«القاعدة» تمدد نفوذها من العراق إلى الجزائر

شبكات محلية أضافت اسم تنظيم بن لادن لها في 12 دولة

TT

وسعت «القاعدة» على نحو سريع نفوذها عبر شمال افريقيا عبر مساعدة وتنظيم جماعات محلية تظهر قدرة متجددة على شن هجمات ارهابية في المنطقة، مثل التفجيرات الانتحارية الثلاثية التي اودت بحياة 33 شخصا الشهر الماضي، وفقا لمسؤولين ومحللين في مجال مكافحة الارهاب.

ويعتقد أن المفجرين الذين ضربوا قصر الحكومة ومركزا للشرطة في الجزائر العاصمة هم من السكان المحليين. ولكن السلطات الجزائرية تدقق في أدلة على أن المفجرين تسللوا من خطوط ارسلت المئات من مقاتلي شمال أفريقيا الى العراق وربما تدربوا كمحاربين في التمرد العراقي، وفقا لما قاله مسؤولون استخباراتيون أميركيون وأوروبيون. وكانت هجمات الحادي عشر من ابريل (نيسان) أول تفجيرات انتحارية في البلد الذي تمزقه الحرب منذ ما يزيد على عقد من الزمن وأسوأ ضربة في الجزائر خلال سنوات عدة. غير انه في اطار التكتيكات والأهداف عكست عشرات التفجيرات الأخيرة في العراق، وصور «الانتحاريين» الثلاثة التي ظهرت على الانترنت بعد ساعات، من جانب جماعة زعمت انها تتصرف نيابة عن «القاعدة». وتوافقت التفجيرات في الجزائر مع هجوم جديد ضد شبكات تجنيد المقاتلين الى العراق عبر شمال أفريقيا. وفي الشهر الماضي، كسرت الشرطة الجزائرية حلقة مديدة تتخذ من مدينة الواد الصحراوية مقرا لها والتي كانت قد ارسلت ما يقدر بـ60 رجلا للقتال في العراق.

وفي المغرب المجاور، قالت السلطات انها شلت نشاط ثلاث شبكات مماثلة منذ أواخر العام الماضي. ووفقا لمسؤولين استخباراتيين في أوروبا، فان ما يزيد على 100 جزائري يقبعون في السجن بعد اعتقالهم وهم في طريقهم الى العراق او في طريق عودتهم منه، مما يفاقم القلق من أن النزاع البعيد يربي مقاتلين اشداء يمكنهم العودة لتهديد شمال أفريقيا وأوروبا القريبة.

وقال القاضي الإسباني، بالتازار غارزون في مقابلة اجريت معه السبت الماضي أثناء مؤتمر في ايطاليا نظمه مركز القانون والأمن في معهد القانون بجامعة نيويورك ان «وجود القاعدة» في شمال أفريقيا أمر واقع. انها قاعدة مثالية يمكن الانطلاق منها لممارسة عمليات ضد أوروبا. وأعتقد أن نقل مرحلتهم المقبلة الى أوروبا ليس سوى مسألة وقت».

وقال احميده عياشي، رئيس تحرير «جزائر نيوز» اليومية في الجزائر ان الصلات التنظيمية بين المتمردين في العراق والجماعات المسلحة في شمال افريقيا تعززت على نحو ملحوظ خلال العام الماضي.

وقال عياشي، وهو مؤلف كتاب حول الشبكات الارهابية يظهر قريبا، في مقابلة أجريت معه في الجزائر، ان «العراق بات مختبرا كبيرا لتدريب الكاميكاز (نسبة الى الطيارين اليابانيين الانتحاريين) والمحاربين. انهم يحاولون أخذ شباب من هنا الى العراق لتدريبهم حتى يتمكنوا من استخدامهم لاحقا في شمال أفريقيا. كما أنهم يدربون اشخاصا هنا في مناطق الجبال والصحراء. وقد اصبحت الجزائر، في الوقت الحالي، عراقا صغيرا لتدريب هؤلاء الأشخاص».

وتعتبر هجمات الحادي عشر من ابريل في الجزائر مع الهجمات الأخيرة الأخرى في البلاد، دلالة على أن «القاعدة» في شمال أفريقيا تطورت الى تهديد أكثر جدية، وهي تستفيد من دروس العراق، وفقا لما قاله مسؤول عسكري كبير في القيادة الأميركية الأوروبية في شتوتغارت بألمانيا التي تشرف على العمليات في أفريقيا.

وقال المسؤول الذي تحدث مشترطا عدم الاشارة الى اسمه لأنه يناقش قضايا استخباراتية ان «تكتيكاتهم تطورت بالتأكيد. هل يحصلون على الخبرة التقنية من الخارج؟ لا يمكننا البرهنة على ذلك. ولكنني ارتاب بقوة في انهم يفعلون ذلك».

وكانت الهجمات السابقة قد عكست تغيرا في التكتيكات. ففي الثالث من اكتوبر (تشرين الأول) نفذ متطرفون هجمات بسيارات مفخخة متزامنة على مركزين للشرطة خارج الجزائر. وكان تنسيق الهجمات المتزامنة غير مألوف. كما ان حقيقة كون الهجمات جرت في منتصف الليل، وهو وقت يقلل من الاصابات حيث قتل ثلاثة اشخاص كان أمراً غريباً. وفي وقت مبكر من يوم 13 فبراير (شباط) ضربت الشبكة ثانية وهذه المرة فجرت سبعة مراكز شرطة بشكل متزامن. ومرة أخرى كانت الاصابات اقل حيث قتل ستة اشخاص. وعلى الرغم من ان المسؤولين الجزائريين كانوا محتارين بشأن توقيت الهجمات وطبيعتها، فانه بات واضحا من ان تلك الهجمات كانت بروفة لتفجيرات الحادي عشر من ابريل الأكثر طموحا، وفقا لما قاله منير بوجمعة رئيس تحرير صحيفة «ليبرتي» والخبير بالجماعات الارهابية الجزائرية. وقال بوجمعة ان «هذا كان إلهاما من أساليب «القاعدة». وكان كل هذا تهيئة لعملية الحادي عشر من ابريل الرئيسية. ومن الجليّ انهم كانوا يعدون لهذا الهجوم منذ زمن بعيد».

ونفذت هجمات 11 ابريل جماعة «القاعدة» في بلاد المغرب الاسلامي، وهي جماعة محلية تنتمي الى «القاعدة» بقيادة اسامة بن لادن. وظلت الجماعة على مدى فترة وجودها، التي تقدر بحوالي عشر سنوات، حركة مستبقة تعمل على إطاحة الحكومة الجزائرية بدون ان تكون لها رغبة تذكر في الشؤون الخارجية. إلا ان ذلك الوضع بدأ يتغير ابتداء من عام 2003، عندا رأى الجزائريون فوائد محتملة من الارتباط بالقاعدة والجهاد الذي اعلنته في العراق. هذه التحالفات اصبحت امرا شائعا بين الجماعات الاسلامية المتطرفة، إذ ظهرت منذ غزو العراق شبكات محلية أضافت اسم «القاعدة» الى اسمائها في 12 بلدا في الأقل.

وعلى الرغم من ان العلاقات مع قيادة «القاعدة» الرئيسية ليست في العادة واضحة المعالم وربما غير موجودة، فإن مسؤولين في مجال شؤون الارهاب قالوا ان هذه الجماعات استغلت التمرد في العراق ومخططات اخرى لـ«القاعدة» بغرض دعم عمليات جمع التبرعات والتجنيد. العناصر المسؤولة عن تفجيرات الشهر الماضي في الجزائر العاصمة قلدت تكتيكات دعاية طورتها عناصر «القاعدة» في العراق، فبالإضافة الى إرسال البيانات عبر شبكة الانترنت لإعلان المسؤولية عن تنفيذ عمليات، ارسلت الجماعة الجزائرية في الآونة الاخيرة شريط فيديو الى قناة «الجزيرة» يحتوي على مشاهد لتجهيزات لشن هجوم. وقال كريستوف تشابود، رئيس وحدة تنسيق مكافحة الارهاب بوزارة الداخلية الفرنسية ان القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي تقليد للاستراتيجية التي كان يتبعها ابو مصعب الزرقاوي، الذي أضافت جماعته المكونة من مقاتلين أجانب «القاعدة» الى اسمها. وكان الزرقاوي قد لقي مصرعه على يد قوات اميركية في يونيو (حزيران) الماضي. وأشار تشابود الى التشابه الشديد بين الهدف الرئيسي لهجمات 11 ابريل على قصر حكومي ومبنى يضم مكاتب رئيس الوزراء ووزارة الداخلية وبين الهجوم الذي شنته «القاعدة» في العراق بعد يوم واحد فقط على البرلمان العراقي ببغداد داخل المنطقة الخضراء المحصنة. أضاف تشابود ايضا ان الهجمات تظهر ان «القاعدة» واجهت تحديَّ الولاء، وقال معلقا انهم بذلك إنما يقولون «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي يمكن ان تصبح مثل قاعدة الزرقاوي في العراق». من جانبهم، يرى مسؤولو استخبارات ومحللون ان «القاعدة» في الجزائر حاولت، في إطار محاولتها إعادة تنشيط وتقوية صفوفها، وإقامة شبكات تجنيد مستقلة، نجحت في إرسال أعداد من عناصرها من دول شمال افريقيا الى العراق للقتال. فعلى سبيل المثال، ألقت قوات الأمن الجزائرية القبل على 17 شخصا يشتبه في تورطهم في شبكة لتجنيد مقاتلين وإرسالهم للعراق في الواد، وهي واحة صحراوية يطلق عليها مدينة «الألف قبة». وتفيد تقارير محلية ان الشرطة أقفلت مقهى للانترنت افتتح في الآونة الاخيرة ومكتبة، كانا يستخدمان كمركزي تجمع واتصالات للشبكة. وقال محللون وصحافيون إن مدينة الواد، التي يقدر عدد سكانها بحوالي 150 الفا ظلت تاريخيا مؤيدة للقضايا المتطرفة، وهي من المحطات الرئيسية في خطوط التهريب الى كل من ليبيا وتونس. جدير بالذكر ان السلطات الجزائرية كانت قد اكتشفت مطلع هذا الشهر معسكر تدريب في منطقة تكثر بها اشجار النخيل على بعد عدة أميال من الواد.

وطبقا لتقارير في صحيفة «ليبرتي»، استولت الشرطة على أجهزة كمبيوتر ومعدات اتصال وأقراص تحتوي على وصايا وبيانات لخمسة جزائريين جرى تدريبهم لتنفيذ هجمات انتحارية. وأشارت ادلة جنائية الى أن الاشخاص الخمسة كانوا يعتزمون الإقامة في الجزائر بغرض تنفيذ هجماتهم، حسبما أوردت الصحيفة نقلا عن الشرطة. وجاء في الصحيفة ايضا انهم «تلقوا تدريبا جيدا.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»