مفاوضات الصحراء: المغرب يمد «يدا أخوية» والبوليساريو تبدي نوعا من التفاؤل

الوسيط الدولي حرص على خلق أجواء مريحة للوفدين.. إقامة بنفس المنتجع والتشارك في الوجبات

TT

بدأت أمس في نيويورك الجولة الأولى من المفاوضات المباشرة بين وفدي المغرب وجبهة البوليساريو، لحل نزاع الصحراء، وذلك تلبية لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون.

ويستضيف هذه الجولة من المحادثات، التي تعقد في لونغ آيلاند بنيويورك، مبعوث الأمم المتحدة للصحراء الغربية، بيتر فان والسوم، ويحضرها أيضا ممثلون عن الجزائر وموريتانيا إضافة إلى مشاركة ما يعرف بأصدقاء الصحراء الغربية (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا واسبانيا). وتعد هذه المحادثات التي تستمر يومين، أول مفاوضات مباشرة بين الطرفين منذ المحادثات التي جرت تحت رعاية وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جيمس بيكر، في هيوستن سنة 1997 والتي أسفرت آنذاك عما يعرف بخطة بيكر لحل نزاع الصحراء.

وقد حضر المغرب بوفد يرأسه شكيب بنموسى، وزير الداخلية، والطيب الفاسي الفهري، الوزير المنتدب في الخارجية والتعاون، وفؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب بالداخلية، وخليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، ومحمد ياسين المنصوري، المدير العام للدراسات والمستندات (المخابرات العسكرية الخارجية)، والمصطفى ساهل، مندوب المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة. أما وفد جبهة البوليساريو فيرأسه محفوظ علي بيبا ويضم في عضويته محمد خداد وابراهيم غالي، إلى جانب البشير الصغير وسيدي محمد عمار المستشارين لدى المنظمة الدولية.

وقد بدأت المفاوضات المباشرة في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا، وجرى خلالها استعرض موقف المغرب من النزاع وأعقبه ممثل البوليساريو. وأعقب هذا اللقاء وجبة غداء على شرف الوفود، ثم دخل وفدا المغرب وجبهة البوليساريو في محادثات مباشرة بحضور السفير بيتر فان ولسوم. وصرح رئيس الوفد المغربي بن موسى ان المحادثات التي بدأت أمس تشكل «لحظة تاريخية»، مؤكدا ان المغرب يمد «يدا أخوية» الى البوليساريو والجزائر من اجل تسوية نهائية للنزاع. وأفاد مصدر مقرب من الوفد المغربي بأن «المغرب يدخل المفاوضات استجابة لقرار مجلس الأمن وعلى أساس آخر تطورات الملف». وكان مجلس الأمن في قراره الذي اعتمده يوم 30 ابريل (نيسان) الماضي قد دعا الطرفين إلى الدخول في مفاوضات مباشرة دون شروط. وقبل قرار المجلس وفي نفس الشهر تقدم المغرب بمبادرة لحل النزاع تقوم على أساس الحكم الذاتي لسكان الصحراء الغربية. ويرى المصدر المغربي الذي رفض ذكر اسمه «أن مبادرة الحكم الذاتي التي عرضت على أكثر من دولة تمثل الحل الوسط لأنها تستبعد الاستقلال التام والانضمام كخطوة لحل النزاع». ويؤكد نفس المصدر أن خطة بيكر قد طواها النسيان لأنها لم تذكر في قرار مجلس الأمن الأخير. ورغم الجمود في معالجة ملف الصحراء الغربية، فان الوفد المغربي دخل المفاوضات بروح من التفاؤل على أمل طي صفحة الماضي. لكن رغم روح التفاؤل، فان مواقف الطرفين تبدو متباعدة حتى الآن، ويرى الوفد المغربي أن المبادرة التي قدمتها جبهة البوليساريو، وتستند الى حق تقرير المصير، جاءت للهروب من مواجهة المشكلة. ويقول نفس المصدر المغربي «إن مبادرة الجبهة تهدف لخلق مشكلة ولم تأت بأي شيء جديد وتعتمد على خطة بيكر». ولا يزال المغرب يعتقد بأن مفتاح حل مشكلة الصحراء الغربية يتمثل في المفاوضات المباشرة مع الجزائر التي ستشارك في المفاوضات الحالية كمراقب.

وأبدى رئيس وفد جبهة البوليساريو محفوظ علي بيبا عضو القيادة السياسية للجبهة نوعا من التفاؤل ازاء المفاوضات الحالية. وقال لـ «الشرق الأوسط»: «إن إرادتنا حقيقية وإن أية مبادرة يجب أن تحرز تقدما إلى الأمام». وفي الوقت ذاته شدد ضرورة «أن يبدي كل طرف في هذه الجولة الأولى من المحادثات استعداده العملي». وبالرغم من انتقاده لمبادرة المغرب واعتبارها "محاولة أخرى لقتل مشروع الاستفتاء»، فانه قال: «يبدو من الصعب التكهن بما تتمخض عنه هذه الجولة من المحادثات. يمكن لأي حل وسط يتوصل إليه الطرفان، أن يقود إلى جولة ثانية من المحادثات المباشرة».

وباستحضار أطوار نزاع الصحراء، يلاحظ المراقب إن الرأي العام المغربي، بمختلف الشرائح كان دائما ميالا خلال العقود الماضية على عكس الحكومات، الى الأخذ بمبدأ الحسم في النزاع، حتى ولو أدى الأمر الى اللجوء للقوة. وفي هذا السياق، تجدر الاشارة الى ان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مثلاً، عارض قبول مبدأ الاستفتاء الذي دعت اليه الأمم المتحدة، بل ان زعيم الحزب الراحل عبد الرحيم بوعبيد، سبق ان اقترح على الملك الراحل الحسن الثاني، قبل وبعد ذلك، اعتماد ما سماه «حق المطاردة» الذي يقره القانون الدولي، بمعنى ان المغرب يجوز له ان يطارد فلول جبهة البوليساريو التي بدأت تتسلل من التراب الجزائري، وتشن هجمات في شكل حرب عصابات على القوات المسلحة المغربية، اثر خروج القوات الاسبانية منها عام 1976.

وانسجاما مع النهج الفكري والسياسي العام الذي آمن به الملك الحسن الثاني، والقائم على الاعتدال وتفضيل أسلوب الحوار لحل الأزمات المستعصية مثل الصراع العربي ـ الاسرائيلي، فانه استقبل في قصره عام 1994 ممثلين عن البوليساريو، برئاسة البشير مصطفى السيد، وما سرب عن ذلك اللقاء الفريد في نوعه، ان الملك الراحل كان ودودا اثناء استقبال ممثلي من شنوا عليه العصيان، وخاطبهم كأب يتفهم شطط أبنائه.

صحيح ان ذلك اللقاء الذي لم يكن عاصفا، لم ينته الى نتائج ملموسة، لكنه أبقى على باب الامل مشرعا، بل استبعد الحل العسكري الذي كان يعني اندلاع نزاع مسلح بين المغرب والجزائر، وهو خيار ظل الحسن الثاني يقاومه مستعينا بحكمته ورؤيته البراغماتية.

ويمكن القول ان المفاوضات المباشرة التي ابتدأت امس، هي تتويج لمسلسل تبلورت ملامحه تدريجيا في عهد العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، وجاء وارث سره، ليدفع في نفس الاتجاه، مع تغيير في اسلوب المقاربة، حيث ان العاهل المغربي الملك محمد السادس، وهو مطلع على تفاصيل وأسرار النزاع الصحراوي، بحكم جواره لوالده، اراد منذ البداية ان يخرج النزاع الى الساحة العامة ويخلصه من العتمة الأمنية التي أصابت الرأي العام في فترات عدة بالحيرة.

ولم يتم تبني الشفافية في ملف الصحراء، بمعزل عن السياسة العامة التي طبقها الملك محمد السادس في عموم البلاد، باطلاق الحريات والانكباب على اوراش الإصلاح الكبرى، وهو توجه يستلزم انهاء المشكلة الصحراوية. وهذا ما ادى الى اقتراح صيغة للحكم الذاتي، نالت رضى عدد من الأطراف المؤثرة في السياسة الدولية.

وعند البحث عن الأوراق القوية الداعمة لمشروع الحكم الذاتي، يلاحظ أنها موجودة فوق اغلب الأراضي الصحراوية، ليس بالقوة العسكرية وحدها بل بالمشاريع والمنشآت الكبرى التي كلفته غاليا، وهو معطى لا يمكن للملاحظ الموضوعي ان يتجاهله، وما ترتب عنه من وضع اجتماعي وبشري في المحافظات الجنوبية. أما الورقة الثانية القوية، فتكمن في المقترح في حد ذاته، كونه يتسم بالمرونة وبالأخذ بصيغة جد متقدمة للحكم الذاتي، لدرجة ان بعض القوى السياسية في المغرب استنكرت ما سمته تنازلات، مع الاشارة الى ان المقترح المغربي حظي بالإشادة من طرف مجلس الأمن والقوى الفاعلة فيه، في حين لم ينل المقترح المضاد الذي عرضته جبهة البوليساريو، ثناء مماثلا، واكتفى مجلس الأمن بالإشارة الى توصله به.

وتكمن قوة المقترح المغربي الأخرى في انه مبني على رؤية السلم والتصالح والرغبة في تجاوز الماضي، من دون إهمال لمنطق الخصم أو تبخيسه. ومن هنا فان كثيرا من العواصم، بغض النظر عن مصالحها أو أغراضها النفعية ومجاملتها لهذا الطرف أو ذاك، رحبت بالمقترح المغربي، واعتبرته إطارا أمثل للتفاوض المفتوح.

وهناك عوامل أخرى يمكن ان يستغلها المفاوض المغربي، تتمثل في تحليه بروح الوئام وحسن النية الصادقة يحدوه الأمل في التوصل الى حل، بينما قوبل هذا التوجه بتصريحات ومواقف متعارضة من قبل بعض قادة البوليساريو.