خادم الحرمين: المدن الذكية كالأشخاص الأذكياء.. ومدريد تعلمت من الحرب كيف تعشق السلام

لدى زيارته والملك خوان كارلوس قصر البلدية

TT

زار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمس، قصر بلدية مدريد، حيث كان في استقباله لدى وصوله إلى مقر البلدية بصحبة الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا عمدة مدريد إلبرت رويث غياردون.

ثم استعرض خادم الحرمين الشريفين والملك خوان كارلوس مجموعة من الخيالة ورجال الأمن الذين اصطفوا للترحيب بالملك.

إثر ذلك توجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والملك خوان كارلوس إلى داخل قصر البلدية، حيث صافح خادم الحرمين الشريفين أعضاء المجلس البلدي لمدينة مدريد فيما صافح عمدة مدريد أعضاء الوفد الرسمي المرافق للملك.

ثم سجل خادم الحرمين الشريفين كلمة في سجل الزيارات فيما يلي نصها:

«لقد سعدت بالقيام بزيارة بلدية مدريد حاضرة إسبانيا العريقة بماضيها المشرق وبحاضرها. وأحيي معالي عمدة مدريد وسكانها وأنقل لهم جميعا أسمى مشاعر الصداقة والمودة من شعب المملكة العربية السعودية متمنيا لمدريد المزيد من الازدهار والتألق».

بعد ذلك، توجه الملك عبد الله بن عبد العزيز والملك خوان كارلوس إلى قاعة الاحتفالات بقصر البلدية.

وبعد أن أخذا مكانهما في المنصة الرئيسية، ألقى عمدة مدريد كلمة رحب فيها باسم أعضاء المجلس البلدي لمدينة مدريد بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقال «ان مجلس بلدية مدريد يشرفه ان يعقد جلسته العامة هذا اليوم ليرحب ترحيبا حارا بخادم الحرمين الشريفين، وإذ يقدم المجلس البلدي هذا الترحيب فإن عاصمة مملكة إسبانيا هي التي تستقبلكم باسم دولة كانت لها الحظوة النادرة بأن ترى ضيافتها المألوفة تقابل بزيارات أصحاب الجلالة الملك فيصل والملك خالد والملك فهد منذ أن دشن والدكم الفاضل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية هذا التقليد العتيد قبل نصف قرن من الآن تماما، إن هذا المسلك غير المنقطع الذي نفسره كإيماءة واضحة على الصداقة، لهو بلا ريب شهادة على وشائج الود والمحبة القديمة التي تربط بين الشعبين السعودي والإسباني ومملكتيهما وبين الأسرتين المالكتين في دولتينا».

وأوضح أن مدريد بوصفها مدينة أسسها العرب وذات الاسم العربي، تعلم أن لهذه الوشائج نسبا عريقا يمتد إلى أكثر من ألف عام ترجع جذوره إلى الحضارة الإسبانية الإسلامية التي كانت ينبوعا للحياة نهلت منه الحضارتان العربية والإسبانية على السواء. وقال «إنه بموجب المنظور التاريخي من حقنا ونحن نواجه تحديات مجتمع عالمي يزداد تعقيدا وبعثا على القلق باطراد، أن نضع ثقتنا في فائدة التعايش بين الشعوب والثقافات وفي فضيلة التنوع المثري انطلاقا من احترام قيم كونية معينة، والمدينة التي تستقبلكم اليوم تدافع بصراحة وبحماسة عن هذه القناعات وتفتخر بفتح أبوابها بوجه أناس قدموا من شتى أنحاء العالم واختارت نسبة متزايدة منهم في السنوات الأخيرة العمل والعيش في مدريد». وأضاف «بيد أن مدريد لا تريد أن تكون مساحة للإيواء فحسب، وإنما اعتزمت أن تنمي كذلك بصور نشطة المعرفة بثقافات وبحضارات أخرى وبالحضارة الإسلامية على وجه التحديد. وتطلعا إلى هذا الأفق تحتفظ العاصمة الإسبانية بعلاقات أخوية مع عواصم عدة في العالم العربي والمسلم، كما أنها غدت عضوا مؤسسا للبيت العربي المنشأ حديثا في مدريد كهيئة تصبو إلى تطوير العمل الدراسي الأكثر طموحا حول هذه البلدان بعد أن أصبحت الآن بالفعل دارا أو بيتا تقدر جميع الدول العربية والمسلمة ان تعرض فيه معالم واقعها وتطلعاتها الخاصة التي لا غنى عنها في تشكيل هذا العالم الذي يزداد ترابطا واعتماد بعضه على بعض، وحيث يغدو من الحيوي تفهم كل أمانيه والتفاهم الصادق بين شعوبه».

وأردف عمدة مدريد يقول «إن مدريد التي أدت دورا تاريخيا رئيسيا لغير ما مصلحة ذاتية في البحث عن السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، تثمن المبادرات التي تشجعون عليها يا خادم الحرمين الشريفين في تلك المنطقة منذ عدة سنوات، ويسعدني أن أؤكد لكم في هذا الخصوص رغبتنا الشديدة في أن نرى هذا الطرف من العالم وهو طرف أثير لدينا لأسباب تاريخية ووجدانية معا قد وجد أخيرا الطريق التي ستقوده حتما إلى تنمية سلمية يحدوها الاحترام والوئام بين مختلف بلدانه».

وتطرق إلى الإرهاب فقال «إن مدريد التي قاست مثلها مثل الرياض من عدوان العنف الإرهابي المؤلم، تعرف تمام المعرفة إصرار مجتمعينا على مقارعته وطنيا ودوليا وهي ملتزمة للغاية بهذه المهمة».

وأضاف «نحن نعرف عمق حبكم يا خادم الحرمين الشريفين للصحراء، ونعرف كذلك انسجامكم مع الصحراء التي ليست هي مساحة جغرافية فحسب، بل فضاء روحي يتعلم المرء في كنف صمته الرحب الاصغاء بفؤاده، وحيث تتميز بوضوح تحت وهج نوره الساطع ملامح الصداقة الحقة قبل أي شيء آخر».

وأختتم قائلا «اليوم ولأول مرة منذ تشكيل المجلس البلدي المدريدي الجديد يوم السبت الماضي بالتحديد، يجتمع الرجال والنساء الذين أناط مواطنو مدريد بهم واجب الدفاع عن مصالحهم وبالنسبة لهم جميعا، وبالنسبة لي بوصفي عمدة مدريد، تشكل هذه الجلسة مناسبة كريمة جدا لتسليم جلالتكم مفتاح مدريد الذهبي، فتفضلوا بقبوله يا خادم الحرمين الشريفين مع أطيب تمنياتنا لكم ولشعبكم».

إثر ذلك تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مفتاح مدريد الذهبي من عمدة مدينة مدريد.

ثم ألقى خادم الحرمين الشريفين الكلمة التالية:

بسم الله الرحمن الرحيم عمدة مدينة مدريد:

أيها الأصدقاء:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

يسعدنا، أن نكون في رحاب مدينة مدريد الجميلة وفي ضيافتها. لقد كانت مدريد كما تثبت الحفريات منطقة مأهولة في عصور ما قبل التاريخ، ثم عرفها التاريخ في الحقبة الإسلامية بالقلعة التي أحاطت بها والتي لا تزال آثارها موجودة حتى الآن. وقدر الله فقامت دول وسقطت دول، وتعاقبت دورات الحرب والسلام، وفترات الشدة والرخاء، ومدريد صامدة في وجه الأحداث تنمو وتكبر حتى تحولت من قرية يقدر عدد سكانها بالآلاف إلى هذه المدينة الكبيرة التي نراها أمامنا اليوم.

أيها الأصدقاء:

إن المدن الذكية، كالأشخاص الأذكياء تتعلم من دروس التاريخ وتجاربه، وقد تعلمت مدريد من تجربة الحرب كيف تعشق السلام، ومن تجربة الكراهية كيف تعتنق المحبة ومن تجربة الشدة كيف تعمل الرخاء. ونحن اليوم نرى النتيجة ماثلة أمام أعيننا حاضرة مزدهرة تزهو بصناعتها المتقدمة وتجارتها النشطة وعلومها وآدابها ومتاحفها التي تضم كنوز الفن ووثائق التاريخ، وفوق كل ذلك تزهو بقيم السلام والتسامح والصداقة مع الجميع.

أيها الأصدقاء:

إن التكريم الذي تلقيته من مدينتكم الرائعة اليوم تكريم لكل مواطن سعودي، وهو تكريم اعتز به وأقدره وسوف تظل مدريد في ذاكرتي، أتمنى لها الازدهار والنجاح ولمواطنيها الرفاهية.

وشكرا جزيلا.. والسلام عليكم.

بعد ذلك سلم خادم الحرمين الشريفين عمدة مدريد البرت رويث غياردون هدية تذكارية بهذه المناسبة.

ثم غادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قصر بلدية مدريد إلى مقر إقامته في قصر الباردو بصحبة الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا.

وحضر الحفل أعضاء الوفد الرسمي المرافق لخادم الحرمين الشريفين والأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز سفير خادم الحرمين الشريفين لدى اسبانيا وأعضاء المجلس البلدي لمدينة مدريد وسفراء الدول العربية والإسلامية المعتمدون لدى إسبانيا.