الفضائح تحوم فوق شيراك

سقوط حصانته قد يعرضه للمساءلة

TT

بدأت الغيوم الداكنة تلقي بظلالها على رئيس الجمهورية الفرنسي السابق جاك شيراك، مع اقتراب انتهاء الحصانة الدستورية التي ما زال يتمتع بها حتى ليل السبت ـ الأحد المقبل. وبغياب الحصانة التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية طيلة ممارسته لمهامه، والتي تمدد آليا لشهر عقب انتهاء ولايته، يتحول رئيس الجمهورية مجددا الى مواطن عادي يمكن مساءلته أمام القضاء.

وهكذا، فإن كل القضايا القضائية العالقة، أخذت تعود الى الواجهة تدريجيا وأولها القضية المعروفة باسم «كليرستريم». وبحسب الصحيفة الساخرة والواسعة الإطلاع لو كنار أونشينيه، فإن قاضيي التحقيق المكلفين الملف المذكور جان ماري دوي وهنري بونس وجها استدعاء للرئيس السابق للمثول أمامهما يوم الإثنين المقبل، بصفة شاهد أي بعد أقل من 36 ساعة على انتهاء الحصانة التي يتمتع بها. غير أن النيابة العامة في باريس، وكذلك محامي شيراك نفيا وجود استدعاء من هذا النوع، فيما أكدت وزيرة العدل رشيدة داتي على استقلالية القضاء وامتناع السلطة السياسية عن التدخل في شؤونه. ونفت داتي أن تكون على علم باستدعاء الرئيس السابق مشددة على أنه «لا يوجد تمييز» في تعاطي القضاء مع المواطنين، وهي بذلك تريد أن تقول إن شيراك لن يحظى بمعاملة خاصة. وأعلنت النيابة العامة إن قاضيي التحقيق، أكدا لها أنهما لم يوجها استدعاء لشيراك للشهادة أمامهما. وقال المحامي جان فيل، وكيل الرئيس السابق إنه «ليس على علم» بمثل هذا الاستدعاء.

وكان شيراك ورد اسمه في الملاحظات الشخصية التي دونها الجنرال فيليب روندو، الاختصاصي في شؤون التجسس والمستشار السابق لوزيرة الدفاع ميشال اليو ماري في شؤون الإرهاب والتي وضع القضاء يده عليها. وظهرت فضيحة «كليرستريم» المتورط فيها رئيس الحكومة السابق دومينيك دو فيلبان واللبناني عماد لحود وجان لوي جيرغوران أحد مسؤولي شركة EADS الأوروبية للصناعات الجوية والفضائية عندما وزعت معلومات في الأوساط السياسية والصناعية عن وجود لوائح صادرة عن مؤسسة «كليرستريم» المالية الموجودة في لوكسمبورغ تفيد بامتلاك مجموعة من الصناعيين والسياسيين الفرنسيين لحسابات مصرفية في البنك المذكور. وفضلا عن ذلك، أفيد بأن مصدر الأموال عمولات مقبوضة بمناسبة صفقات أسلحة فرنسية الى الخارج. ومن بين الأسماء الموجودة على اللوائح اسم نيكولا ساركوزي، رئيس الجمهورية الحالي. وتبين لاحقا أن اللوائح مزورة وحامت شكوك قوية حول دور لحود وجيرغوران في فبركة هذه اللوائح. وعمد دو فيلبان الى تكليف الجنرال روندو القيام بتحقيق حول هذه اللوائح. ويزعم بعضهم أن الغرض من التحقيق إثبات أن ساركوزي يملك حسابا في المصرف المذكور بغرض تحطيمه سياسيا وقطع طريق الأليزيه عليه علما أن تنافسا حادا كان قائما بينه وبين دو فيلبان، القريب من شيراك. وتفهم من ملاحظات الجنرال روندو أن دو فيلبان الذي كان وقتها وزيرا للخارجية أبلغه أنه مكلف من شيراك بالطلب منه إجراء التحقيق. ويشير روندو الى رئيس الجمهورية بالحرفين الأولين. وليس من المستبعد، إذا لم يستدع شيراك الإثنين الى الشهادة في هذه القضية، أن يستدعى في وقت لاحق. لكن ثمة اجتهادات مختلفة منها ما يفيد بأن المادة 67 من الدستور الفرنسي توفر له الحصانة في ما يتعلق بما قام به اثناء توليه الرئاسة، وهو ما ينطبق على قضية «كليرستريم». غير أن القضاء الفرنسي بامكانه استدعاء شيراك بخصوص قضايا سابقة على وصوله الى قصر الاليزيه وأخطرها فضيحة «الوظائف الوهمية» التي حصلت إبان رئاسته لبلدية باريس. وسبق لرئيس الحكومة السابق ألن جوبيه أن حكم بالسجن مع وقف التنفيذ وحرمانه من حقوقه المدنية طيلة عام كامل بسبب هذه القضية. وفضيحة الوظائف الوهمية كناية عن عملية احتيال واسعة على حساب بلدية ياريس ودافعي الضرائب فيها إذ كانت البلدية تدفع رواتب العشرات من الموظفين الذين كانوا يعملون في الواقع لحساب الحزب الديغولي أو شخصيات قريبة من شيراك. ويمكن أن يتعرض شيراك للمساءلة بخصوص حصوله وعائلته على بطاقات سفر مجانية من إحدى وكالات السفر. ولا تتوقف متاعب شيراك عند هذا النوع من الفضائح فقد أثيرت في الأيام الأخيرة مسألة القاضي الفرنسي بوريل الذي وجد في عام 1996 ميتا في جيبوتي. ونشرت صحيفة «لو موند» قبل أيام، مقالا تتهم فيه شيراك بالتدخل في التحقيق لمنع توجيه الاتهام للسلطات الجيبوتية.