الصيف يعود للعراق بمشاكله المألوفة.. الحر وانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود

وزارتا الكهرباء والنفط تحملان الوضع الأمني المسؤولية.. والمواطنون يتهمونهما بالتقصير

TT

«لو كتبت ألف مرة لن ينفع؛ فالجماعة منشغلون بتقاسم الكعكة».. هكذا بدأ أحد العراقيين الحديث فيما كان ينتظر ضمن مجموعة من سكان بغداد أمام بوابة إحدى محطات الوقود للحصول على بضع لترات من البنزين الذي يحتاجونه لتشغيل مولداتهم الكهربائية الصغيرة.

بدت على الجمع علامات التذمر والمعاناة من الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمرون بها بسبب الأزمات الخانقة التي تشهدها قطاعات الخدمات المختلفة وعجز الجهات الحكومية عن حل تلك المشاكل والأزمات التي تتجدد بين فترة وأخرى.

فالانقطاع التام في التيار الكهربائي عن معظم مناطق العراق وارتفاع درجات الحرارة خلال هذه الايام، وهي بداية فصل الصيف زاد من حدة المشكلة، وحمل العراقيين أعباء إضافية لا يستطيعون تحملها تتمثل بمضاعفة أسعار الوقود في السوق السوداء، وكذلك أسعار خدمة الكهرباء التي يحصلون عليها من أصحاب المولدات الأهلية.

الحاج مؤيد الربيعي، 60 عاما، قال لـ«الشرق الاوسط» ان «الموضوع وباختصار ان الحكومة والمسؤولين منشغلون بأمور اخرى لا تخص عمل وزاراتهم، وانما تخص مصالحهم الشخصية، ومصالح أحزابهم والجهات التي يمثلونها، وهذا هو أساس المشكلة، فلا أحد منهم ينظر الى التدهور الكبير الذي لحق بمفاصل ومؤسسات الدولة، وانما ينظرون الى حجم المكاسب التي يمكنهم الخروج بها عند إشغالهم لمناصبهم والاتفاقات التي يبرمونها أثناء وجودهم في تلك المناصب». وأضاف «ما هو تفسير هذه المشكلة؛ فمنذ أربع سنوات والحكومات المتعاقبة وأميركا بعظمتها عاجزة عن حل مشكلة الخدمات وخصوصا الكهرباء والوقود والماء، فلا يوجد تفسير آخر سوى أن البلد ومقدراته وثرواته تنهب وتبدد خيراته، وفقا لمصالح فئات وجماعات معينة».

محمد عبد الامير، 34 عاما، وهو مهندس معماري قال «المسألة تتكرر من وقت لآخر؛ ففي فصل الشتاء تقول وزارة النفط إن السبب هو الطلب المتزايد على الوقود، وفي فصل الصيف تقول إن المعامل والمصافي لا تعمل بسبب نقص في الطاقة، وهي بذلك تلقي الحجة على وزارة الكهرباء التي تقوم بدورها باتهام وزارة النفط بالتقصير في توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية، وهكذا دواليك لحين انتهاء مهمة الوزير والحكومة، ويأتي بعدها وزير جديد وحكومة جديدة وتظهر معها أسباب جديدة». وأضاف «لم يتم وضع حلول نهائية لهذه الأزمات من قبل الحكومة، لذلك فان مسألة تكرارها أمر وارد في أي لحظة. وبما ان الفوضى تعم مفاصل الحياة، فان مسؤولية تلك الأزمات تقع على عاتق الوزارات المعنية التي تتبادل فيما بينها الاتهامات والتقصير في المعالجة». وأوضح عبد الأمير أن الكمية التي يحصل عليها المواطن العراقي من محطات الوقود لا تكاد تكفي لسد احتياجاتهم، لذلك يضطرون الى شراء كميات أخرى من السوق السوداء وبأسعار مضاعفة، من أجل تشغيل المولدات الصغيرة لمواجهة الانقطاع الطويل والمستمر للتيار الكهربائي واشتداد درجات الحرارة في هذا الوقت من السنة.

ووصل سعر لتر البنزين خلال هذه الايام الى 1200 دينار في السوق السوداء، وهو ما يفوق سعره الرسمي بضعفين، وحجم الطلب في تزايد على الوقود في ظل درجة حرارة عالية وانعدام التيار الكهربائي؛ فبعض مناطق بغداد خارج نطاق الخدمة الكهربائية منذ أسبوعين ولم تصلها، وإذا حصلت عليها فتكون لبضع دقائق فقط لليوم الواحد.

وحمل المواطنون المتجمهرون أمام محطة توزيع الوقود منذ ساعات الصباح الاولى، الحكومة ووزارتها مسؤولية التقصير في توفير تلك الخدمات، على الرغم من الميزانية الكبيرة المخصصة لذلك. وقالت عالية مجيد، 44 عاما، وهي مدرسة ثانوية «يتكلمون عن ميزانية انفجارية وأموال مخصصة لتوفير الوقود والكهرباء وعقود ومشاريع ضخمة، لكن لم نرها على أرض الواقع؛ فكل ما يتحدثون عنه هو للتسويق الاعلامي، ولم يتمكنوا حتى الآن من توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الاساسية لتمشية الحياة». وأضافت «إذا لم يستطيعوا عمل شيء فعليهم الاستقالة وترك ادارة شؤون البلاد لغيرهم؛ فالعراق يسير في ظل القدرة الالهية ولا توجد أي خطط وبرامج حكومية صحيحة، فالشلل يصيب القطاعات الحكومية المختلفة والحكومة لا تعمل شيئا سوى التفرج وتترك المواطن يتحمل ما يجري من دون اي مساعدة تذكر».

وطالب بعض المواطنين بتحويل الاموال والميزانيات المخصصة لوزارتي الكهرباء والنفط لشراء مولدات كهربائية ضخمة وتوزيعها على المناطق بدلا من صرف تلك الاموال على الموظفين العاطلين والمشاريع الوهمية.

وزارة الكهرباء ترجع أسباب الانقطاع المستمر والطويل في التيار الكهربائي، الى جملة من الأسباب من بينها نقص الوقود الذي تحتاجه محطات توليد الكهرباء بكافة أنواعه، اضافة الى صعوبات كثيرة تعاني منها كوادر الوزارة في إعادة تصليح الأبراج الناقلة للطاقة الكهربائية، بسبب الوضع الأمني المتدهور. وقال مصدر في الوزارة لـ«الشرق الاوسط» إن «تذبذب الإنتاج في الطاقة الكهربائية يعود الى عدم تجهيز وزارة النفط بكميات الوقود المتفق عليها، وتعرض الابراج الناقلة للطاقة الكهربائية لعمليات تخريب في مناطق مختلفة، فضلا عن عدم التزام بعض المحافظات بالحصة المقررة لها». وأوضح أن الطاقة الانتاجية المتاحة بحدود 11700 ميغاواط، في حين ان الانتاج الفعلي بحدود 3600 ميغاواط وحاجة العراق الفعلية من الطاقة الكهربائية تتجاوز 12000 ميغاواط؛ أي أن الواقع يكشف عن نقص حاد في الإنتاج.