المحكمة الدولية: 11 قاضيا بينهم ثلاثة لبنانيين يتمتعون بحصانة دبلوماسية

المستشار القانوني للأمين العام للأمم المتحدة نيكولا ميشال لـ«الشرق الأوسط»: استدعاء رئيس الجمهورية ليس آليا ومشروط بثلاثة عوامل

TT

قال المستشار القانوني للامين العام للامم المتحدة نيكولا ميشال انه تم الاتفاق على ان يكون مقر المحكمة الدولية خارج لبنان ولكن لم يتحدد الموقع الذي يجب ان يأخذ في الاعتبار مقتضيات الفاعلية الادارية والامن والعدالة. وشرح ان المحكمة ستضم 11 قاضيا بينهم ثلاثة لبنانيين كاشفا ان آلية اختيار هؤلاء القضاة ستكون معقدة وصلبة لضمان استقلالية هؤلاء وان لجنة اختيار تابعة للامين العام للامم المتحدة سوف تقدم مشورتها على ان تعرض التشكيلة النهائية على مجلس الامن لاخذ موافقته.

وقال في حديث لـ«الشرق الاوسط» في اتصال هاتفي من لندن ان من صلاحيات المحكمة استدعاء رؤساء جمهوريات ولكن وفق آلية معقدة وعلى اساس دليل مركب من ثلاثة عناصر لإثبات المسؤولية وذلك بهدف ابعاد الشبهات حول تسييس المحكمة.

واكد ان المحكمة لن تكون آلة سياسية للتغيير ولو ان ارساء العدالة قد يلحق تغييرات.

هنا نص الحديث

* هنالك حديث اعلامي حول اختيار موقع المحكمة الدولية بين قبرص او ايطاليا او هولندا، هل اتخذتم قرارا في ذلك؟ ـ من المتوافق عليه الان ان موقع المحكمة سيكون خارج لبنان وتلك نقطة لم يعترض عليها احد. ومن المبكر الان الحديث عن موقع المحكمة لأننا لم نحدده بعد وكل الحديث الاعلامي عن مواقع ليس سوى افتراضات. ولكن هنالك معايير في اختيار المكان لا بد من مراعاتها: وهي معايير العدالة والأمن والفاعلية الادارية. في ما يتعلق بالفاعلية مثلا، نبحث عن موقع تتوافر فيه التسهيلات الضرورية ما يتيح لنا إمكان التأقلم بسهولة مع المكان ويتيح لنا ربح الوقت والمال. كما سوف نأخذ في الاعتبار ايضا حقوق الضحايا وسهولة وصول الشهود الى المكان أي ان لا يضطروا للقيام بسفر طويل. علينا ان نجد توازنا بين كل هذه المعايير فمعيار القرب يجب ان نوازنه ايضا مع معيار الامن. انه امر يجب ان نقرره.

* هل تلقيتم عروضا من دول ما لاستضافة المحكمة؟ وهل هنالك دول مستبعدة من الخيار لأسباب ما كعلاقاتها الوثيقة بلبنان مثلا؟ ـ معلوماتي، انه لم تتقدم أي دولة بطلب استضافة المحكمة، كلا اننا لن نستبعد أي خيار. سوف نطبق بموضوعية بنود الاتفاق لتشكيل المحكمة كما ان اختيار الموقع سوف يكون بموافقة البلد المعني.

* ماذا بالنسبة لتشكيلة المحكمة نفسها: القضاة، عددهم وآلية اختيارهم...

ـ المحكمة الدولية سوف تتشكل من اربع هيئات: الغرف، المدعي العام، القلم ومكتب الدفاع. بالنسبة لغرف المحكمة، هنالك ثلاثة مكونات: قاضي التحقيق ثم محكمة البداية ثم محكمة الاستئناف. في ما يتعلق بالهيئة الاولى، سوف تتشكل من قاض منفرد على عكس الغرف الاخرى. اما غرفة البداية فانها ستضم ثلاثة قضاة احدهم لبناني. وأخيرا غرفة الاستئناف سوف تتشكل من خمسة قضاة بينهم قاضيان لبنانيان. كما ان قانون تشكيل المحكمة يلحظ اعتماد قاضيي احتياط. مما يعني ان تركيبة المحكمة بغرفها الثلاث تشمل 11 قاضيا. معايير اختيار القضاة مسألة في غاية الاهمية وخصوصا لجهة ضمان الاستقلالية وعدم الانحياز. سوف تكون آلية الاختيار مختلفة بالنسبة للقضاة اللبنانيين والقضاة الدوليين. بالنسبة للبنانيين، فان هؤلاء القضاة سيعينهم الامين العام من لائحة من 12 شخصا يقدمها مجلس القضاء الاعلى اللبناني الى الحكومة اللبنانية التي تقدمها الى الامين العام. وسيكون امام الامين العام الاستعانة بلجنة اختيار خاصة تكون مهمتها تقديم التوصيات والمشورة وتتشكل من ثلاثة قضاة هم قاضيان دوليان (أي يعملان حاليا في محاكم دولية او كانا في هيئات محاكم دولية) وممثل للامين العام. ولاعطاء ضمانة اضافية لاستقلالية هيئة المحكمة، سوف يكون على الامين العام قبل تعيين القضاة ان يعرض التشكيلة على مجلس الامن للحصول على موافقته. اذن هنالك بالفعل الكثير من الضمانات للتأكد من استقلالية القضاة اللبنانيين. اما بالنسبة للقضاة الدوليين، فان الدول الاعضاء ستقدم اقتراحات بعد ان نفتح باب الترشيح على ان تخضع هذه الطلبات ايضا لمشورة لجنة الاختيار التي ستقدم توصياتها الى الامين العام للامم المتحدة.

* هل هنالك من كوتا أو حصص للدول في اختيار قضاة المحكمة؟ ـ هذا الامر ليس ملحوظا في الاتفاق ولكن لجنة الاختيار سوف تأخذ في الاعتبار هذا العامل في تقديرها لمدى استقلالية المرشح اي بحسب الجنسية والخبرة وعوامل اخرى. اذن انه ليس عاملا مقررا في الاختيار ولكن اللجنة ستكون حساسة لهذا الامر من باب تقديرها لاستقلالية القضاة.

*هل سيتمتع قضاة المحكمة بحصانات خاصة؟ ـ اعتبرنا وفق قانون تشكيل المحكمة ان القضاة يجب ان يتمتعوا بحصانة تتيح لهم ممارسة مهامهم بكل استقلالية. والحصانة التي سوف يتمتعون بها هي الحصانة الدبلوماسية والهدف منها اتاحة المجال لهم لممارسة عملهم باستقلالية وليس حمايتهم من ارتكاب اعمال يعاقب عليها القانون. انها حصانة لحمايتهم من امكان تعرضهم لملاحقة محاكم خاصة بسبب الاعمال التي قاموا بها في اطار ممارستهم لدورهم كقضاة في المحكمة الدولية.

*أي نوع من القوانين سوف تطبقها المحكمة الدولية وهل ستعتمد القوانين اللبنانية؟ ـ ينص البند الثاني من قانون تشكيل المحكمة على ان تطبق قانون العقوبات اللبناني الا انها لن تطبق كل بنوده لان بعض هذه البنود لا يتوافق مع نوع الجرائم المرتكبة. اما في ما يتعلق بالمسائل الاجرائية، فان اتفاقية تشكيل المحكمة تأخذ في الاعتبار ضمانات معترفا بها عالميا خاصة في ما يتعلق باستقلالية القضاء وحقوق المتهمين والدفاع والشهود والمستدعين. الى جانب ذلك على القضاة عندما يتم تعيينهم ان يتبنوا قواعد للاجراءات وللأدلة بوحي من القانون اللبناني بالطبع وانما ايضا باحترام المعايير الدولية المتوافق عليها.

*هل ستتمتع المحكمة بصلاحية استدعاء رؤساء جمهورية؟ ـ السؤال يطرح على مستوى المسؤولية الجنائية الفردية للاشخاص المعنيين وعلى مستوى الموقع الخاص لهؤلاء. ويجب هنا التمييز ما اذا كان هؤلاء لديهم وضع خاص داخل لبنان او في بلدان اخرى. ان اتفاقية تشكيل المحكمة تلحظ في البند 3 الفقرة 2 ان الرئيس يمكن ان يتحمل المسؤولية عن عمل قام به مرؤوسه ولكنها ليست مسؤولية آليه بل تتطلب توافر دليل من ثلاثة عناصر: ـ اولا ان يكون الرئيس تجاهل عن قصد ووعي معلومة كانت تدل بوضوح على ان مرؤوسه يحاول ان يرتكب جريمة او انه يرتكبها. ـ وثانيا ان تأتي هذه الجرائم في مجال مسؤولية هذا الرئيس الفعلية وتحت رقابته. ـ وثالثا ان يكون الرئيس تقاعس عن اخذ اجراءات ضرورية لمنع حدوث هذه الجرائم.

* ولكن في هذه الحالة يصبح التأكد من المسؤولية امرا بالغ الصعوبة او غير قابل عمليا للتحقيق؟

ـ نريد ان نقول لمن يدعي ان المحكمة وسيلة مسيسة لاستهداف زعماء انهم يخطئون لانها تقوم على مبادئ وقواعد صلبة جدا تتوافق مع المعايير الدولية ولا مجال ان تتخذ المحكمة قرارات سياسية. اعرف ان المهمة ستكون صعبة جدا. على البعض ان يوقف سوق الاتهامات لان المعايير التي ستحكم عمل المحكمة واضحة. يجب عدم الاستهانة بصعوبة الازمة الحالية ولكن يجب ايضا ان نتأمل ان يعود القادة اللبنانيون الى موقفهم السابق لجهة اعتبار العدالة مسألة ضرورية جدا للاستقرار في البلاد.

* لكن المعارضة اللبنانية تقول ان لا متهم واضحا بعد في تحقيق القاضي الدولي سيرج براميريتز فلماذا المحكمة الان؟

ـ ان تشكيل المحكمة الان ضروري لان غياب الثقة بقيام المحكمة كان مصدرا لانعدام الاستقرار في البلاد ولان قيام المحكمة ضروري من اجل استكمال التحقيق، فالشهود يريدون ان يتيقنوا ان شهاداتهم سوف تعرض على محكمة دولية والبعض منهم لا يريد تقديم شهاداته الا تحت هذا الشرط. والعامل الثالث هو ان علينا ان ننظم بانسجام المرحلة الانتقالية بين اعمال التحقيق وأعمال المحكمة المستقبلية.

* وهل يعني ذلك ان التحقيق وصل ايضا الى معلومات اكثر وضوحا حول هوية مرتكبي جريمة اغتيال الحريري ورفاقه؟

ـ ما اعرفه حول ذلك هو ما تعرفونه من وسائل الاعلام. المحقق براميريتز جدي جدا في عمله وأنا واثق ان المحققين سيقدمون معلومات اكثر دقة وتفصيل للمحكمة في الوقت المناسب. ان عملي ليس منفصلا عن عمل المحقق براميريتز في ما يتعلق بالتنظيم والتخطيط ولكننا لا نمارس أي تأثير على التحقيق ونحترم استقلاليته.

* ألم يكن هنالك مجال للتوصل الى توافق على تشكيل المحكمة بحسب القوانين اللبنانية من دون اللجوء الى الفصل السابع؟ ـ في زيارتي للبنان التقيت بالقادة اللبنانيين من كل الاتجاهات واستطيع ان اقول اننا حاولنا بكل جد مساعدة محاورينا اللبنانيين للتوصل الى حل داخلي والصعوبة لم تكن في المحكمة نفسها بل في العلاقة بين المحكمة وبين تشكيل الحكومة الجديدة وهذا كان شرطا اساسيا مسبقا من جانب المعارضة للقبول حتى ببدء الحوار حول المحكمة. قلنا لحزب الله اننا نرغب فعلا بالاستماع الى ملاحظاتهم ونتخيل طبيعة بعضها لكنهم قالوا انهم لن يقدموا ملاحظاتهم الا الى حكومة يعتقدون ان لديها شرعية دستورية. وصلنا الى حدود جهودنا وقلت للامين العام: انني لم احقق أي تقدم وعلى اساس هذا قرر مجلس الامن ان يتحرك آخذا في الاعتبار عوامل اخرى منها مبادرات السعودية والجامعة العربية خصوصا ودول اخرى.

* هل من جدول زمني لبدء عمل المحكمة؟ انه عمل كبير بالفعل. حتى الان نقدر بتفاؤل اننا سنبدأ عملنا في حدود عام وخلال هذه الفترة سوف تتابع لجنة التحقيق عملها.

* الا تخشى ان تستخدم المحكمة كوسيلة سياسية وتتعرضون للضغوط رغم كل الضمانات؟ ـ انا مقتنع ان القواعد اخذت كل الضمانات لتكون المحكمة مستقلة وغير منحازة وليست وسيلة سياسية. التاريخ سيظهر اذا ما كان تحقيق العدالة سيلحق تغيرات. ليس لدينا أي هدف سياسي بتغيير انظمة ولكن سوف نرى ما اذا ما كان ارساء العدالة سيحدث تغييرات.

* اخيرا الا تخشى على حياتك؟ ـ من الصعب الاجابة على هذا السؤال. انه شرف كبير لي ان اكون في موقعي وانا اعي تماما المخاطر واعتقد ان مهمتنا يجب ان تتحقق. انها مهمة نبيلة.