«ابتسم أنت في غزة».. صورة لمدينة غارقة في البؤس والخوف

عناصر حماس يبحثون عن سلاح فتح من منزل إلى آخر

TT

في نقطة العبور هذه بين اسرائيل وقطاع غزة، رفع رجل بدا متعبا ويرتدي بنطلون جينز، يده وراح يصرخ وسط الروائح الكريهة المنبعثة من المكان حيث تجمع عشرات الرجال والنساء والاطفال منذ عدة ايام، غير قادرين على العبور ولا يرغبون في العودة.

وصاح الرجل «لنمت في غزة بدلا من الموت في هذا الذل. لنمت بكرامتنا».

غير ان ام محمد لم تتحرك. بل جلست وسط الحر القائظ. ومثل العديد ممن حولها، وصلت هذه الفلسطينية الى المكان قبل خمسة ايام بعدما شنت مليشيات حماس معركتها الاخيرة للسيطرة على غزة. وقد استمرت اسرائيل في إغلاق المعبر، بحجة القلق الامني ومشكلات التنسيق مع حماس، بعدما ادت سيطرتها على غزة الى زيادة العزلة السياسية والثقافية عن الضفة الغربية. ونتيجة لإغلاق المعبر فإن مئات من الفلسطينيين بقوا متجمعين داخل نفق يمتد لمسافة 900 قدم وسط القمامة.

ويعكس التجول في معبر ايريز صورة بائسة لقطاع غزة نفسه. ويرحب مسلحو حماس الملتحون بالزوار القادمين عبر نقطة التفتيش التي كانت تديرها فتح قبل اسبوع. وفي اماكن اخرى بدأت قوات حماس المنتصرة تنظيف وترتيب المراكز الامنية التي كانت تابعة لفتح، وعرضوا خلايا يقولون ان بعض قادتهم كان محتجزا فيها وانهم تعرضوا للتعذيب قبل عقد من الزمن.

ويبدو ان الحياة عادت الى وضع شبه طبيعي في قطاع غزة حيث يعيش 1.4 مليون نسمة في شريط ساحلي ضيق خال من الموارد ويعاني من قيود السفر الاسرائيلية. ومعظم سكان القطاع ـ بمن فيهم مجموعة من قيادات حماس ـ من اللاجئين او من سلالة اللاجئين من الحرب التي وقعت قبل 6 عقود وادت الى قيام دولة اسرائيل.

وقد نزل الناس الى شوارع المدينة لشراء المواد الغذائية والطبية، خوفا من نقصها.

وقال راجي صوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان «ابتسم انت في غزة». ويصف صوراني القتال في غزة بأنه «محزن وسيئ ومرير للغاية». وحددت منظمته العدد الاجمالي للقتلى بـ 146 فلسطينيا من بينهم 36 مدنيا بمن فيهم 5 اطفال و8 نساء.

وبعد التحقيق في ادعاءات تنفيذ عمليات اعدام، قال صوراني ان ثلاثة من المقاتلين قتلوا بإطلاق النار من مسافة قريبة في حين كانوا يعالجون في المستشفى. كما تم تنفيذ عدد اخر من عمليات الاعدام في الشوارع، على يد كل من حماس وفتح.

والعمل مستمر في الوزارات هنا ويبذل قادة حماس جهدا لإعطاء الانطباع أن المأزق مع عباس هو مؤقت.

وكانت قوات الأمن التابعة لحركة فتح بقيادة محمد دحلان قد ألقت القبض على العشرات من قادة حركة حماس عام 1996 بسبب معارضة اتفاقات اوسلو عام 1993 مع اسرائيل، وهي الاتفاقات التي تشكلت بموجبها السلطة الفلسطينية. كثير من مسؤولي حماس اعتبروا معركة غزة النهائية ضربة موجهة ضد العناصر التي مارست الاضطهاد في حقهم من حركة فتح. وقال محمد مدهون، رئيس طاقم موظفي اسماعيل هنية، انهم لا يعتزمون إقامة دولة جديدة في غزة، مؤكدا ايضا انهم ليسوا بالتالي راغبين في اعتراف دولي. وأضاف مدهون ان القتال كان اصلا من أجل تطهير هذه المؤسسات من عناصر حركة فتح الذين يتعقبون أتباع حماس في الشوارع. عقب إعلان حماس مهلة حتى يوم الجمعة لعناصر فتح لتسليم اسلحتهم، بدأ مقاتلو حركة حماس البحث عن السلاح والذخيرة من منزل الى آخر. ويتبعون قوائم جرى الاستيلاء عليها من النقاط الأمنية، حيث توجد وثائق عليها اسماء ضباط حركة فتح الذين يحملون اسلحة. تجمع في مستشفى الشفاء في غزة، وهو اكبر مستشفى في المنطقة، عدد من الأطباء راحوا يتحدثون عن النقص في المواد. وقال الطبيب رمزي شعبا، ان هناك نقصا في مضخات الاوكسجين، وأوضح ان بعض أفراد اسر المرضى يضخون الاوكسجين لأقربائهم الجرحى بطريقة يدوية على مدى يومين. وعلق شعبان قائلا ان الحكومتين لا تعنيان سوى بنفسيهما مشبها اياهما بأخوين يسكنان شقتين منفصلتين. يعمل شعبان وزملاؤه في نوبات على مدار الساعة خلال علميات القتال لمعالجة الجرحى. وأصبحت المستشفيات ساحات معارك.

فقد قال طبيب قسم الطوارئ اسماعيل صدر، 28 سنة، انه تعرض لإطلاق النار وأصيب بواسطة مسلح تابع لحركة حماس اقتحم مع حوالي 12 من مسلحي الحركة غرفة العمليات بمستشفى في مدينة بيت حانون بحثا عن جريح تابع لحركة فتح. وأضاف قائلا انهم عثروا بعد ذلك على الشخص الذي كان يبحثون عنه مقتولا وهو على سرير المستشفى اثر إطلاق الرصاص عليه. وقال صدر انه لم يتلق العلاج من الاصابة بالرصاص إلا بعد عدة ساعات خلال محاصرة مقاتلي حركة حماس لمستشفى الشفاء، مضيفا انهم وضعوه في سيارة واقتيد بعد ذلك الى مسجد، حيث وضعوا كيسا حول رأسه وأوسعوه ضربا واتهموه بأنه كان يحاول إخلاء مقاتلي فتح من داخل المستشفى. وتمكن صدر في نهاية الأمر من خلال مكالمات هاتفية إثبات انه كان يمارس عمله كطبيب. ويسير مقاتل من حركة حماس يدعى ابو بارة، 25 سنة، بصحبة مسلحين آخرين فوق انقاض أبنية مدمرة بدت على جدران بعضها آثار الرصاص ونيران قذائف الـ«آر بي جي». ينزل أبو بارة عبر الدرج الى طابق سفلي يضم عددا من الزنزانات ويعدد أسماء عدد من قادة حماس، بعضهم توفي، كانوا معتقلين فيها. ويقول «لا أعرف ماذا نفعل بهذا المكان. ولكن هناك الآن الكثير من الاحتمالات»

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»