قوى الأمن اللبناني و«فتح الإسلام» في شمال لبنان

TT

خاض الجيش اللبناني، على مدى يوم كامل امس، معارك قاسية وبمختلف انواع الاسلحة مع مسلحي تنظيم «فتح الاسلام» الاصولي الذي يتخذ من مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان معقلاً له. واوقعت المعارك التي كانت لا تزال مستمرة حتى مساء امس، حوالى 13 قتيلاً من القوى الامنية اللبنانية و19 قتيلا من تنظيم «فتح الاسلام» و30 جريحاً من الجانب اللبناني وذلك وفق معلومات غير رسمية. ودعت قيادة الجيش اللبناني وسائل الاعلام الى «عدم ذكر اسماء الشهداء والجرحى من العسكريين قبل صدور بيان رسمي عن القيادة». كما دعت الى «عدم النقل المباشر للتحركات والنشاطات العسكرية الميدانية التي تقوم بها وحدات الجيش والقوى الامنية في منطقة العمليات».

وتحدثت معلومات غير مؤكدة عن وقوع عدد من الجنود اسرى لدى المسلحين الاصوليين الذين باغتوا فجر امس موقعاً للجيش اللبناني على تلة قريبة من مخيم نهر البارد. فيما اعتقلت القوى الامنية عشرة على الاقل من عناصر «فتح الاسلام» تردد ان بينهم احد قياديي التنظيم.

وقد استخدمت في المعارك، التي انطلقت شرارتها اثر سطو مجموعة من «فتح الاسلام» على فرع لبنك «البحر المتوسط» في بلدة اميون (الكورة) بعد ظهر اول من امس، الاسلحة الثقيلة والمدفعية والآليات المدرعة. وتولت المروحيات مهمة الدعم اللوجستي لوحدات الجيش التي استدعيت للسيطرة على مواقع التنظيم الاصولي الذي امتد من المخيم الى بعض احياء مدينة طرابلس.

وأصدرت قيادة الجيش بياناً أولياً حول العمليات جاء فيه: «فجر اليوم (امس) وعلى اثر قيام مجموعة من قوى الامن الداخلي بدهم مبنى داخل مدينة طرابلس والاشتباك مع مسلحين، اقدمت عناصر تابعة لحركة فتح الاسلام على مهاجمة بعض مراكز الجيش في محيط مخيم نهر البارد والضواحي الشمالية لمدينة طرابلس. كما تعرضت لآليات عسكرية خلال انتقالها في منطقة القلمون، ما ادى الى وقوع اصابات بين قتيل وجريح في صفوف العسكريين. لا تزال وحدات الجيش في حال اشتباك مع المسلحين. وقد اتخذت التدابير الميدانية لتعقب هؤلاء المسلحين وضبط الوضع وفرض النظام».

بدوره، ابلغ المدير العام لقوى الامن الداخلي، اللواء اشرف ريفي، احدى الاذاعات المحلية ان «الانتشار المسلح الذي نفذته اليوم (امس) عناصر مسلحة في الشمال تنتمي الى فتح الاسلام يهدف الى قلب الاوضاع وزعزعة الاستقرار في لبنان» واصفاً المجموعة بأنها «قاعدة مزورة. ونعرف اين هي ارتباطاتها العملية». وافاد ان القوى الامنية «رصدت منذ اسبوعين مجموعات مسلحة تتغلغل في بعض احياء مدينة طرابلس في اطار خطة للامساك بوضع المدينة. وبعد عملية السطو التي استهدفت احد المصارف في مدينة اميون تم تتبع آثار المجموعة الى داخل شقة في شارع المائتين في طرابلس حيث تبين ان عناصر من فتح الاسلام يتخذون من هذه الشقة مقرا رسمياً لهم». وأضاف: «بعد اتخاذ قرار الانقضاض على المسلحين داخل الشقة، اندلعت اشتباكات. وظهرت مجموعات مسلحة في احياء اخرى من المدينة تعمل قوى الامن بالتعاون مع الجيش اللبناني على معالجتها».

وطمأن الى «ان الوضع الامني في الشمال يكاد يكون تحت السيطرة. وتمت السيطرة على المجموعة التي اشتبكت مع الجيش في منطقة المحجر الصحي. ويجري حالياً التعامل مع مجموعة اخرى في منطقة الزاهرية ومحاصرة مقر المجموعة الرئيسي في ميدان طرابلس وملاحقة المجموعة التي قتلت اربعة عناصر من الجيش اللبناني في قلحات».

وشرح مصدر امني لبناني لـ«الشرق الاوسط» خلفيات الانفجار الامني المفاجئ في الشمال، فقال: «على اثر محاولة مجموعة مسلحة من فتح الاسلام السطو على بنك البحر المتوسط في منطقة انفه، حددت القوى الامنية اماكن عناصر المجموعة المنفذة في طرابلس وقامت بدهم هذه المنازل بمؤازة من الجيش اللبناني». وأضاف: «في هذه الاثناء فوجئ الجيش بأن مجموعة من فتح الاسلام كانت تكمن لفان بداخله اربعة عسكريين من الجيش اللبناني في منطقة القلمون جنوب طرابلس، حيث هاجمت هذه المجموعة المنتشرة في البساتين الفان ما ادى الى استشهاد العسكريين الاربعة على الفور».

وتابع المصدر «ان المجموعات المسلحة لم تكتف بذلك بل هاجمت نقطة عسكرية للجيش اللبناني على اطراف مخيم نهر البارد في تلة المحمرة حيث كان يقوم في السابق موقعان لفتح الاسلام وموقعان لحركة فتح، تم الانسحاب منها وتسليمها للجيش». ولم يعرف مصير حامية التلة.

وذكر المصدر نفسه انه «على اثر احتلال تلة المحمرة انتشر عناصر من فتح الاسلام في شارع المائتين في طرابلس بكثافة، حيث اشتبك الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي مع العناصر وتم حسم الموقف لمصلحة القوى الامنية اللبنانية». واضاف ان التركيز تحول الى محيط مخيم نهر البارد وتحديداً تلة المحمرة لاستعادتها، حيث تم الدفع بقوة معززة من قوات النخبة في الجيش اللبناني (المغاوير) التي تمكنت فور وصولها من احتلال مداخل المخيم الشمالية و«تتحضر لتنفيذ عملية دقيقة ومحددة للسيطرة على تلة المحمرة».

وأشار المصدر الى ان «قيادة الجيش اللبناني اعلنت الجهوزية التامة والاستنفار العام. وهي اصدرت بيانات متلاحقة كان ابرزها منع تصوير مواقع الجيش وحركة تنقل الآليات والعناصر، لأن قوة المغاوير التي دخلت الى مسرح المعركة تحتاج الى تكتم وسرية في عملها لتجنيب الجيش المزيد من الخسائر وحفاظاً على المدنيين». ولفت المصدر الى ان «حصيلة الشهداء سبعة، اربعة سقطوا في الفان وثلاثة خلال المعارك، اضافة الى مجموعة في عداد المفقودين في تلة المحمرة».

وكتب مراسل «الشرق الاوسط» في شمال لبنان تقريراً ميدانياً عن الوضع، جاء فيه: منذ الثالثة من فجر الاحد انفجرت اشتباكات مسلحة وعلى نطاق واسع في مناطق عدة من محافظة الشمال التي تعد الثانية من حيث المساحة في لبنان وتضم مخيمين للاجئين الفلسطينيين وحركات اصولية عدة وتنظيمات مختلفة.

وفي بلدة قلحات (قضاء الكورة) اقدم مسلحون من «فتح الاسلام» على استهداف موقع للجيش اللبناني ما ادى الى سقوط اربعة شهداء. كما استهدفوا سيارات الصليب الاحمر والاسعاف الاخرى. وقد تعاملت القوى الامنية مع المسلحين بسرعة. وعملت على وضع حد لتحركهم بعد ساعات قليلة.

وقامت مجموعة اخرى من «فتح الاسلام» بقطع الاوتوستراد الدولي في بلدة القلمون الذي يربط العاصمة بيروت بمدينة طرابلس.

وقد سارع الجيش الى حسم الموقف والتعامل بحزم مع هذه الحالة وفي مخيم نهر البارد فتح عناصر من «فتح الاسلام» النار باتجاه مواقع الجيش اللبناني المنتشرة حول المخيم ولاسيما منها موقع تلة المحمرة الاستراتيجي. وقد استخدم الجيش المدفعية لمنع عناصر «فتح للاسلام» من محاولة السيطرة على بعض المواقع. الأمر الذي ادى الى مواجهات عنيفة، استمرت طوال ساعات بعد الظهر ومساء امس.

وتولت المروحيات التابعة للجيش اللبناني تقديم الدعم اللوجستي ونقل الجرحى الى مستشفيات في اقضية زغرتا والكورة.

وفي حين سعت القوى الامنية الى استيعاب الموقف داخل مدينة طرابلس استمر الوضع متوتراً في محيط مخيم نهر البارد حيث يصعب جداً حسم الوضع نتيجة الكثافة السكانية داخل المخيم وتداخل المواقع العسكرية للمسلحين مع المباني السكنية. ويشير المراقبون الى ان انهاء اي وضع شاذ في المخيم يتطلب تدخلاً مباشراً من القوى التابعة للجان الامنية داخله قبل أي أمر آخر.