أطفال نهر البارد: الجيش كان يقصفنا ومقاتلو «فتح الإسلام» اختبأوا مثلنا

مواكب سيارة في طرابلس ترفع العلم اللبناني

TT

فيما كانت المواكب السيارة تجوب شوارع طرابلس الرئيسية بعد ظهر أمس، رافعة الأعلام اللبنانية وشعارات التأييد للجيش اللبناني، وتهتف له بالفداء، كان أطفال النازحين من مخيم نهر البارد يرسمون هذا الجيش نفسه وهو يقصف المسجد الذي كانوا يختبئون فيه، مطلع الأسبوع الماضي، وأصابه الخراب والتدمير. وفي المدرسة التي التجأوا اليها في مخيم البداوي المجاور مع عائلاتهم، حيث تقام لهم ورشات رسم للتخفيف من الصدمة التي تلقوها، يشرح احمد (10 سنوات) بأنه لم يرسم سوى مدفعية الجيش اللبناني ودباباته وصواريخه، لأنه هو من كان يقصف المخيم، اما «فتح الإسلام» فلم نكن نراهم» وكانوا يختبئون مثلنا ويصابون».

ومثل أحمد ريهام وندى وغيرهم من الأطفال الذين لم يرسموا أي عنصر من «فتح الإسلام»، ولم يكن على أوراقهم سوى الجيش اللبناني الذي صوره احد الأطفال، وهو يحاصر بجنوده المدججين بالسلاح منزلاً واحداً، قال انه منزله. وتكاد لهجة الكبار لا تختلف كثيراً عن رسومات ابنائهم، فهم ساخطون وغاضبون، ويحملون المسؤولية للجيش اللبناني الذي كان قبل الاشتباكات بمدة قصيرة، يحاصر المخيم ويدقق في هوياتهم، بينما يدخل عناصر فتح الإسلام ويخرجون بحرية. «نحن نسينا القتال، هل تشاهديننا نحمل سلاحاً، مئات الشباب عزّل، لكن هذا الجماعة، نمنا وصحونا، ووجدناها بيننا» يقول عبد الله، وهو في الثلاثينات من عمره، النازح إلى مخيم البداوي بعد أن دمر منزله. ويكمل: «قبل حوالي أسبوعين أطلق أبو هريرة، القائد العسكري لفتح الإسلام النار على أحمد السيد، من سكان المخيم، وها هو بين الحياة والموت. ما كان بمقدورنا أن نفعل لهم. هل مسؤوليتنا أم مسؤولية الدولة التي نعيش فيها مسألة حمايتنا». يتدخل حسام الذي نزح منذ يومين، ويقول: «كانت فتح هي التي تحمينا في المخيم وحين وصل عناصر فتح الإسلام، لم يعد بمقدور أحد أن يتدخل سوى المشايخ وأئمة المساجد، هؤلاء وحدهم كانوا يستطيعون التحاور معهم. لكنهم لم يسمعوا من أحد». يتدخل عبد الله مرة اخرى ليشرح: «يجب ان تصدقي ان ليس في نهر البارد كله امرأة تلبس التشادور. نساؤنا يلبسن الجلباب، وحين وصلوا مع نسائهم، باتت اشكالهم مميزة لكل الناس. النساء محجوبات بالأسود والرجال ملثمون، لا بل يتنكرون، ويمر واحدهم امامك مرتين ولا تعرفين انه نفس الشخص». ابراهيم الذي يسكن في نفس المنطقة التي يتمركز فيها تنظيم فتح الإسلام، يؤكد بأن «العلاقة معهم كانت مستحيلة، فهم لا يتلفظون غير بالسلام عليكم حين يمرون». وهنا يتدخل ابنه الصغير ليروي كيف انهم أخذوا أحد السكارى، إلى مركزهم وجلدوه ليعود عن غيه. عبد الله يؤكد ان أهل المخيم لم يكن بمقدورهم معرفة اي شيء عنهم «وقد شكلوا لجنة خاصة من الفلسطينيين واللبنانيين لشراء حاجياتهم من السوق كي لا يكون اي اختلاط مع عناصر أخرى». ويروي عبد الله «ان فتاتين من المخيم، تزوجتا من عناصر فتح الإسلام انتهت قصتهما إلى الطلاق بسبب الشادور الذي رفضتا لبسه، هذا ليس من عاداتنا». وفي هذه الغرفة من مدرسة الأونروا التي يعيش فيها، حالياً ما يقرب من اربعين نازحاً، تتدخل منى حين تسمع الحديث لتقول: «ما كنا نراه هو قليل جداً، حين كنا نتنزه على شاطئ البحر نرى احدهم مثلاً يجلس مع زوجته المغطاة بالأسود ويعلمها الرماية بالبندقية باتجاه البحر. هذه مشاهد كنا نراها». اما الباقي يقول حسام، «فلم يكن بمقدونا ان نراه، فقد اقتطعوا أرضاً على شاطئ البحر وسيجوها، وكانوا يتدربون فيها، ونسمع اصوات السلاح الخفيف والمتوسط، لا أكثر. وعدة مرات حين كنت اخرج من المخيم اثنا هذه التدريبات، كان يسألني الجيش عما يحدث في الداخل، فأقول بأنني مجرد ساكن هنا، ولا أعرف ما الذي يدور». لكن منى تعود لتؤكد، ان نساءهم مسلحات أيضاً، وكنا نلحظ ذلك حين يأتين للصلاة في المسجد معنا، وهناك من يقول ان بعضهن يلبسن أحزمة ناسفة». يتدخل أبو علاء غاضباً: «كفى إشاعات حول انهم فلسطينيون، ثلاثة أرباعهم من اللبنانيين، ونحن نعرف ذلك. أبو هريرة لبناني من عكار، أحضر جماعته، وكانوا يدخلون ويخرجون، وكل يوم جماعة جديدة تتدفق على المخيم. ويمشي متعنتراً معه حراس ومجموعات مسلحة، وموتوسيكلات ودراجات». هنا يجيب إبراهيم من بعيد: «هم لا يريدون فتح الإسلام، هم يريدون تدمير المخيم ليعملوا مكانه شاليهات للأميركان». وهنا يحتد النقاش ويدخل الجميع على الخط فيتدخل عبد الله ليقول: «اكتبي رجاء ما بدنا نبقى ننذبح احضروا لنا مراكب واحملونا إلى كندا او الدنمارك أو بلجيكا، لا اريد لابني ان يموت هنا، طبقوا كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصومال وافغانستان وكل بلدان العالم، ولا يريدون تطبيق القرار 194 (القرار المتلق بعودة اللاجئين) لماذا؟ حين يقررون تطبيقه ليعيدونا إلى هنا، نحن طلاب أمان فقط». تتردد على ألسنة غالبية النازحين عبارات متشابهة، وانت تتحدث معهم: «القصة مش قصة فتح الإسلام، هذا مخطط كبير، بوجودهم وبغير وجودهم كان سيحدث ما يحدث. المستهدف هو الفلسطيني، وليس أي أحد آخر، وإلا لماذا قصفنا الجيش اللبناني». عبثا تشرح لهم ان الجيش ُذبح، وهو يدافع عن نفسه. لا أحد هنا يريد ان يسمع هذه النغمة. «لماذا لا يقتلون فتح الإسلام؟ لماذا نحن؟ ليأخذوهم من حيث أحضروهم، هذه ليست المرة الأولى التي نذبح، تاريخنا مع المذابح طويل».

والغضب في المخيم المكتظ بنحو 45 ألف لاجئ يكاد ينفجر بسكانه. والذي يعرف هدوء مخيم البداوي، يصدم بالمشهد الجديد، والغليان الطارئ على هذا المكان. والسخط يتفاقم بعد مرور عشرة أيام على اندلاع المعارك وبدء التهجير، إحدى الأمهات تقول، «بدأت الأمراض تزحف، حالات الإسهال والإعياء والجدري، تنتشر. اربعون شخصاً في هذه الغرفة، نشرب من كوب واحد، ونستخدم أدوات مشتركة، استمرارنا هكذا سيعرض اولادنا للخطر». امرأة أخرى، تشكو من فساد في توزيع المساعدات: «يصل الكثير ويوزع علينا القليل، الفصائل تستأثر بالمعونات، وكل يوزع على جماعته». وقبل أن اغادر يلحق بي عبد الله الذي كان يطالب بباخرة تحمله إلى كندا ويقول: «نحن لا نريد ان نهاجر، نريد العودة إلى فلسطين، ونريد الأمان، فقط الأمان، ولا شيء غيره».