سكان حلبجة مؤيدون للمحاكمة.. معترضون على قلة الاهتمام بمدينتهم

ورثوا جيلا مشوها وانتشرت بينهم الأمراض.. 20 ألفا بين قتيل ومهاجر بعد أحداث القصف

TT

على بعد 15 كيلومترا من الحدود الايرانية تقع بلدة حلبجة، التي تتبع محافظة السليمانية في اقليم كردستان العراق، تطل بين عدة مرتفعات جبلية يشرف عليها جبل (هه ورامان) الذي يفصلها عن ايران، وهو ذو قمة بلورية ناصعة البياض مغطاة بالثلوج في فصول السنة الاربعة.

يقطن حلبجة70 الف نسمة قبل ان تقصف بالكيماوي، (غاز الخردل، الاعصاب، الفوسجين والسيانيد). وخلال «حملة الأنفال»، التي طالت هذه المدينة، قتل 5 آلاف شخص وتشوهت اجساد اكثر من 7 الاف آخرين، خلال الدقائق الاولى من القصف الوحشي.

أما اليوم وبسبب تأثير السموم وتشوه الجينات وتغيرها فقد ورثت حلبجة جيلا مشوها وانتشرت أمراض السرطان والرئة والربو الخانق والأمراض الجلدية والعقم وامراض خطيرة ومزمنة أخرى. ويقطنها اليوم نحو 50 الف نسمة، بعد ان قتل من قتل وهاجر الكثيرون، ولم يعودوا حتى الان.

تباينت آراء سكان حلبجة حول المحكمة والنطق بالحكم، وكذلك حول الكيفية التي تم التعامل فيها مع قضيتهم وضحاياها. يقول كاكا سليمان عزيز 44 عاما، من سكان المدينة «كنا نؤمن إيمانا راسخا بان مع سقوط الطاغية، ستسقط معه الاقنعة والأوراق وسوف نترقب محاكمة المتهمين، وحينها سوف يكون لنا حساب آخر. كنا نتوقع اظهار الحق اعتذارا وخطابا جديدا ورؤية مختلفة وحضارية لطي صفحة الماضي، ولكن وللأسف لم ترتق المحاكمة الى المستوى المطلوب في سرعة التشكيل وإصدار الحكم وهذا ما أثار المواجع والجروح».

حسن جمال مدرس ثانوي 42 عاما قال «قائد الأنفال (علي كيماوي) يستحق ان يعدم بعدد ما قتل من أبناء بلدتي المساكين». اما ايفين حمه 66 عاما، التي فقدت بصرها مع عدد من أفراد عائلتها في تلك الحادثة فقالت: «طال انتظارنا للنطق بالحكم كنا نأمل في أن تكون إجراءات المحكمة أسرع من ذلك، لكنها كانت طويلة لجريمة عرفها العالم بأسره، سأكون سعيدة اذا تم تنفيذ الاعدام على المتهمين بقصف حلبجة، لكني كنت آمل في أن يكون صدام معهم، لكنه اعدم بقضية الدجيل، ولو تم إعدامه بقضية الأنفال لفرحنا أكثر».

أما رحيم سالم 29 عاما، صاحب محل بقالة في حلبجة فيقول: «لقد تحقق حلمي كان عمري حينها عشر سنوات، فقدت والدي وأخي الكبير، لكني استطعت مع أمي وشقيقتي مغادرة البلدة، ويضيف كنت احلم باليوم الذي أرى فيه قاتل والدي وأخي وراء القضبان، غير ان حلمي لن يكتمل الا بعد النطق بحكم الاعدام وتنفيذه». اما الشيخ أحمد محمد، امام جامع في حلبجة فقال: «ان على المجرمين ان يعرفوا قوة الشريعة الإسلامية، ومن مبادئها ـ العين بالعين والسن بالسن ـ لقد عامل هؤلاء المتهمين الناس بالعنف الشديد، ولا بد ان يلاقوا جزاء عادلا، لان هذه حكمة الله في الأرض».

وفي مقابل ذلك يرى قسم آخر من سكان حلبجة ان التعامل مع قضيتهم ليس أكثر من تسويق دعائي، حيث تعاني المدينة نقص الخدمات أمام الاهتمام بالصرح والمتحف. يقول أزاد خليل، معلم، «المحاكمة ليست أكثر من مشهد استعراضي.. لان تقديم أحدهم إلى المحاكمة لا يعيد الحياة مرة أخرى إلى 5 آلاف شخص قتلوا». أما عائشة حسن، التي فقدت 15 فرداً من عائلتها، وتعاني من أمراض في عينيها وجهازها التنفسي، فتقول «تركت المدينة عشرة أعوام بعد أن فقدت عائلتي وأصبت بأمراض تنفسية، ولما عدت لم أر أي اهتمام بنا، نحن المصابين، وان الاهتمام الذي حصل لبعضنا مجرد وسيلة للدعاية، أما المدينة فان يد الأعمار لم تمتد إليها بالشكل الذي يوازي حجم الكلام عن المجزرة والاهتمام بالقضية».

ومنع سكان حلبجة العام الماضي مسؤولين من دخول المدينة للمشاركة في احتفالات الذكرى السنوية للهجوم بالغاز عام 1988، احتجاجا على تردي الخدمات. وقامت مجموعات بالسيطرة على النصب التذكاري وإحراقه، تاركة سحب الدخان تتموج فوق المدينة، كما تم إحراق المتحف الذي يخلد ضحايا الهجوم بالغاز، بعد أن قاموا بتكسير الأثاث والنوافذ وتمزيق الصور المعلقة هناك.

يقول عدد كبير من سكان حلبجة، ان «النصب والمتحف لم يكن اكثر من بنك ملأ المسؤولون جيوبهم منه، حيث تم استخدام القضية وسيلة لجلب الأموال، ولكن ليس لبناء المدينة والاهتمام بضحاياها». وقالوا كان يجب ان «يقام يوم حداد في ذكرى الاحداث بدلا من الدبكات وشرب المشروبات التي تم عملها».