تمويل قيادة «القاعدة» في منطقة القبائل بباكستان أصبح يأتي من العراق

عملية كبرى للاستخبارات الأميركية فشلت في تحديد مكان بن لادن لكنها اكتشفت خطوط التمويل الجديدة

TT

لم تؤد عملية كبرى شرعت بها وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي آي ايه) العام الماضي لملاحقة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الى نتائج مهمة في ما يتعلق بأماكن اختفائه، ولكنها ساعدت على متابعة الزيادة الخطيرة في حركة أفراد «القاعدة» وأموالها الى منطقة القبائل في باكستان، وفقا لمسؤولين كبار في الاستخبارات الأميركية مطلعين على العملية.

وفي واحدة من الاتجاهات الأكثر إثارة للقلق، قال مسؤولون أميركيون ان قاعدة قيادة «القاعدة» في باكستان يجري تمويلها على نحو متزايد بأموال تأتي من العراق، حيث ان عناصر في الشبكة الارهابية يجمعون أموالا هائلة من التبرعات للتمرد المناهض لأميركا، وكذلك من عمليات خطف الأثرياء العراقيين والنشاطات الإجرامية الأخرى.

وعزز تدفق الأموال وضع زعامة «القاعدة» في وقت تعيد القيادة الأساسية تجميع قواها وتعزيز نفوذها على شبكتها المنتشرة على نطاق واسع. كما يشير الاتجاه الى تغير في اتجاه التدفق التقليدي لأموال القاعدة، حيث تعيش زعامة الشبكة الى حد كبير على أموال تأتي من مشاريعها التي تحقق أرباحا أكبر وليس من الأموال الموزعة من مكاتبها الى الخلايا النائية.

وقال مسؤولون استخباراتيون إن جهود القاعدة تلقت دعما عبر سحب باكستان في سبتمبر (ايلول) الماضي لعشرات الألوف من أفراد قواتها من مناطق القبائل على امتداد الحدود مع أفغانستان، حيث يعتقد أن بن لادن ومساعده أيمن الظواهري يختفيان. وقبل عام تقريبا كان يعتقد أن قيادة القاعدة تواجه مصاعب مالية. ولكن مسؤولين أميركيين قالوا إن الأموال النقدية المرسلة من العراق قد خففت من تلك المصاعب. وقال مسؤول أميركي كبير في مجال مكافحة الإرهاب إن «العراق ممول كبير بالنسبة لهم». وتعتمد الصورة الناشئة لتمويل القاعدة في جزء منها على معلومات استخباراتية من عملية كبرى شنت العام الماضي لتكثيف الضغط على بن لادن وكبار مساعديه. وكجزء من «زيادة» في العاملين، نشرت (السي آي ايه) 50 من افرادها السريين في باكستان وأفغانستان، وهي زيادة دراماتيكية على عدد ضباط الوكالة الميدانيين الموجودين باستمرار في البلدين. وكان كل الواصلين الجدد قد كلفوا بالمهمة الأساسية لإيجاد ما يسميه مسؤولو مكافحة الارهاب الهدف الأكثر قيمة؛ في إشارة الى بن لادن والظواهري.

وكانت الزيادة جزءا من تغيير اوسع في وكالة المخابرات المركزية موجه لإعادة التركيز على ملاحقة بن لادن، وفقا لما قاله مسؤولون. وقال أحد كبار المسؤولين السابقين في الوكالة، ان السي آي ايه شكلت قوة مهمات فيها مسؤولون من المديريات الأربع في الوكالة بمن فيهم محللون وعلماء وخبراء تقنيون وكذلك أفراد عمليات سرية. وكلف العاملون بإعادة تنشيط البحث الذي تأثر عندما سحب بعض العاملين الاستخباراتيين وأفراد القوات الخاصة من أفغانستان عام 2002 استعدادا للحرب في العراق. ومع ذلك، فانه ما يزال يتعين على الزيادة، حسب قول مسؤولين استخباراتيين وعسكريين أميركيين، أن تؤدي الى معلومات عن مكان اختفاء بن لادن أو الظواهري.

وقال مسؤول عسكري أميركي كبير يشرف على الاستخبارات الخاصة بملاحقة بن لادن «نحن لسنا أكثر قربا». ويؤكد الافتقار الى تحقيق تقدم صعوبة البحث بعد ما يزيد على خمس سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وعلى الرغم من المكافأة الأميركية التي تبلغ قيمتها 25 مليون دولار لم تحصل الولايات المتحدة، حسب قول مسؤولين استخباراتيين حاليين وسابقين، على معلومات تقود الى بن لادن منذ ان فر من القوات الأميركية والأفغانية في منطقة تورا بورا في أفغانستان أوائل عام 2002.

وقال مسؤول سابق كبير في (السي آي أيه)، مشترطا شأن آخرين أجريت معهم مقابلات لإعداد هذه المقالة، عدم الاشارة الى اسمه عند مناقشة العمليات الاستخباراتية الأميركية «لم نحصل على تقرير مهم عن مكان وجوده»، مضيفا أن وكالات التجسس الأميركية ليست لديها معلومات «يمكن أن تكون نافعة تاريخيا»، بمعنى فكرة عن مكان سابق كان فيه بن لادن يمكن التوثق من صحتها. وتقدم تفاصيل الى الرئيس الاميركي جورج بوش حول تقدم الملاحقة كل شهرين الى أربعة اشهر، إضافة الى التقارير الروتينية حول مكافحة الارهاب وفقا لمسؤولين استخباراتيين.

وتشتمل المعلومات المقدمة على «الخطط المعقدة ونماذج البحث وما نقوم به وأين تحلق طائرات التجسس»، حسب احد المشاركين الذي اشار الى تحليقات للطائرات بدون طيار المستخدمة في البحث. بل ان وكالة المخابرات المركزية استخدمت نماذج رملية لتوضيح طوبوغرافية الممرات الجبلية، حيث يعتقد ان بن لادن يختفي. غير انهم، وفق ما قاله المسؤولون، ما زالوا غير قادرين على الاجابة عن السؤال الأساسي حول ما اذا كانوا قد أصبحوا أقرب الى هدفهم.

وقال مسؤول كبير في مجال مكافحة الارهاب ان «أي توقع حول موعد العثور عليه شيء مضحك. ويمكن ان يكون ذلك خلال سنة من الآن او أن الباكستانيين يمكن ان يكونوا في عملية العثور عليه في الوقت الحالي».

وفي رد تحريري على أسئلة من «لوس انجليس تايمز» قالت (السي آي ايه) انها «لا تناقش علنا في العادة تفاصيل العمليات السرية»، ولكنها اعترفت انها قامت بعمليات ضد بن لادن ودافعت عن فاعليتها.

وقال بول غيميغليانو المتحدث باسم الوكالة في التصريح ان «الزيادة كانت متواضعة في الحجم هنا وفي الخارج، ولكنها اضافت مهارات جديدة وتفكيرا منتعشا لمكافحة خصم يتسم بالمرونة والقدرة على التكيف. لقد أعطت ثمارا؛ اذ حصلت على معلومات أوسع عن القاعدة وساعدت على إبعاد الارهابيين عن الشوارع». ويعتبر جواسيس (السي آي ايه) جزءا من ترسانة تجسس أوسع تستهدف بن لادن والظواهري وتشتمل على الأقمار الصناعية ومحطات التنصت الالكتروني والطائرات بدو طيار.

وقال مسؤولون استخباراتيون أميركيون حاليون وسابقون معنيون بالزيادة، انها واجهت عوائق بسبب عدد من التطورات الأخرى. وقالوا ان الرئيسي بينها كان سحب القوات الباكستانية العام الماضي من مناطق الحدود، حيث تتركز عمليات الملاحقة. وبعد أشهر قليلة من نشر الولايات المتحدة عشرات من العاملين الاضافيين الى محطتها في إسلام آباد بباكستان، وكذلك قواعد في بيشاور ومواقع باكستانية أخرى، أعلن الرئيس الباكستاني برويز مشرف عن «اتفاقيات سلام» مع زعماء القبائل في وزيرستان.

ودعت الاتفاقيات، التي دفعت اليها ضغوط سياسية داخلية ومشاعر متصاعدة ضد الأميركيين، القبائل الى تقييد نشاطات المقاتلين الأجانب، ومنعهم من شن الهجمات في أفغانستان، مقابل انسحاب عسكري باكستاني. ولكن مسؤولين أميركيين قالوا إنه لا يوجد دليل كبير على ان الجماعات القبلية تلتزم بذلك. وذكر مسؤول استخباري اميركي كبير مسؤول عن الاشراف على عمليات مكافحة الارهاب «لقد أضعفت ما تعرف باتفاقية السلام في شمال وزيرستان كل شيء. ومن بين كل الاشياء التي تعمل ضدنا في الحرب العالمية ضد الارهاب، كان ذلك اكثر التطورات ضررا. والأمر الذي تحتاجه القاعدة للتخطيط لهجوم هو مكان آمن نسبيا للعمل».

وأعرب عدد من المسؤولين في الادارة الاميركية عن قلقهم بخصوص الخطوة الباكستانية، ولكن بوش امتدحها فيما بعد، بعد لقاء في البيت الابيض مع مشرف.

وادى الانسحاب الى إزالة ضغوط من على قيادات القاعدة والجماعات القبلية التي تحميهم. كما انها سهلت سفر الناشطين الذين يهاجرون الى باكستان في المشاركة بتمرد في العراق. ويقود بعض هؤلاء عمليات تدريب في معسكرات جديدة وأصبحوا في وضع ليصبحوا «الجيل القادم من القيادات» في المنظمة، طبقا لما ذكره مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية.

وأضاف المسؤول السابق الذي ترك العمل في الوكالة في الآونة الاخيرة، ان القاعدة «تعتمد على الكثير من القيادات القادمة من العراق من اجل استمرارها في الوجود. فمثل هؤلاء الاشخاص هم الذين ينقذون العمليات». وذكر المسؤول أن قوات طالبان في افغانستان «تتلقى تدريبات» على يد ناشطين لـ«القاعدة» اكتسبوا خبرة في قتال القوات الاميركية في العراق.

وقد تبين قلق الادارة بعدما زار نائب الرئيس ديك تشيني ونائب وكالة الاستخبارات المركزية ستيفن كابيس الرئيس مشرف في باكستان في شهر فبراير( شباط) للضغط عليه لضرب القاعدة ومعسكرات التدريب التابعة لها.

كما أعاد الانسحاب فتح قنوات مالية كانت مقيدة بسبب الوجود العسكري. وقال مسؤول مكافحة الاستخبارات الاميركي الكبير، إن «العديد من الأدلة تشير الى انه أصبح في إمكانهم نقل الاشخاص من والى المنطقة بطريقة اسهل»، كما يجلب الناشطون معهم من العراق اموالا». وهذه الاموال هي اساسا دولارات اميركية بكميات متواضعة ـ عشرات الألوف من الدولارات. ويشير حجم الاموال الى ان المبالغ لا تهدف الى تمويل مؤامرات ارهابية كبيرة، ولكن تغطية المصاريف اليومية لقيادات القاعدة: دفع مبالغ لقيادات القبائل وشراء الأمان والمواد الغذائية.

وقد حصل تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» على مساهمات مالية كبيرة ومتزايدة من أماكن أخرى من العالم الاسلامي ـ لأن القتال ضد القوات الاميركية أدى الى تنشيط التبرعات عبر الشرق الاوسط، طبقا لما ذكره المسؤولون.

وأوضح مسؤول مكافحة الارهاب الاميركي ان «النجاح في العراق وافغانستان هو السبب الذي يدفع الناس الى المساهمة مرة اخرى، وتأتي الاموال والمساهمات الفردية من الخليج مرة اخرى». كما اوضح ان القاعدة في بلاد الرافدين اصبحت ايضا مؤسسة إجرامية فاعلة.

وذكر ان «المتمردين يديرون نشاطا كبيرا «سرقة السيارات وخطف الاشخاص وفرض الاتاوات». وقال موظف الوكالة السابق ان نشاطهم كبير للغاية لدرجة ان «نشاط الفدية مقابل الربح في العراق يذكرني بالوضع في كولومبيا والمكسيك في الثمانينات والتسعينات».

وكان المسؤولون الاميركيون قد حصلوا على معلومات حول وضع قيادات القاعدة المالية عندما اطلعت القوات الاميركية على رسالة مطولة بعث بها الظواهري الى ابو مصعب الزرقاوي في عام 2005. وقد اشار فيها لمتاعب مالية، قائلا «لقد انقطع الخط»، وطلب من الزرقاوي تمويلات جديدة.

وقال الظواهري في رسالته «نحتاج الى أموال في الوقت الذي نفتح فيه خطوطا جديدة. ولذا اذا كان في إمكانك إرسال ما يقرب من مائة ألف، فسنكون ممتنين».

ويبدو ان الدفعة المالية منحت لقيادات القاعدة في العراق نفوذا جديدا. ولاحظ المسؤولون ان الظواهري تخلى عن جهوده لإقناع المتمردين السنة العرب بعدم تقسيم المسلمين بضرب الشيعة، وقد اقترب في الآونة الاخيرة من إقرار ذلك.

ويعتقد مسؤولون اميركيون انهم حددوا موقع الظواهري. فقد شنت وكالة الاستخبارات المركزية هجوما صاروخيا في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي بعدما علمت انه سيحضر اجتماعا للقاعدة في قرية نائية في شمال غربي باكستان. وقد فشل الهجوم في اصابة الظواهري، ولكنه قتل شخصية كبيرة في قيادات ناشطي القاعدة. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان الظواهري غير خططه في اللحظة الاخيرة. وخلال شهور من الغارة، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية في ارسال مزيد من الضباط الميدانيين الى افغانستان وباكستان. إلا ان من غير المعروف ما هي أسباب ذلك. وقد ذكر العديد من المسؤولين السابقين في الوكالة أن القرار اتخذ بناء على قرار مدير الوكالة السابق بورتر غوش، وان البيت الابيض ضغط على الوكالة لزيادة الجهود للعثور على بن لادن. ولكن الوكالة ترفض هذه الروايات، وقالت في بيانها المكتوب «هذه المبادرة ناجمة فقط عن اعتبارات عملية». والجهد طبقا للمتحدث باسم الوكالة جيميغليانو، نتج من تقييم في منتصف عام 2005 «حددت فيه الوكالة التغييرات في طبيعة العمل ضد القاعدة».

وقبل عدة أشهر من زيادة النشاط، حلت وكالة الاستخبارات المركزية وحدة خاصة معروفة باسم «محطة اليك» كانت تقود عمليات البحث عن بن لادن. وفي ذلك الوقت اعتبرت هذه الخطوة دليلا على ان مستوى عمليات البحث انخفض، ولكن المسؤولين قالوا إن ذلك مقدمة لعمليات أعادت تنظيم واسعة.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)