خادم الحرمين الشريفين يبدأ اليوم زيارة رسمية لبولندا

سيتم توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات بين البلدين

TT

يبدأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اليوم، زيارة رسمية لجمهورية بولندا، تلبية لدعوة رسمية من الرئيس البولندي ليتش لاسشينسكي. وتمثل هذه الزيارة عهدا جديدا للعلاقات بين البلدين الصديقين بدأ منذ 3 مايو (آيار) 1995، حينما قرر البلدان إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما.

وتعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لبولندا تاريخية بوصفها الأولى التي يقوم بها ملك سعودي إلى بولندا التي تولي هذه الزيارة أهمية كبرى نظراً لما تمثله المملكة العربية السعودية من ثقل مؤثر وبارز ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب بل وعلى المستوى الدولي. ومن المنتظر أن يتم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتعليمية والصحية والشباب والرياضة.

ويتطلع البولنديون على محتلف مستوياتهم الرسمية والشعبية لزيارة خادم الحرمين الشريفين «ملك الإنسانية» لبلدهم للتعبير له عن الشكر والامتنان على موقفه الإنساني النبيل المتمثل في أمره بإجراء فصل السياميتين البولنديتين أولغا وداريا على نفقته الخاصة في المملكة العربية السعودية وتم ذلك في 3 يناير (كانون الثاني) 2005 وبنجاح تام.

ولقيت العملية ونجاحها صدى واسعاً في جميع الأوساط البولندية وكان لها أثرها البالغ في زيادة زخم العلاقات البولندية السعودية وتعريف البولنديين بالوجه الإنساني الحقيقي للمملكة العربية السعودية وقيادتها وشعبها.

وبالعودة إلى تاريخ العلاقات بين المملكة العربية السعودية وبولندا نجد أنها ترجع إلى بداية تأسيس المملكة العربية السعودية. ففي العام 1929، اعترفت بولندا رسميا بالملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حاكماً على الحجاز ونجد وملحقاتها، وبذلك تكون الدولة الثامنة في العالم التي تقوم بذلك وأقامت علاقات رسمية معها. وفي مايو عام 1930 استقبل الملك عبد العزيز (رحمه الله) وفداً بولندياً رسمياً برئاسة نائب مدير دائرة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البولندية إدوارد راتشينسكي (الذي أصبح فيما بعد سفيراً ووزيراً للخارجية البولندية ورئيساً لحكومة المنفى البولندية أثناء احتلال بولندا من قبل النازية في الحرب العالمية الثانية). وفي المقابل قام الأمير فيصل بن عبد العزيز (رحمه الله) في عام 1932 بزيارة لبولندا بصفته وزيراً للخارجية ورئيساً لمجلس الشورى وتم في غضون تلك الزيارة الاتفاق على التعاون المشترك بين البلدين في المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية. وقد منح الأمير فيصل حينذاك وسام جمهورية بولندا من الدرجة الأولى الذي يطلق عليه وسام الأصالة البولندية. وبعد الحرب العالمية الثانية التي وقعت عام 1939 ودامت حتى عام 1945 قطعت العلاقات بين البلدين إثر وقوع بولندا في المعسكر الشيوعي ثم عادت الاتصالات رسميا بين المملكة وبولندا في عام 1989، وتوالت الاتصالات المنتظمة بين وزارتي الخارجية في البلدين إلى أن قامت العلاقات الدبلوماسية بينهما في 3 مايو عام 1995 توجت بافتتاح سفارة بولندا في الرياض في يونيو (حزيران) 1998، والسفارة السعودية في وارسو بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، وبذلك بدأت مرحلة جديدة من العلاقات السعودية البولندية وعلى جميع الأصعدة. فعلى المستوى السياسي كانت هناك زيارات متبادلة لكبار المسؤولين بين البلدين سواء على مستوى وزراء الخارجية أو رؤساء المجالس البرلمانية (الشورى والشيوخ) تكللت بزيارة رئيس الجمهورية البولندية الأسبق الكسندر كفاشنيفسكي إلى المملكة في مارس (آذار) 2004، زار خلالها الرياض وجدة في عهد الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله) ومن أحدث محطات هذه العلاقات زيارة وزيرة الخارجية البولندية أننا فوتيغا إلى الرياض في مايو 2007 ومشاركتها في الاجتماع الوزاري الخليجي الأوروبي. وعلى المستوى الاقتصادي كان هناك تبادل للزيارات بين الوفود التجارية والغرف الصناعية وبين وزراء الاقتصاد والبترول والتجارة والصناعة لكلا البلدين وقد تكلل ذلك بتأسيس مجلس الأعمال السعودي البولندي الذي بدأ يباشر أعماله الآن.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة من دائرة الإحصاء العام البولندية فإن قيمة التبادل التجاري بين البلدين بلغت في عام 2006 نحو 291.9 مليون دولار وهو ما يمثل زيادة بنسبة 46% مقارنة بالعام السابق.

وعلى الصعيد الثقافي والتعليمي فقد كان هناك تبادل للزيارات على مستوى وزراء التعليم العالي ومندوبين عن الجامعات كما ضمت هذه الوفود ممثلين عن بعض المؤسسات العلمية والثقافية تم على أثرها الاتفاق على التعاون الثقافي والعلمي بين البلدين، إضافة إلى ذلك فإن هناك تبادلا للبعثات والمنح الدراسية ويوجد في بولندا 41 طالباً وطالبة لدراسة الطب والهندسة. إلى جانب ذلك فقد لوحظ الاهتمام البالغ من قبل المثقفين والمفكرين وأساتذة الجامعات البولنديين والطلبة بدراسة تاريخ المملكة واقتصادها وثقافتها الإسلامية وعلاقاتها بأوروبا وبولندا على وجه الخصوص. ومن أبرز المحطات والزيارات الثنائية بين البلدين منذ عودة العلاقات زيارة نائب وزير الخارجية البولندي للمملكة في يونيو 1992 وزيارة مبعوث خاص للرئيس البولندي الأسبق ليخ فاونيسا إلى المملكة في أغسطس (آب) 1992. وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 3 مايو 1995 وفي يوليو (تموز) 1995 قام وزير الخارجية البولندي بارتوشيفسكي يرافقه نائب وزير شؤون التعاون الاقتصادي الدولي بأول زيارة رسمية إلى المملكة وفي يونيو 1998 تم افتتاح سفارة جمهورية بولندا في الرياض. وفي مايو عام 1999 قام الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير (رحمه الله) رئيس مجلس الشورى بزيارة رسمية إلى جمهورية بولندا تلبية للدعوة التي وجهها له رئيس مجلس النواب البولندي. وفي شهر نوفمبر عام 2000 قامت البروفيسورة آليتسيا غجيتشكوفياك رئيسة مجلس الشيوخ البولندي بزيارة للمملكة على رأس وفد اقتصادي كبير. وفي أكتوبر 2001 تسلم الرئيس البولندي الكسندر كفاشنيفسكي أوراق السفير أسامة بن أحمد السنوسي بوصفه اول سفير للمملكة لدى بولندا.

وفي إبريل (نيسان) 2003 قام الأمير تركي الفيصل بزيارة إلى بولندا شارك خلالها في المؤتمر الدولي بعنوان «الحوار بين الحضارات».

وفي أكتوبر 2003 زيارة نائب رئيس الوزراء البولندي ووزير البنية التحتية مارك بول إلى المملكة والتوقيع على اتفاقيات إطارية في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية. وفي سبتمبر (ايلول) 2003 زار رئيس مجلس الشورى السعودي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد والوفد المرافق له بولندا بدعوة من رئيس مجلس النواب البولندي. وفي فبراير (شباط) 2004 قام الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة والوفد المرافق له بزيارة لبولندا. وفي مارس 2004 قام الرئيس البولندي الكسندر كفاشينفسكي بزيارة إلى المملكة. وفي مايو عام 2007 قامت وزيرة الخارجية آنا فوتيغا بزيارة رسمية للرياض لحضور الاجتماع الوزاري الخليجي الأوروبي. أما على الصعيدين الثقافي والتعليمي فهناك تبادل ثقافي وتعليمي بين البلدين ففي سبتمبر عام 1999 قام وفد من وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي ومندوبين عن الجامعات في المملكة بزيارة إلى بولندا تفقد خلالها عددا من الجامعات والمراكز العلمية البولندية وفي مايو 2002 عقدت ندوات علمية في كل من وارسو والرياض بمناسبة مرور سبعين عاماً على الزيارة التي قام بها الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود (رحمه الله) لبولندا في عام 1932. وفي يونيو 2003 تم تزويد مكتبات أقسام الدراسات العربية والإسلامية في جامعة وارسو وجامعة ياغيللونسكي في مدينة كراكوف وجامعة آدم ميتسكيفيتش في مدينة بوزنان وجامعة نيكولاس كوبرنيكوس في مدينة تورون بمجموعة كبيرة من الكتب مهداة من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.

من جانبه، نوه سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية بولندا الدكتور ناصر بن أحمد البريك بالزيارة الرسمية التي سيقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لجمهورية بولندا ابتداء من اليوم ووصفها بالمهمة والتاريخية بوصفها أول زيارة يقوم بها ملك سعودي لبولندا وما سيكون لها من أثر بالغ في ترسيخ العلاقات بين البلدين وإرساء قواعد متينة وأسس ثابتة في تاريخ ومستقبل العلاقات السعودية البولندية بل والعربية البولندية. وقال السفير البريك في تصريح لوكالة الأنباء السعودية بهذه المناسبة «إنه من المتوقع أن يتم خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين لبولندا توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات بين البلدين منها مذكرة تفاهم للتعاون العلمي والتقني ومذكرة التعاون العلمي والتعليمي واتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة ومذكرة تفاهم بشأن المفاوضات الثنائية حول مشروع اتفاقية تفادي الازدواج الضريبي ومذكرة تفاهم في مجال الصحة واتفاقية تعاون في مجال الشباب والرياضة».

وأضاف «كما سيتم خلال الزيارة الإعلان عن الموافقة السامية بإنشاء مركز للدراسات العربية والإسلامية في جامعة وارسو التي تعد من أعرق الجامعات البولندية والأوروبية».

وأكد أن بولندا تنظر إلى زيارة خادم الحرمين الشريفين بأهمية كبرى نظراً لما تمثله المملكة العربية السعودية من ثقل مؤثر وبارز ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب بل على المستوى الدولي.

واشار الى أن زيارة خادم الحرمين الشريفين لبولندا لن تقتصر اهميتها على الطابع الرسمي السياسي بل سيكون الجانب الإنساني حاضرا وبقوة في الزيارة فالبولنديون على كافة مستوياتهم الرسمية والشعبية يستقبلون خادم الحرمين الشريفين وفي ذاكرتهم عملية فصل التوأم السيامي البولندي (داريا وأولغا) الذي أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإجراء عملية فصله في مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني وتم ذلك في 3 يناير 2005 وبنجاح تام.

واضاف «ان بولندا قيادة وحكومة وشعبا ستجدد خلال الزيارة التعبير عن معاني الشكر والامتنان لملك الانسانية على موقفه الانساني النبيل».

وتحدث السفير البريك عن العلاقات بين المملكة العربية السعودية مشيرا إلى أنها بدأت مع بداية تأسيس المملكة العربية السعودية إذ كانت الدولة الثامنة التي تعترف رسميا بالملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حاكماً على الحجاز ونجد وملحقاتها وكان ذلك عام 1929.

ولفت النظر إلى أن العلاقات بين البلدين قطعت عقب الحرب العالمية الثانية واستمر انقطاعها حتى بداية العقد الأخير من القرن الماضي حيث بدأت الاتصالات بين البلدين التي أثمرت عن عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وبولندا في 3 مايو 1995.

وتطرق إلى الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين وأبرزها زيارة الرئيس البولندي الكسندر كفاشينفسكي إلى المملكة في شهر مارس 2004، وزيارة الأمير سعود الفيصل إلى وارسو في فبراير 2004، مشيرا إلى ان تلك الزيارات أعطت العلاقات بين البلدين زخما ودفعا نحو تطويرها لتشمل مجالات أوسع.

من جانبه وصف سفير جمهورية بولندا لدى المملكة آدم كولاش زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لبولندا بانها نقطة تحول في العلاقات السعودية البولندية وحدث مهم في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين سيفتح الطريق لمنظور استراتيجي جديد للعلاقات المتبادلة.

وقال في تصريح لوكالة الانباء السعودية «ان هذه الزيارة التي تأتي بناء على دعوة من الرئيس ليتش لاسشينسكي رئيس جمهورية بولندا تكتسب اهميتها من المكانة المهمة للمملكة في العالمين العربي والاسلامي وفي سياق رغبة البلدين في تعميق العلاقات الممتازة القائمة بين الاتحاد الاوروبي ودول الخليج العربية».

واضاف «إن خادم الحرمين الشريفين سيجري خلال الزيارة التي تستغرق يومين مباحثات مع رئيس جمهورية بولندا حول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات الى جانب مناقشة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين الصديقين الى جانب توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية في مجالات الاقتصاد والصحة والرياضة والعلوم والتعليم العالي».

وبين ان خادم الحرمين الشريفين تبوأ مكانة خاصة في قلوب البولنديين بعد صدور امره الكريم الذي مكن من اجراء عملية الفصل الناجحة للسياميتين البولنديتين داريا واولغا في يناير 2005 لذا يتطلع الشعب البولندي لهذه الزيارة للترحيب بالقائد العربي العظيم ذي القلب الكبير.