عوائل عراقية مهجّرة تتوزع بين المحافظات.. ولا تعرف كيف تلم شملها مرة أخرى

عبوة ناسفة أمام باب الدار طريقة لإبلاغ العائلة بأنَّ عليها الرحيل

TT

في الوقت الذي تستمر فيه دعوات العديد من المؤسسات الحكومية لإعادة العوائل المهجرة إلى مناطقها وتخصيص منح مالية ضخمة جدا لتشجيعهم على العودة والبدء من جديد، ترى اغلب العوائل المهجرة، وخاصة تلك التي بدأت حياة جديدة في مناطق أخرى أن هذا الأمر أشبه بالمستحيل، خاصة ان ما فقدوه وما تحمّلوه ليس بالقليل.

الأجهزة الأمنية المطبقة لخطة فرض القانون في بغداد ومحيطها تمكنت من فرض سيطرتها على العديد من المناطق لكن بقت مناطق أخرى تعيش خارج نطاق الخطة وبشكل شجع بعض الجماعات المسلحة بمختلف انتماءاتها على ممارسة عمليات التطهير على أساس عرقي وطائفي والتنسيق مع جهات معينة لاستقطاب عوائل من نفس المذهب وتسكينها محل المهجرة، معتبرين أن هذا من حقهم لان الساكن الجديد هو أيضا مهجر قسرا.

وتعتبر بعض العوائل التي هجرت من مناطقها قسرا مهلة قبل الترحيل نعمة لم تتوفر لعوائل أخرى أحرقت منازلها وهم بداخلها، فيما اكتفت جماعات أخرى بخطف بعض أفرادها وتصفيتهم لإيصال رسالة؛ مفادها «أنكم غير مرغوب فيكم هنا.. اتركوا منطقتنا».

إحدى العوائل التي تركت منطقة البياع أكد أفرادها لـ«الشرق الأوسط» أن منطقة البياع تم تصنيفها وتقسيمها بشكل كامل بين الفصائل المتناحرة، وأصبح هناك ما يسمى البياع الأولى وهي تابعة للسنة. أما الثانية والثالثة فهي للشيعة. وأكد أبو فراس، رب العائلة، أن جميع هذه التقسيمات غير مرغوب فيها، فهي متقاربة وراح العديد من الأسر والأشخاص والشباب ضحية لتناحر الفصائل فيها حتى أصبحت المعيشة في مناطق البياع وعلى حد قوله «لا تطاق». مواطنة أخرى من سكنة البياع الثانية أكدت أنها شهدت احتراق ثلاث عوائل كانوا يسكنون في نفس الشارع الذي هم ساكنوه بعد أن دخل عليهم مسلحون وأغلقوا أبواب دارهم عليهم وأضرموا النيران فيها. إحدى المهجرات والتي تسكن الآن في مناطق محيط العاصمة كانت قد شهدت مقتل أبيها أمام أعينها رغم انه كان رجلا مسنا لكن انتماءه إلى مذهب معين جعله من بين المستهدفين حيث تقوم جماعات من نفس المناطق بالترصد للأشخاص الذين يعرفونهم حق المعرفة ومن ثم التعرض له دون أعطائهم مهلة لترك المنطقة.

الحاج صيهود مهنا، وهو من سكنة منطقة حي العامل، بيّن ان الجماعات المسلحة كانت في البداية «تعتمد أسلوب المنشورات التي تكون عادة تحمل توقيع جماعة معينة تتوعد الذين توزع عليهم بالقتل في حال بقائهم. وعند عدم الإذعان لها، وهذا حدث مع العديد من العوائل التي لا تملك مكانا آخر لتلجأ إليه أو التي لديها مصالح كمحال تجارية وغيرها، تقوم الجماعة بخطف احد أبنائهم ومطالبة البقية بالرحيل وكانت أيضا تطلق سراحه بعد تنفيذ مطالبهم»، مشيرا الى ان هذه الجماعات لجأت اخيرا الى تفجير عبوات ناسفة امام الدور التي يريدون من اصحابها الرحيل. وتشهد مناطق البياع وحي العامل والدورة والسيدية حملات قتل جماعية عندما يتأزم الموقف أو حدوث انفجار فتكون أشبه بعملية الثأر.

وعن مصير هذه العوائل بعد الترحيل، أكد صيهود «انه من المعروف عن العوائل العراقية وبسبب العقود الصعبة الماضية والحصار الاقتصادي اعتادت على العيش بشكل جماعي بهدف تحمل عبء المعيشة وعدم مقدرتهم على الانقسام وتكوين اسر بشكل منفرد، فترى في كل بيت ثلاثا إلى أربع عوائل ويقصد هنا العائلة الأم وعوائل الأبناء الذين يتزوجون بنفس الدار بعد أن يقوموا بتوسيعه، وهذا الأمر جعل من الصعب الانتقال لمكان آخر بنفس التكوين.

وعن عائلته بين انه اضطر للانتقال لقضاء الصويرة 55كم جنوب شرقي بغداد، لان منبعه من هناك فيما تقسم أبناؤه بين مدن الحلة والكوفة وكربلاء. وعن أسباب هذا الانقسام، أوضح أنها عديدة «فهناك من يتبع أقارب زوجته في حال كونها من تلك المدن أو عمله أو وجود صديق يمكن له تأمين العمل والمسكن له».

عائلة أبو مرتضى أيضا حصلت على نصيبها من التقسيم بعد أن هجروا من منطقة المدائن لكنهم اضطروا في بادئ الأمر إلى السكن في مكان واحد في مدينة الكوت بحسب قول أبي مرتضى، ومن ثم شرعوا بالانقسام بين المناطق. وأكد أن فرصة لمّ شملهم مرة ثانية أمر مستحيل فكل شخص يبدأ من الصفر ويستقر تصعب عليه العودة من جديد للصفر، معتقدا أن ما نسبته 90% من العوائل الكبيرة واجهت نفس المصير.

حسن عباس الذي كان يملك ثلاثة دور له ولأبنائه في منطقة السيدية أكد انه تركها بكامل أثاثها وعلم من أحد الجيران بنفس المنطقة أنها أسكنت عوائل جديدة فيما تفرق هو وأبناؤه بين منطقة الكفل التابعة لمحافظة النجف ومحافظة واسط، موضحا بشأن استعداده للعودة إلى دوره أن هذا الأمر يحمل في جوانبه مخاطر كثيرة جدا فقد رغب بنفس الأمر أشخاص آخرون «لكنهم فوجئوا بعد استعانتهم بالأجهزة الأمنية بنسف دورهم أو حرقها».