إسلام أباد تترقب احتمال مداهمة «المسجد الأحمر» وتبعاته

طلاب الجامع يجمعون الأسلحة ويعتقلون رجال الشرطة وسط العاصمة

TT

في أقدم جامع في اسلام اباد، يستعد طلاب المدارس الدينية للحرب هذا الأسبوع، عبر تجميع الأسلحة وحفر الملاجئ، وطلب السماح من أهلهم للتضحية بأنفسهم. وفي الخارج تستعد الشرطة للقيام بغارة. والهدف هو انقاذ زميلين أخذا رهينتين داخل الجامع، بالإضافة الى القاء القبض على رجال الدين الموجودين في الجامع الذين يريدون إطاحة الحكومة لصالح اقامة نظام ديني في باكستان.

وفي مدينة تفخر بحداثتها، «المسجد الأحمر» المناصر لطالبان، ظهر متحدياً في الأشهر الأخيرة بنزعته الراديكالية. ففي البداية، استولى طلاب المدرسة الدينية في الجامع على مكتبة الأطفال. ثم اختطفوا ثلاث نساء زعم انهن يدرن بيتا للدعارة وجعلوهن يعترفن بذلك علنا. وفي وقت لاحق، أصدر الطلاب فتوى ضد وزيرة في الحكومة لمعانقتها رجلاً ليس زوجها (كان مدربها في الهبوط بالمظلة). والتوترات بين الحكومة والمتطرفين الإسلاميين، ليست نادرة في باكستان، ولكن المجابهة حول «المسجد الأحمر» تعكس حدود اتساع التطرف الديني.

يذكر أن المسجد بعيد عن مناطق القبائل المحافظة على خط الحدود بين باكستان وأفغانستان، وهي المناطق التي يتجلى فيها التأثير الأكثر مباشرة للتطرف. فعلى العكس، المسجد قريب من منزل الرئيس الباكستاني برويز مشرف وسط اسلام آباد، العاصمة الحديثة لباكستان ذات الشوارع المزينة بالاشجار ومروها المنظم ومروجها الأنيقة.

وفي الأسابيع الأخيرة، شعر سكان اسلام اباد بوجود المسجد وتأثيره. ويقول أصحاب محلات الموسيقى والفيديو في السوق القريب انهم شهدوا زيارات من قبل مجاميع من طلاب المدرسة الدينية، وكانت وجوههم مقنعة واياديهم تمسك بالعصي الكبيرة. كما وجه طلاب «المسجد الأحمر» اهتمامهم الى الشرطة الذين يصورونهم بأنهم جواسيس، وقد أخذوا عددا من أفرادها رهائن. واشارت الحكومة الى ان آخر أسيرين أطلق سراحهما بعد ظهر يوم أول من أمس، ولكن المسؤولين في نفوا ذلك. وأيا كان الحال، فإن قليلين يعتقدون أن المجابهة انتهت. وقال عبد الرشيد غازي، أحد الشقيقين اللذين يديران المسجد: «نريد ثورة، ثورة سلمية. ولكن اذا ما حاولوا قمع الثورة السلمية، فإنها يمكن أن تتحول الى ثورة عنفية»، محذراً: «لن نستسلم».

وحتى الآن، أثارت استفزازات قيادة المسجد تهديدات قوية من جانب الحكومة، ولكن الأفعال كانت محدودة. وقال وزير الاعلام طارق عظيم خان، ان هناك قلقاً من شن غارة. وأشار الى أنه «اذا ما هاجمت جامعا فإن ذلك قد يؤدي الى كثير من الدعم الشعبي لهم»، على الرغم من ملاحظته ان شخصيات دينية باكستانية كبيرة قد تحدثوا ضد أقرانهم من رجال الدين في «المسجد الأحمر». وقال: «نعلم بأنهم يستخدمون طلاب المدرسة كدروع بشرية».

وقال خان ان الحكومة تأمل الاعتماد على المفاوضات، بدلاً من القوة لحل المشكلة. ولكنه اشار الى أن صبر الحكومة بدأ ينفذ. وفي إحدى ليالي هذا الأسبوع حشدت الحكومة آلافا من شرطة مكافحة الشغب، بما في ذلك القوات الخاصة، وأغلقت الطرق المؤدية الى الجامع، حيث بدا المسؤولون يعدون لشن غارة. ولم يحث ذلك، غير ان خان قال ان ذلك يبقى خيارا. ويأتي الخلاف في وقت حساس جداً بالنسبة لمشرف. فمنذ ابعاد رئيس القضاة مارس (اذار) الماضي، واجه الرئيس دعوات مستمرة للاستقالة من نشطاء مناصرين للديمقراطية ممن يعتبرون تكتيكاته استبدادية. وحكم الجنرال مشرف البلاد منذ عام 1999، عندما استولى على السلطة في انقلاب عسكري أبيض. وخلال ذلك الوقت، وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية، حققت الجماعات المتطرفة قبولا أوسع لآرائها وصعدت هجماتها، ويعود جزء من ذلك الى تزايد التمرد المناهض لأميركا في أفغانستان على الحدود.

ولكن نقاد مشرف يقولون ان قائد الجيش السابق يلام ايضا على كونه يلعب على الطرفين في الحرب على الارهاب. فهو يفسح المجال لنشاط الجماعات المتطرفة، ويضمن بذلك تدفقا مستمرا للمساعدة العسكرية الأميركية.

وقال غازي، رجل الدين في «المسجد الاحمر»: «هذه الحكومة تحاول ارضاء اميركا وادارة بوش مع نتيجة أن الكراهية للحكومة والكراهية لأميركا تتزايد في باكستان». وتحدث غازي، المفتول العضلات، ذو اللحية ذات الشعر الأشيب، بصورة مطولة عن المظالم بلغة انجليزية طليقة مع زائر الى الجامع الاثنين الماضي. ولم يكن هو او العشرات من العاملين الآخرين والطلاب الحاضرين، على ما بدا، قلقين بشأن هجوم الشرطة، مع اصرار البعض على أنهم مستعدون لذلك مهما كانت النتائج. وقال برويز خان، وهو من العاملين في الجامع وتدرس ابنتاه في المدرسة: «لسنا خائفين من الموت، لأن الموت لا بد أن يأتي».

وكما في باقي أنحاء باكستان، فإن مستوى التطرف في «المسجد الأحمر» ظاهرة حديثة نسبيا. فهذا المسجد هو اقدم جامع في اسلام آباد، وقد شيدته الحكومة وتعود ملكيته اليها باعتباره مكاناً ليصلي فيه المسؤولين وأفراد نخبة البلاد الآخرين. ولعقود ظل المسجد تحت اشراف والد غازي، وكان رجل دين عرف بخطاباته الحماسية، ولكن كان على العموم يتجنب العنف.

غير أنه في عام 1998 قتل والد غازي بينما كان يسير خارج بيته. وأصبح غازي وشقيقه، اللذان توليا ادارة المسجد، خائبي الأمل بسبب عجز الحكومة أو عدم استعدادها لملاحقة القاتل، وفقا لما قالته مصباح صابوحي، صديقة العائلة التي نشأت مع الشقيقين.

وقالت صابوحي، وهي الآن أستاذة للقانون في «الجامعة الاسلامية العالمية» في اسلام آباد: «هذا هو السبب الحقيقي لشعورهما بالمرارة. فقد طلبا اجراء تحقيق مناسب، ولم يحدث شيء. وكان ذلك نقطة الانعطاف».

وسرعان ما بدأ الشقيقان ابعاد نفسيهما عن الحكومة واقامة صلات مع طالبان. وفي عام 2004 باتت الحكومة مرتابة بأن لدى الشقيقين صلات مع تنظيم «القاعدة» ايضا. وأوقفت صرف راتبيهما ومنعتهما من مغادرة الجامع. وقالت صابوحي «انهما رهينتان أيضا». واضافت انها حاولت اقناع الشقيقين للتخلي عن صراعهما مع الحكومة ولكن دون جدوى. ولكنها ألقت باللوم، في آخر المطاف، على مشرف لسماحه بتوسيع نشاط العناصر المتطرفة، حتى في اسلام آباد. وقالت ان «هذا وحش فرانكنشتاين (الغول الذي خلقه فرانكنشتاين في رواية ماري وولستونكرافت شيلي) خلقته دكتاتوريتنا العسكرية. ونحن جميعاً نعاني منه الآن».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)