يستعد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لخوض آخر معركة سياسية له خلال اليومين المقبلين من أجل التوصل الى اتفاق حول المعاهدة الاوروبية الجديدة. كما ان القمة الاوروبية أظهرت صفاً موحداً بين بلير ووزير المالية غوردون براون الذي يخلفه في رئاسة وزراء بريطانيا الاسبوع المقبل مع تنحي بلير عن منصبه بعد عشرة اعوام في السلطة.
ويصل بلير ومعه براون الى بروكسل لحضور القمة التي تستمر يومين لمناقشة المعاهدة الاوروبية التي تشكل بريطانيا اشد المعارضين لها. وبعد ان اجريا اتصالاً هاتفياً مشتركاً بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أول من امس، ظهر بلير وبراون في صف واحد حول «الخطوط الحمراء» التي لن تقبل بها بريطانيا في إطار معاهدة اوروبية تنظم عمل الاتحاد الاوروبي. وتركز هذه «الخطوط الحمراء» على الاحتفاظ في السيادة الوطنية في ما يخص السياسة الخارجية والدفاعية للبلاد، بالاضافة الى القوانين العمل والحماية الاجتماعية. وناقش ممثلو قادة الدول الـ27 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي للمرة الاولى مساء أول من أمس اقتراحاً كاملاً قدمته الرئاسة الالمانية حول معاهدة جديدة لتحل محل الدستور، حيث ظهرت اعتراضات بريطانية. ويقضي النص الذي يقع في عشر صفحات وحصلت «وكالة الصحافة الفرنسية» على نسخة منه، بالدعوة الى مؤتمر للحكومات الاوروبية من اجل صياغة المعاهدة الجديدة. وهو يعدد بنود الدستور، التي صادقت عليه 18 من الدول الاعضاء ورفضته فرنسا وهولندا عام 2005، التي ستبقى في المعاهدة الجديدة لتسهيل قرارات الدول الـ27. وبين البنود التي تقترح برلين الابقاء عليها المادة التي تنص على نظام التصويت باغلبية مزدوجة في الاتحاد. وكان القادة البولنديون هددوا بعرقلة اي اتفاق ما لم توافق دول الاتحاد على اعادة النظر في البند المتعلق بآليات اتخاذ القرار. لذلك اعترفت برلين في ملاحظة في اسفل الصفحة بان البولنديين، ويدعمهم التشيكيون، يعارضون هذا النظام ويريدون اعادة مناقشته خلال القمة الاوروبية.
ومن جهته، قال دبلوماسي حضر اجتماعاً دام خمس ساعات عقده مساء اول من أمس الممثلون الشخصيون لزعماء الاتحاد الاوروبي، ان لندن طرحت مطالب كثيرة في اللحظة الاخيرة للتخفيف من شأن الاقتراح الخاص بسياسة خارجية وامنية موحدة لاوروبا. وتقول بريطانيا ان رفض الفرنسيين والهولنديين للدستور الاوروبي عام 2005 يكشف انه على الاتحاد ان يدخل تعديلات محدودة فقط حتى يعمل بسلاسة أكثر. وصرح الدبلوماسي لوكالة «رويترز» بأن لندن طلبت ألا يرأس وزير خارجية الاتحاد الاوروبي المقترح الاجتماعات الشهرية لوزراء خارجية الدول الاعضاء.
تبقى بريطانيا الدول الاكثر فعالية في الاتحاد الاوروبي المعارضة على بنود المعاهدة التي تتفق عليها فرنسا والمانيا. وقال الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني ان بلير يتوقع «مفاوضات صعبة» اثناء القمة اليوم، ولكنه ابدى ثقته بأن تنجح بريطانيا في «الحفاظ على مصالحها الوطنية». وكرر الناطق تعهد بريطانيا بعدم التخلي عن «الخطوط الحمراء». وقبل ساعات من انطلاق اعمال القمة، وجه رئيس المفوضية الاوروبية مانويل باروسو رسالة الى قادة اوروبا قال فيها ان الايمان بالمشروع الاوروبي الموحد ومصداقيته يعتمدان على نجاح القمة. وفي مؤتمر صحافي ليل أو من أمس تساءل: «كيف لنا ان نحافظ على مصداقيتنا امام العالم اذا كنا لا نستطيع الاتفاق فيما بيننا حول اصلاح مؤسساتنا». وطالب القادة بالتوصل الى اتفاق حول المعاهدة، قائلاً: «يجب الا نغادر بروكسل من دون التوصل الى اتفاق بهذا الصدد». وفيما يخص السياسة الداخلية البريطانية، تعتبر القمة الاوروبية فرصة لاثبات بلير قدرته على تخطي المصاعب والتوصل الى تسوية مع القادة الاوروبيين، اذ ستكون القمة اخر مناسبة دولية يحضرها بلير وهو رئيساً لوزراء بريطانيا. وينتحى بلير عن منصبه يوم 27 يونيو (حزيران) المقبل، ليبدأ غوردون براون عهده الجديد. وتأتي القمة الاوروبية لتظهرهما في صف واحد بعد سنوات من المنافسة بينهما على السلطة.
وبعد توديعه القادة الاوروبيين خلال القمة، يعود بلير الى لندن ليكمل اخر اعماله قبل مغادرة «10 داونينغ ستريت» للأبد. وبعدما زار عدد من القادة، من بينهم الرئيس العراقي جلال طالباني الشهر الماضي، ليودعوا بلير، يصل الى لندن محافظ كاليفورنيا ارنولد شوارتزنيغر ليودع رئيس الوزراء البريطاني. وتأتي زيارة شوارتزنيغر، الممثل السابق والذي يجذب الانتباه الاعلامي المستمر، لتسلط الاضواء على علاقة بلير بالولايات المتحدة والشخصيات المشهورة. وقال مكتب شوارتزنيغر لوكالة «اسوشييتد بريس» ان بلير سيعقد اجتماعاً مغلقاً مع الضيف الاميركي يتناولان خلاله قضية التغيير المناخي وسبل مكافحته.