حكومتا «الطوارئ» و«تسيير الأعمال» تتنافسان على إدارة شؤون قطاع غزة

حكومة حماس تضبط الأمن وحكومة فياض تعد بالرواتب

TT

لا يجد ربيع البر، 29 عاما، قائد القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية في معسكر المغازي للاجئين وسط قطاع غزة، الكثير مما يعمله وهو يتهالك على كرسيه في محطة الشرطة في المخيم، التي أصبحت مقراً للقوة إثر الأحداث الأخيرة في قطاع غزة. فعلى عكس حالة القلق الكبيرة التي تسود الأهالي هنا إزاء مستقبل أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، يلمس كل من يتجول في أرجاء في قطاع غزة تحسنا للوضع الأمني وانضباطا لا يدع كثيراً من العمل للبر وزملائه. على سبيل المثال، مفترق الشجاعية الذي يعتبر أكبر مفترق في مدينة غزة وتعبره آلاف السيارات، كان يمثل في قطاع غزة الصورة الأبرز للفوضى، أصبحت حركة السير الآن تنساب فيه بشكل مريح، على الرغم من أن اربعة فقط من المتطوعين الذين لا تتجاوز أعمارهم السادسة عشر يتولون ضبط حركة السير فيه. فحكومة الوحدة برئاسة اسماعيل هنية التي اقالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي تطلق على نفسها «حكومة تسيير الأعمال» قامت بتشكيل مجلس أعلى للشرطة برئاسة اللواء توفير جبر، المدير السابق لجهاز المخابرات العامة في المنطقة الجنوبية بقطاع غزة والمنتمي لحركة فتح، وقد شرع المجلس في وضع خطة لضبط الأمن في القطاع في أعقاب استيلاء حركة حماس عليه. وهذا المجلس يعتمد على 6000 عنصر من عناصر القوة التنفيذية الذين جميعهم كانوا من نشطاء كتائب عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة حماس، وألوية الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية. وقد انقطع جميع أفراد الشرطة وعناصر أجهزة الأمن الأخرى عن التوجه الى أعمالهم منذ انتهاء المواجهات بين حركة حماس من جهة وحركة فتح وأجهزة الامن التابعة لأبو مازن من جهة أخرى. الباحث والكاتب الفلسطيني نهاد الشيخ خليل قال لـ«الشرق الأوسط» إن تحسن الأوضاع الأمنية على الرغم من غياب عشرات الآلاف من عناصر الأمن، أمر يمكن تفهمه على اعتبار أن الأجهزة الأمنية لعبت دوراً في مفاقمة مشكلة الفلتان الأمني، مشيراً الى الحملة الشعواء التي شنها ضد قادتها اللواء جبريل الرجوب، مستشار الأمن القومي الفلسطيني السابق، والرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية، الذي وصف قادة الأجهزة الأمنية بأمراء الأمن. ولا تزال المؤسسات الحكومية والدوائر العامة في قطاع غزة تعمل بشكل عام، مع أن بعض الموظفين يتغيبون عن العمل، مع العلم أن تغيب الموظفين عن أعمالهم ظاهرة تعود لما قبل اندلاع المواجهات الأخيرة، حيث أن هؤلاء الموظفين يبررون عدم انتظامهم في عملهم بعدم انتظام تلقيهم رواتبهم. اللافت للنظر أن كلاً من حكومة هنية وحكومة الطوارئ برئاسة سلام فياض تتعامل مع القطاع على أساس أنها صاحبة الصلاحية في اتخاذ القرار. فقد عقدت حكومة «تسيير الأعمال» برئاسة هنية أول من أمس اجتماعاً في غزة وقررت فيه توزيع الحقائب الوزارية التي خلفها وزراء فتح والمستقلون على وزراء حماس، الى جانب دعوة الموظفين للاستمرار في وظائفهم. وأصابت حالة ذعر الأهالي حيال تبدل أوضاع حياتهم، وخصوصا لجهة بعض المسائل. فعلى سبيل المثال أثار قرار مصر عدم الاعتراف بأي جواز سفر يحمل توقيع حكومة هنية ذعرا كبيرا، اذ بينهم من يريد استصدار جوازات سفر جديدة، او تجديد جوازات سفر قديمة، وهؤلاء جميعا يريدون مغادرة القطاع. ويشكل المعبر الحدودي بين مصر وقطاع غزة مشكلة كبيرة ومصدر قلق كبير لمعظم الفلسطينيين، فالمعبر مغلق، وهناك حتى الآن خمسة آلاف فلسطينيي محتجزين على الجانب المصري من المعبر، وفي نفس الوقت، فإن هناك الآلاف من الفلسطينيين الذين يريدون مغادرة القطاع للعودة الى أعمالهم في الخارج أو للدراسة أو العلاج. وترفض كل من اسرائيل ومصر وبعثة المراقبين الدوليين السماح لعناصر القوة التنفيذية التمركز داخل المعبر الحدودي، الأمر الذي يعني أن المعبر سيظل مغلقاً. من ناحيته، يقول الدكتور أحمد يوسف، المستشار السياسي لهنية لـ«الشرق الأوسط» إن كل هذه المشاكل ستجد حلها عما قريب، مشيراً الى أن حكومة «تسيير الأعمال» قد شرعت في اجراء اتصالات لحل جميع هذا المشاكل، رافضاً في الوقت ذاته الكشف عن طبيعة هذه الاتصالات وهوية الأطراف المشاركة فيها. وحول كيفية ادارة شؤون القطاع يقول يوسف إن حكومة «تسيير الأعمال» هي المرجعية لكل الوزارات والدوائر، مؤكداً أن وزراء الحكومة يقومون بإدارة شؤون وزاراتهم بشكل رتيب. لكن على الرغم من تطمينات يوسف، فإن هناك من يرى أنه في حال تلقى الموظفون رواتبهم من حكومة الطوارئ، فإنهم سيكونون ملتزمين بتعليماتها، لذا لا أمل في ان تقوم حكومة هنية بدفع هذه الرواتب. في المقابل يقول أشرف العجرمي، وزير الرياضة والشباب وشؤون الأسرى في حكومة الطوارئ، إن حكومته مصرة على ادارة قطاع غزة من دون أن يكون لحركة حماس أي دور في ذلك بأي حال من الأحوال. ويضيف العجرمي، الذي يقطن مخيم جباليا شمال القطاع، ويقيم حالياً في رام الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة الطوارئ شكلت أربع لجان لمعالجة مشاكل قطاع غزة، وستقدم تقاريرها للحكومة لاتخاذ القرارات المناسبة، مشيرا الى أن هذه الحكومة مصرة على التعامل مع القطاع والضفة كوحدة جغرافية واحدة. وحول الكيفية التي ستقوم بها الحكومة بإدارة شؤون القطاع، يقول العجرمي إن الوزراء يتصلون من رام الله بكبار الموظفين في غزة ويتلقون منهم التعليمات، والعكس صحيح، مشدداً على أن كل موظف سيتلقى راتبه في حسابه الخاص في البنك. ويؤكد أن كل الموظفين الذين تم استيعابهم من قبل حكومة حماس بدون مصادقة الرئيس أبو مازن لن يتم منحهم رواتب. وأكد أن حكومة الطوارئ قررت عدم الاعتراف بتواقيع حكومة هنية المقالة، الى جانب قيامها بتجميد حسابات الوزارات في البنوك باستثناء وزارات حكومة الطوارئ. ويبدو العجرمي واثقاً من قدرة حكومته على ايصال الموازنات لقطاع غزة.

وحول مشكلة معبر رفح الحدودي، يقول العجرمي إن دائرة المفاوضات في منظمة التحرير تتولى حالياً معالجة القضية، مشيرا الى أن صائب عريقات مدير الدائرة شرع في اتصالات مع الأطراف الإسرائيلية والأميركية والأوروبية لوضع حل للمشكلة بأقصى سرعة. من ناحيته، قال صائب عريقات رئيس دائرة شئون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية: "إن الرئيس ابو مازن كلفه بمتابعة تأمين الاحتياجات الأساسية لسكان قطاع غزة"، مؤكدا أن السلطة لن تتخلى عن مسؤولياتها اتجاه أي مواطن فلسطيني في الضفة والقطاع على حد سواء. وفي مؤتمر صحافي عقده في رام الله، وصف عريقات الوضع في غزة بالخطير. وأضاف «إن قطاع غزة بحاجة إلى 1200 طن يوميا من الغذاء والدواء والمواد الأساسية، ولا تستطيع المنظمات الدولية وحدها توفير هذه الاحتياجات التي تفوق طاقتها".

وأكد أن ابو مازن أجرى اتصالات مع منظمة الغذاء العالمية لتأمين الغذاء والمساعدات لنحو 230 ألف مواطن في قطاع غزة، إلى جانب تأمين وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الغذاء والحاجات الأساسية لأكثر من 870 ألف فلسطيني. وأوضح أن قطاع غزة بحاجة يوميا الى 450 طنا من المواد الغذائية و111 طنا من السكر، و72 طنا من الأرز، و35 طنا من الألبان والحليب و37 طنا من الدواء. أما شهريا فهو بحاجة إلى 8 ملايين ليتر من السولار، ومليوني ليتر من البنزين، و3200 طن من الغاز، و63 ألف ليتر من الكاز.

وشدد على أن الوضع الصحي في قطاع غزة خطير للغاية، حيث تشير تقديرات الصليب الأحمر الى وجود 650 جريحا بينهم 55 مصابا بجروح خطيرة للغاية بحاجة ماسة لنقلهم إلى المستشفيات الإسرائيلية للعلاج. وأوضح عريقات انه بعد اتصالات مع الجانب الإسرائيلي وتعهد الرئيس بدفع تكاليف علاجهم، وافقت المستشفيات الإسرائيلية على استقبال الجرحى بتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي.