«الثلج».. البضاعة الأكثر رواجا في الصيف العراقي

مستهلكوه يشكون من أمراض مختلفة بسبب المياه الملوثة المستخدمة في إنتاجه

TT

تستخدم الاغلبية الساحقة من العراقيين الثلج يوميا في الصيف، وخصوصا لتبريد الماء، وأصبح بيعه التجارة الأكثر رواجا في هذا الفصل الذي تتجاوز درجة الحرارة فيه الحدود الطبيعية أحيانا الـ 50 درجة مئوية، وهو أمر اعتاد سكان المحافظات العراقية عليه مع غياب الوسائل التي تساعد على التخفيف من حدة الحرارة.

لكن الثلج ينتج في معامل أهلية تفتقر لأبسط الشروط الصحية التي تضعها وزارة الصحة والدوائر المعنية، ويعاني من نسبة تلوث عالية نتيجة لاستخدام مياه الأنهر من قبل بعض اصحاب المعامل في انتاج الثلج، والأدوات والقوالب المعدنية التي تتعرض للتلف والاندثار بحكم استخدامها المتكرر، والطريقة البدائية التي يتم من خلالها إنتاج الثلج.

يتزايد الطلب على مادة الثلج في هذا الفصل، مما يتيح خلق فرص عمل للكثيرين لكي تدر عليهم ارباحا تساعدهم على تلبية متطلباتهم. وافتتاح محل او مخزن لبيع الثلج في العراق لا يتطلب سوى مبلغ بسيط من المال، لكنه يحتاج الى جهد كبير. وعند المرور في مناطق بغداد المختلفة يتضح للناظر وبشكل جلي الأعداد الكبيرة من المخازن والمحال البسيطة لبيع مادة الثلج المنتشرة على الطرق العامة وداخل الاسواق والمجمعات التجارية. وسعر القالب الواحد من مادة الثلج يتراوح ما بين (4 ـ 5) آلاف دينار، وتستهلك العائلة العراقية ما يقارب القالب يوميا في استخداماتها المنزلية المختلفة عند اشتداد درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي.

ابو علي، 46 عاما، صاحب اكثر من مخزن لبيع الثلج في مناطق مختلفة من بغداد، يقول ان ما يجنيه من تجارته هذه خلال فصل الصيف تغنيه عن العمل بقية فصول السنة، حيث يبيع يوميا نحو ألف قالب ومن زبائنه دوائر دولة ومراكز شرطة وشركات.

ويعمل ابو علي منذ الساعة الخامسة فجرا يوميا، حيث يقوم بجلب الكمية المقررة له من احد المعامل الاهلية التي تعود ملكيتها لأحد أقاربه ويقع في اطراف مدينة بغداد الجنوبية بسيارته الخاصة، ويساعده في ذلك ابناؤه الاربعة الذين يعملون معه، وبذلك فانه يوفر تكلفة النقل التي تكون مرتفعة جدا.

وعلى الرغم من الأرباح الطائلة التي يحصل عليها أصحاب تلك المعامل، إلا ان المكائن والمعدات المستخدمة في عملية الانتاج غالبا ما تكون قديمة ومندثرة، وذلك بسبب غياب السلطة والرقابة على المعامل؛ وهو ما يؤدي الى انتاج نوعية رديئة من الثلج تؤثر على صحة المستهلكين؛ وهو الامر الذي اكده الدكتور احمد صبحي اخصائي الباطنية في إحدى العيادات الطبية ببغداد، الذي قال «تأتينا الكثير من حالات الالتهاب التي يتعرض لها المواطن نتيجة تلوث مياه الشرب او تلك المستخدمة في تصنيع مادة الثلج». ويؤكد صبحي أنه اشرف على الكثير من تلك الحالات التي كانت مصابة بأمراض مختلفة كالتيفوئيد، والبلهارزيا والاسهال الشديد وغيرها من الامراض الاخرى، موضحا ان زملاءه اجروا تحليلات لنوعية الماء المستخدم لصناعة الثلج، فوجدوا فيه نسبة عالية من الجراثيم والمكروبات الناقلة للامراض المعدية.

وأكد عدد من المواطنين لـ«الشرق الاوسط» ان الكثير من قوالب الثلج التي يقومون بشرائها من المخازن والمحلات الصغيرة المنتشرة بكثرة في مناطقهم، غير نظيفة وملوثة بمواد مختلفة كالطين والاملاح وصدأ الحديد والشوائب الاخرى؛ وهو ما يجعل الثلج غير صالح للاستهلاك البشري. ويقول محمد رحيم، احد سكان حي المغرب بجانب الرصافة من بغداد «معظم سكان منطقتنا يشكون من رداءة نوعية مادة الثلج المنتجة، فمرة يكون طعمه مالحا بسبب ارتفاع نسبة الاملاح التي تفرزها القوالب المعدنية المستخدمة في صناعة الثلج او بسبب نوعية المياه المستخدمة في عملية الانتاج، حيث يقوم عدد من اصحاب المعامل الخاصة بإنتاج الثلج باستخدام مياه الانهر من دون اخضاعها لعمليات التصفية والتعقيم والتكرير في ظل شح مياه الإسالة، ويعرض بألوان مختلفة غير نقية مثلما اعتاد الناس عليه باللون الابيض الناصع، وغالبا ما يكون محملا بالشوائب وقطع الحديد المتصدئة». سكان المحافظات الاخرى وخصوصا الجنوبية ليسوا بأفضل حال من سكان العاصمة بغداد. يقول رعد الوائلي، وهو من سكان مدينة البصرة، إنه «إذا كان ثلج بغداد ينتج بالماء الحلو فثلج البصرة ينتج بالماء المالح غير صالح للشرب أصلا، اضافة الى المشاكل الاخرى التي ترافق عملية الانتاج؛ ومنها عدم التزام المعامل الاهلية بالشروط الصحية ومقاييس السيطرة النوعية».

ويبقى أبناء الرافدين يعانون من أزمات متنوعة لا تكاد تنتهي واحدة حتى تظهر او تتجدد اخرى؛ وهم على هذه الحال منذ عقود وقد استفحلت هذه المشاكل خلال الاربع سنوات الماضية على ضوء تدني مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في مختلف القطاعات الصحية والنفسية والبيئية والخدمية.