توني بلير يودع منصبه بهجوم عنيف على الإعلام

انتقد «صحافة الإثارة» واعتبر أنه من النادر إيجاد «الاتزان»

TT

قبيل مغادرته لمنصب رئاسة الوزراء، الذي ظل يشغله طيلة الأعوام العشرة الماضية، شن توني بلير هجوما عنيفا على ما وصفه بصحافة «الاثارة» البريطانية، في خطاب القاه أول من أمس. وفي كلمته، قال بلير إن قطاع الإعلام بات يعاني من التشتت، وذلك بفعل التكنولوجيا الحديثة بشكل أساسي، معتبرا أن شبكات تلفزيونية رئيسية مثل البي بي سي وآي تي إن، التي كانت تستقطب نشراتها الأساسية بين 8 إلى 10 ملايين شخص باتت تستقطب نصف هذا العدد، مضيفا انه في عام 1982 كان هناك 3 قنوات فقط تبث في المملكة المتحدة، أما اليوم فالعدد يقدر بالمئات. من جهة ثانية، تحدث بلير عن التحديات التي تواجه الصحف، مشيرا بشكل اساسي الى التغير الحاصل في سرعة الحصول ونقل الأخبار وضرورة الاستجابة الى الطلبات الصحافية في المقابل، معتبرا ان كل ذلك تسبب بتشكل تحديات لم يعرف مثلها الاعلام من قبل، مما شكل بدوره هاجسا لدى الصحف والقنوات تحت مسمى «التأثير»... وهو كل ما تسعى اليه وسائل الاعلام اليوم، حسب بلير، وذلك بدرجة حرصها على الدقة. وخص بلير صحيفة الـ«انديبندنت» البريطانية بالذكر، حيث قال، في خضم حديثه عن ضرورة الفصل بين الخبر والرأي، إن «جزءا كبيرا من الاعلام اليوم بات يخلط بين الاثنين... وان ذلك لم يعد الاستثناء، بل القاعدة». وأضاف بلير «الانديبندنت» صحيفة محررة بشكل جيد، حيوية ولها حق في ان تنشر ما تريده، بالشكل الذي تريده، حول الشرق الأوسط او أي أمر آخر، ولكنها انطلقت لتكون مضادة لفكرة الصحافة كرأي... ولذلك سميت الانديبندنت (المستقلة). لكنها اليوم صحيفة رأي. وخلص بلير إلى القول ان «كل ذلك تسبب بأنه من النادر اليوم أن تجد الاتزان في الإعلام». وختم بلير بدعوته الى ايجاد مؤسسات وهيئات رقابة جديدة لمحاسبة الاعلام، خصوصا ان التكنولوجيا نتج عنها اعلام جديد يحتاج سبلا جديدة لمراقبته، وان القراء أو المشاهدين ليس لديهم «ميزان» قادر على حساب مدى الموضوعية من عدمها. من جهته، رد رئيس تحرير صحيفة «الانديبندنت»، سيمون كيلر، بمقال على الصفحة الأولى لعدد جريدته الصادر صباح أمس، حمل عنوان «هل كنت ستقول ذلك اذا دعمنا حربك في العراق يا سيد بلير؟». وكتب كيلر انه يكتب «نيابة عن صحافيي جريدته وقرائها بشكل خاص»، معتبرا انه «سيكون من الخطأ أن يترك تصريحات بلير (التي خص فيها الانديبندنت بالذكر) تمر من دون ان يتحداها». وقال كيلر «من الواضح أنه (بلير) غاضب من معارضتنا الأخلاقية لسياسته في العراق، أو الشرق الأوسط كما اسماها في خطابه – هو (بلير) حتى لم يستطع ذكر العراق بالاسم». وأضاف رئيس تحرير «الإنديبندنت»: «نود ان نوضح ان صحيفتنا لم تنطلق لتكون مضادة لفكرة الصحافة كرأي، وإنما مضادة لتأثير التبعية والانصياع السياسي». وحول تركيز «الانديبندنت» على الرأي، قال كيلر «الأخبار لا تزال العمود الفقري لما نقدمه، ولكننا نشعر أن قراءنا يحتاجون المزيد... يحتاجون مزيجا منوعا من التعليق، الحوار المختلف، صفحات أولى مثيرة للجدل، وبالطبع الآراء خلف الأخبار». وختم كيلر بالقول «من الصعب تخير شكل الصحيفة التي يريدها بلير في مدينته الفاضلة، ولكن من الآمن القول إن هذه «الانديبندنت» لن تكون هي». وفيما أفاد المكتب الإعلامي للهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) حول القضية بعدم وجود تعليق، ردا على طلب «الشرق الأوسط»، فإن صحيفة «التايمز» البريطانية كانت نشرت تعليقا على لسان بيتر هاروكس، رئيس قسم الأخبار في البي بي سي، قال فيه «من الضروري على الصحافيين السياسيين ترجمة ما يقوله السياسيون لأنه في بعض الأحيان تصعب معرفة ماذا يقصدون، كما أن الجمهور لن يخدم اذا ما لم يتم الشرح». من جهة ثانية نقلت «التايمز» عن كبير محرريها السياسيين السابقين قوله «اتهام الإعلام هو البديل العصري لمفهوم قتل المرسال». من جهته، يعلق البروفيسور ايدريان مانك، رئيس كلية الصحافة والنشر في جامعة سيتي بلندن، بقوله لـ«الشرق الأوسط»، ان ما قاله بلير عن الصحافة وسعيها ليكون لها «تأثير» impact لا يأتي بالضرورة كنتيجة لضغوط وتغيرات السوق كما اشار هو، «لا يمكن اعتبار ان هذا جاء نتيجة تحدي الانترنت او التلفزيون أو ما شابه، فلطالما كانت الصحافة تسعى ليكون لها تأثير، ويمكن العودة بذلك 200 عام للوراء». وكان بلير قد عدد 5 نقاط هي ما اعتبره «نتيجة» سعي الصحافة وراء الاثارة هي أولا، أن الفضيحة او الجدل بات أهم من التغطية العادية. ثانيا، أن مهاجمة الدافع باتت اهم من مهاجمة التقدير، بمعنى انه لم يعد كافيا ان يقوم احدهم بخطأ، وانما لا بد من ان يكون هذا الخطأ نتيجة تآمر. واوضح بلير في هذا السياق انه يعتبر فضيحة «ووترغايت» (وهي خبطة صحافية حملت توقيع صحيفة «واشنطن بوست»)، انها «عمل صحافي ممتاز، ولكن هناك دراسة دكتوراه قائمة بحد ذاتها تبحث في تأثير ان تكون الصحافة قائمة على المؤامرات، لدرجة ان ما بات يثير الجدل ليس الأخطاء، وانما الاتهام باساءة العمل، وهو ما بات مهما». ثالثا، بات هناك خوف من «تضييع القصة» لذلك باتت وسائل الاعلام «تصطاد» بشكل جماعي... مما ترتب عليه الاساءة الى الناس وسمعتهم. رابعا، بات الرأي «أكثر» أهمية، بحيث بات لا يقل في أهميته عن أهمية الخبر الذي يتحدث عنه. خامسا، وهي مسألة مرتبطة بالنقطة السابقة، بات هناك التباس بين الخبر والتعليق، وفيما يعتبر التعليق امرا محترما في الصحافة.. فمن الضروري الفصل الواضح بين الأمرين، بحسب ما قال بلير في كلمته. لكن بلير لم يكن في بداية ولايته مهتما كثيرا بما يمكن أن تقوله الصحافة, فهو لم يكن قد تورط في مشاكل كبيرة بعد، سواء العراق او الارهاب. وقال جيدون ريتشمان، كاتب العمود بصحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية في هذا الصدد: «اول مرة اجريت حوارا مع توني بلير، وكان ذلك بعد وقت قصير من توليه رئاسة الوزراء 1997، تحدث عن انه سيحاول تجنب هذا الامر بالذات. اتذكر انه قال وهو يضحك، ان رئيس الوزراء السابق جون ميجور كان مسكونا بهاجس الصحف، وانه كان يتصفح دوما الطبعات الاولى للصحف البريطانية فور صدورها في الساعة الحادية عشرة مساء. وقال بلير لي بضحكة عالية: أنا لا أهتم بكل هذا».