الانتخابات البرلمانية الفرنسية: تحجيم الأطراف وقيام ثنائية من الحزب الرئاسي والإشتراكيين

TT

«الموجة العاتية»، «الاتحاد من أجل حركة شعبية ينزل هزيمة قاسية بالاشتراكيين»، «الدينامية الساركوزية»، «أزرق فأبيض فأزرق».. تلك بعض العناوين الرئيسية للصحف الفرنسية الصادرة أمس، والتي كرست كلها لنتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية التي شهدت فوزا كاسحا لليمين الكلاسيكي وتراجعا خطيرا لليسار بشكل عام. فالجمعية الوطنية المقبلة كما بدت ملامحها بعد الدورة الأولى، ومن المفترض أن تتأكد بعد الدورة الثانية، سيهيمن عليها اليمين بشكل لم تألفه الحياة السياسية الفرنسية منذ انطلاق الجمهورية الخامسة.

وتفيد الأرقام النهائية التي نشرتها وزارة الداخلية بأن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الرئاسي مع مرشحي حزب الوسط الجديد المتحالف معه حصل على 45.52 بالمائة من الأصوات وهي نسبة لم تعرفها فرنسا قبل إطلاقا، حيث لم ينجح أي حزب سياسي فيها في الاستئثار بهذه النسبة العالية من الأصوات لوحده. وبفضل هذه الأصوات، فالحزب المذكور سيكون أهلا للفوز بعدد من المقاعد قد يصل الى خمسمائة مقعد (من أصل 577 مقعدا). وبالمقابل، فإن الحزب الاشتراكي وحلفاءه تراجعوا الى 27.64 بالمائة بحيث أن كل قوى اليسار (الاشتراكيين والخضر والشيوعيين) الذين حكموا معا من العام 1995 الى العام 2002 لا يتخطون عتبة الـ 35.5 بالمائة من الأصوات وهي نسبة ضعيفة للغاية. وإذا ترجمت هذه النسبة الى مقاعد فلن توفر لهم إلا اليسير منها، فالشيوعيون الذين حصلوا على 4.62 بالمائة من الأصوات سيخسرون بأفضل الأحوال نصف نوابهم على الأقل فيما لن يحصل الخضر على أكثر من ثلاثة نواب. أما الاشتراكيون الذين كان لهم في البرلمان الماضي مجموعة من 149 نائبا، فإن التقديرات تعطيهم مقاعد تتراوح ما بين الستين مقعدا الى 180 مقعدا.

ويعد حزب المرشح الرئاسي فرنسوا بايرو، الذي حل ثالثا في دورة الانتخابات الرئاسية الأولى، بحصوله على سبعة ملايين صوت، الخاسر الأكبر إذ أن حزبه الجديد (الحركة الديمقراطية) لم يحصل إلا على 7.76 بالمائة من الأصوات. أما المقاعد التي يستطيع الفوز بها فلن تزيد في أفضل الأحوال عن أربعة.

ويبدو الحزب الرئاسي بمثابة الرابح الأكبر على حساب الجميع. فمن جهة، حجمت الانتخابات اليمين المتطرف (4.70 بالمائة) الذي لن يحصل على أي مقعد، ومن جهة ثانية فرضت الاتحاد من أجل حركة شعبية حزبا شبه وحيد على الخارطة السياسية الفرنسية. واستفاد الاشتراكيون بشكل غير مباشر من هذا الزلزال السياسي إذ أن حزبهم، على علاته، يبدو الوحيد الذي ما زال واقفا على قدميه على يسار الخارطة السياسية. ولذا، فإن المعطى السياسي الرئيسي للسنوات المقبلة هو قيام ثنائية سياسية يسحق كل قطب منها الأحزاب الأخرى التي تدور في فلكه.

وركزت غالبية القراءات السياسية على أن نتائج الدورة الأولى والنتائج المتوقعة للدورة الثانية ستطلق يدي الرئيس ساركوزي لينفذ السياسة التي يريد متجردا من كل العوائق الانتخابية للسنوات الخمس المقبلة. لكن اليسار الفرنسي قرع ناقوس الخطر وحذر من مساوئ سيطرة حزب واحد على كل مفاصل الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وبعضم يضيف الإعلامية والاقتصادية. وسارعت المرشحة الاشتراكية السابقة، سيغولين رويال، التي تطمح الى قيادة الحزب الاشتراكي، الى الإعلان أمس أنها دخلت في اتصال مع رئيس الحركة الديمقراطية فرانسوا بايرو للنظر في كيفية التعاون في الدوائر الانتخابية. وتطمح رويال التي دعت مناصري الحزب الاشتراكي واليسار بشكل عام الى «وثبة» تقطع الطريق على هيمنة اليمين المطلقة، الى الوصول الى اتفاق مع بايرو يتيح للاشتراكيين الحد من خسائرهم والمحافظة على عدد من المقاعد المهددة مقابل دعم مرشحي الحركة الديمقراطية في دوائر أخرى.

ومن العلامات التي تدل على هيمنة اليمين أن كل النواب الـ 109 الذين فازوا منذ الدورة الأولى ينتمون الى اليمين باستثناء نائب اشتراكي واحد. كذلك، فإن سبعة من الوزراء المرشحين لمقاعد نيابية من أصل 11 فازوا منذ الدورة الأولى والأربعة الآخرون في وضعية تؤهلم من دون صعوبات في الدورة الثاني. وحده وزير البيئة والطاقة والنقل والرجل الثاني في الحكومة ألان جوبيه قد يواجه بعض الصعوبات. وسبق لرئيس الحكومة فرنسوا فيون أن عمم على وزرائه أنه يتعين على كل وزير يفشل في الفوز بمعده النيابي الاستقالة من وزارته. وانتخب فيون في منطقة لا سارت (جنوب غربي فرنسا) منذ الدورة الأولى.

ويسعى الاشتراكيون الى تعبئة ناخبيهم للدورة الثانية بعدما فشلوا في دفعهم الى الانتخاب في الدورة الأولى. وبلغت نسبة الامتناع عن التصويت 40 بالمائة وهي الأعلى منذ 26 عاما على الأقل. وقالت رويال أمس إن «الديمقراطية بحاجة الى قوة يسارية كبيرة» فيما رأى رئيس الحكومة فرنسوا فيون أن الفرنسيين «استمروا على انطلاقتهم» لتوفير أكثرية مريحة لساركوزي وللحكومة لتنفيذ برنامجهم الانتخابي. وتعد نتائج الدورة الأولى بمثابة انتصار مزدوج لفيون وساركوزي، فقد قاد رئيس الحكومة المعركة الانتخابية ولم يتوان عن مهاجمة اليسار بعنف بالغ. وبعد الدورة الثانية الأحد المقبل، سيدعى البرلمان الى دورة استثنائية تعرض عليه فيها القوانين الأولى التي يريد رئيس الجمهورية الإسراع بإقرارها وتتناول التدابير المالية والاجتماعية والقضائية وكلها وردت في برنامجه الانتخابي الرئاسي.