الملك عبد الله: رغم جهودنا في حل النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بدأنا نشهد اتساع رقعة الاضطرابات في المنطقة

أبدى مخاوفه من أن ينفجر الوضع.. مشدداً على أن أثره سيطال العالم أجمع

TT

قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز «إن منطقة الشرق الأوسط تعاني أطول نزاع يشهده تاريخنا المعاصر وهو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وتداعياته التي امتدت لاحتلال إسرائيل لعدد من الأراضي العربية».

وأبدى خادم الحرمين مخاوفه ومخاوف جميع العقلاء في العالم من أن ينفجر الوضع في المنطقة، مشدداً على أن تأثير ذلك لن يقتصر على المنطقة فحسب بل والعالم أجمع. وأضاف خادم الحرمين الشريفين «في الوقت الذي نبذل فيه جهوداً حثيثة لحل هذا النزاع بدأنا نشهد اتساع رقعة الاضطرابات في المنطقة لتشمل العديد من دولها، في العراق ولبنان، فضلاً عن النزاع في إقليم دارفور، وبروز عبء الملف النووي، وظاهرة الإرهاب، الأمر الذي جعل المنطقة مثقلة بالهموم التي تشكل قلقاً بالغاً لنا».

جاء ذلك في حديث أدلى به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لصحيفة «الباييس» الإسبانية نشرته أمس. وأكد أن البرنامج النووي في المنطقة يشكل عبئاً إضافياً عليها، ولخص الملك عبد الله موقف المملكة العربية السعودية بأنه يتمثل في أهمية عدم انتشار الأسلحة النووية بها والعمل على معالجة هذا الملف بالطرق السلمية بعيداً عن لغة التشنج والتوتر بما يكفل حق دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع تطبيق هذه المعايير على كافة دول المنطقة بدون استثناء.

وأشار الملك عبد الله إلى أن زيارته لاسبانيا تهدف الى تطوير العلاقات الثنائية التي ظلت على مدى السنين قوية وراسخة. وقال «نحن نعلق الكثير من الآمال على الموقف الاسباني المشرف من قضية الشرق الأوسط والعملية السلمية التي ارتبط اسمها بمدريد». وفيما يلي نص حديث خادم الحرمين الشريفين للصحيفة.

* أحداث 11 سبتمبر وضعت المملكة العربية السعودية في بؤرة الضوء، كيف لبلدكم بغلق الأخدود الموجود بين الغرب والعالم الإسلامي؟

ـ أحداث سبتمبر لم تقتصر آثارها السلبية على المملكة فحسب، بل امتدت لتشمل جميع دول العالم بمختلف أعراقه وثقافاته، الأمر الذي استوجب منا جميعاً جهداً مضاعفاً في محاولة احتوائها وتقليص الهوة العميقة التي أحدثتها. وجهودنا في المملكة تنطلق أولا وأخيراً من هدي مبادئنا الإسلامية الحنيفة التي تدعو إلى المحبة والوئام والتعايش السلمي بين الشعوب، وتحريم قتل النفس الإنسانية البريئة. هذه هي الرسالة التي عبرنا عنها بكل وضوح سواء في محيطنا العربي أو الإسلامي، وأيضا بجهد مماثل في ترسيخ مبادئ الاحترام بين الثقافات والديانات والمعتقدات حتى نصل إلى الأهداف المتوخاة في تحقيق التعايش السلمي بين الشعوب. ولا بد في هذا المجال من الإشادة بالمبادرة التي طرحها رئيس الحكومة الإسبانية خوسي لويس ثاباتيرو الداعية إلى حوار بين الحضارات يقود إلى التحالف بينها والى إجراء مصالحة بين الغرب والعالم الإسلامي وهذه كلها أفكار بناءة نؤيدها كل التأييد.

* أشار العديد إلى المملكة كأحد منابع الإرهاب الدولي الحديث، ومع ذلك فقد عانت بلادكم من الإرهاب. فماذا قامت به المملكة في هذا المجال؟ وما هي مخاوفكم؟

ـ أعتقد أن الأحداث أثبتت أن هذا الطرح بعيد عن الصحة، فالخلايا الإرهابية منتشرة في العديد من دول العالم وقاراته بدون استثناء، والمملكة كان لها نصيب منها للأسف الشديد كما عانت إسبانيا بدورها، وقد تعاملنا معها بكل حزم وشدة واستطعنا بتوفيق الله عز وجل ثم بوقوف الشعب السعودي صفاً واحداً التصدي لهذه الظاهرة الشاذة على مبادئنا الدينية والاجتماعية ومحاربة الفكر الضال المؤدي إليها، وجهودنا لا تزال مستمرة في هذا المجال بعون الله وتوفيقه. وإذا ما أردنا التعرف على منابع الإرهاب الدولي فعلينا التوجه إلى بؤر النزاعات الدولية التي تشكل أرضاً خصبة يستغلها الإرهابيون للترويج لمخططاتهم الإجرامية، ومنطقتنا زاخرة بهذه المشكلات. وبالتأكيد فإن حل هذه النزاعات لن يساهم فقط في تحقيق أمن واستقرار المنطقة وشعوبها، بل سيدعم جهودنا المتواصلة في مكافحة هذه الظاهرة ويجرد الإرهابيين من حجة استغلالها لتحقيق مآربهم الخبيثة.

* كانت المملكة دائماً لاعباً مهماً في الشرق الأوسط، ولكن رأينا أخيرا سياسات خارجية حازمة.. هل لكم أن تلخصوا ما هي مخاوفكم الرئيسية تجاه المنطقة؟

ـ منطقة الشرق الأوسط تعاني من أطول نزاع يشهده تاريخنا المعاصر وهو النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وتداعياته التي امتدت لاحتلال إسرائيل لعدد من الأراضي العربية. وفي الوقت الذي نبذل فيه جهوداً حثيثة لحل هذا النزاع بدأنا نشهد اتساع رقعة الاضطرابات في المنطقة لتشمل العديد من دولها، في العراق ولبنان، فضلاً عن النزاع في إقليم دارفور، وبروز عبء الملف النووي، وظاهرة الإرهاب. الأمر الذي جعل المنطقة مثقلة بالهموم التي تشكل قلقاً بالغاً لنا. ومخاوفي هي مخاوف جميع العقلاء من أن ينفجر الوضع والذي لن يقتصر تأثيره على المنطقة فحسب بل والعالم أجمع.

* في القمة العربية الأخيرة كنت صريحا وصادقا بخصوص انتقاد أداء الزعماء العرب. فماذا تقترحون أن تفعلوا أنتم الزعماء العرب لتحسين أدائكم وعلاقاتكم بالشعوب؟ وهل تلقيتم أي رد من زعماء الدول الآخرين؟ ـ في القمة العربية الأخيرة كنا أكثر صراحة وشفافية تجاه التعامل مع التحديات التي تواجهها أمتنا العربية وتؤثر على أمنها واستقرارها وتنميتها، واعتقد أن أشقائي القادة العرب وأنا توصلنا إلى العديد من القرارات المهمة التي تهدف إلى تطوير مؤسسات العمل العربي المشترك وتفعيلها على النحو الذي يحقق تطلعات شعوبنا ويساهم في تطوير علاقاتنا البينية، وعلاقاتنا كمجموعة عربية مع العالم.

* هنالك قلق عالمي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبرنامجها النووي.. ولكونكم جاراً قريباً كيف تتفهم المملكة العربية السعودية هذا الأمر المقلق؟ وماذا كانت نتيجة لقائكم مع الرئيس أحمدي نجاد؟

ـ البرنامج النووي في المنطقة يشكل عبئاً إضافياً عليها، وموقفنا يتمثل أولاً في أهمية عدم انتشار الأسلحة النووية بها، والعمل على معالجة هذا الملف بالطرق السلمية بعيداً عن لغة التشنج والتوتر، بما يكفل حق دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع تطبيق هذه المعايير على كافة دول المنطقة بدون استثناء. ولقائي مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يأتي في إطار لقاءاتي المتواصلة مع قادة دول المنطقة التي تهدف إلى التنسيق والتشاور المستمر في إيجاد الحلول السلمية لمشكلاتها، وإيران دولة جارة في المنطقة واللقاء بيننا كان مهماً للبحث وتبادل وجهات النظر تجاه العديد من قضايا المنطقة من بينها الملف النووي والعراق ولبنان وفلسطين وتنامي الصراعات المذهبية، ونتطلع إلى أن نلمس نتائج المباحثات على أرض الواقع.

* إلى أي مدى يؤثر القلق السياسي الذي يحيط بالمنطقة على أسعار النفط؟

ـ كما هو معروف فإن سعر النفط الدولي يخضع للعديد من العوامل السيكولوجية الخارجة عن إطار معايير العرض والطلب، ومن بينها التوترات الدولية والكوارث الطبيعية. وهذا لا يعني بالضرورة نقص المعروض من النفط في السوق، والمملكة العربية السعودية باعتبارها من كبار المنتجين والمصدرين حريصة على أن تكون مصدراً آمناً ومستقراً لإمداد السوق الدولي بالنفط، وتحقيق التوازن المطلوب الذي يحافظ على استقرار السوق والاقتصاد الدولي، ولا يضر بالتنمية. إننا نعتبر رخاء العالم جزءاً من رخائنا، وسياستنا البترولية تعكس هذه الحقيقة.

* بلادكم فتية وشعبها شباب، فكيف تواجهون الشد القائم بين الرغبة في التغيير من قبل الشباب والتقاليد المحافظة التي تميز المملكة؟

ـ التجاذب بين الأجيال هو تجاذب طبيعي، بل وضروري لتقدم المجتمعات الإنسانية على أسس قوية تهدف إلى تطوير المجتمع والانفتاح على العالم مع المحافظة على هويته الثقافية وتراثه التاريخي، وتجربتنا التنموية والاجتماعية الثرية في المملكة تعتبر خير شاهد على ذلك. ومهما بلغ الاختلاف في الرؤى والأفكار في الحوار بين الأجيال تظل السمة المميزة له ارتكاز الجميع على الأسس والمبادئ الإسلامية الحنيفة التي تشكل ثقافة المجتمع السعودي والتي يجمع عليها السعوديون.

* الصورة في خارج المملكة العربية السعودية ـ على سبيل المثال ـ أنها بلاد لا يمكن للمرأة فيها قيادة السيارة، ولكني على علم بأن النساء السعوديات بدأن يصبحن مع الأيام أكثر نشاطاً، وأنكم تدعمون مشاركتهن في المجتمع، ما هو هدفكم بخصوص تنمية المرأة السعودية؟ ـ لقد أثبتت المرأة السعودية، على مر السنين، قدرة علمية ومهنية واجتماعية وكفاءة عالية تضاهي مثيلاتها في العالم، كما أننا لا نستطيع أن نتحدث عن التطور الشامل الذي تشهده بلادنا بمعزل عن الدور المهم للمرأة السعودية في هذه التنمية، لذلك نحن حريصون على تعزيز هذا الدور بالعمل على تهيئة الظروف والبيئة الملائمة التي تحفز المرأة السعودية وتكفل لها العمل في إطار عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية وشريعتنا الإسلامية.

* منذ كنتم ولياً للعهد وأنتم تعملون على تعزيز الحوار الوطني، وقد طالب بعض المشاركين بأن يكون لهم دور في شؤون المملكة. فما هي وضعية الجدل القائم الآن؟

ـ الدولة حريصة على تعزيز المشاركة الوطنية، على أن تكون في إطار مؤسسي ومنظم، والحوار الوطني يعتبر إحدى هذه المؤسسات المهمة التي تشكل منبراً رئيسياً للرأي حيال كافة الموضوعات المهمة للمجتمع، وتجمع بين أبناء المجتمع السعودي بكافة أطيافه الثقافية والاجتماعية والعلمية ورؤاه السياسية. أما بالنسبة للمؤسسات السياسية الأخرى فتتمثل في مجلس الوزراء ومجلس الشورى ومجالس المناطق، وذلك فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني وجمعياته المتخصصة في شؤون الاقتصاد والإعلام والطب وغيرها، أما بالنسبة لقطاع الأعمال فتمثله الغرف التجارية والصناعية. وصناعة القرار في المملكة حريصة على الاستفادة من جميع هذه المؤسسات القائمة بما يعكس التوجهات والآراء السائدة في المجتمع.

* هذه الزيارة الرسمية الأولى لكم إلى اسبانيا، ما هو الهدف الرئيسي منها وكيف تقيمون العلاقة الثنائية بين البلدين؟ ـ إن زيارتنا إلى إسبانيا البلد الصديق تأتي استجابة لدعوة من الملك خوان كارلوس، الذي تربطني به صداقة عميقة وقديمة، وأكن له الكثير من التقدير والاحترام، وتستهدف الزيارة تطوير علاقاتنا الثنائية التي ظلت على مدى السنين قوية وراسخة، لقد سعدنا بزيارة الملك خوان كارلوس لنا في السنة الماضية، وتم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات، وخلال هذه الزيارة بالإضافة إلى توطيد العلاقات الثنائية فإن المباحثات مع القادة الاسبان ستشمل القضايا الدولية والإقليمية، ونحن نعلق الكثير من الآمال على الموقف الاسباني المشرف من قضية الشرق الأوسط والعملية السلمية التي ارتبط اسمها بمدريد.