نجاد يشن حملة ترويع لقطع الطريق على تحالف محتمل لخاتمي ورفسنجاني

الطبقة الوسطى المثقفة تتذمر من أن أصدقاء طهران الوحيدين هم سورية وبيلاروسيا وفنزويلا وكوبا

TT

تشن إيران أكبر حملة ضد المعارضين منذ سنوات كثيرة، حيث تركز الحكومة إجراءاتها الصارمة ضد زعماء النقابات، والجامعات والصحافة والمدافعين عن حقوق المرأة، وتم حتى الآن اعتقال مفاوض سابق بما يتعلق بالملف النووي وأميركيين من أصل إيراني، قضى ثلاثة منهم حتى الآن أكثر من 6 أسابيع في السجن.

ويأتي هذا التحول على خلفية وضع اقتصادي متأزم. ورغم ان إيران هي ثاني أكبر مصدر للنفط عالميا فانها الآن على وشك فرض سياسة ترشيد في استهلاك الغازولين. وفي الوقت نفسه، يسود اعتقاد أن المواجهة القائمة ما بين إيران والغرب بخصوص النووي الإيراني ستجلب عقوبات اقتصادية أخرى.

وتواجه حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد المتشددة ضغوطا متصاعدة لفشلها في تحقيق الوعود التي قطعها على نفسه بتحقيق رخاء أكبر من ريع النفط المتصاعد. كذلك استخدم أحمدي نجاد الضغط الأميركي لإجراء تغيير في الحكومة أو التلويح بهجوم عسكري محتمل كحجة لمطاردة المعارضين له والمتعاطفين معهم حسبما قال بعض المحللين.

ويصف بعض من هؤلاء المحللين الإجراءات المتشددة باعتبارها «ثورة ثقافية» وهي محاولة لإعادة عقرب الساعة إلى وقت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 حينما حاولت الجمهورية الإسلامية الجديدة مزج الحماسة الدينية بالخطاب المعادي للإمبريالية سعيا وراء فرض نفسها كطرف قيادي في المنطقة. كذلك أصبح الإعلام يركز أكثر فأكثر على خصوم أحمدي نجاد مثل الرئيس السابق محمد خاتمي والجدل حول ما إذا كان قد خرق الأخلاق الإسلامية بعد أن صافح امرأة عند انتهائه من إلقاء خطاب في روما. وشعر خاتمي الأمل الضائع للحركة الإصلاحية بأنه يتوجب عليه ان يرد على الاتهامات، قائلا إن الجمهور كان شديد الحماس لتهنئته على الخطاب بحيث أنه لم يكن قادرا على التمييز بين أيادي النساء عن الرجال. وبالطبع، عرض فيديوكليب يظهر رجل الدين خاتمي في كياسته الاجتماعية المعتادة وهو يصافح المرأة الأولى التي خاطبته أثناء سيره فوق الممشى الجانبي، حيث بدا وهو يتحدث معها بلطف. ونشب الخلاف حول المصافحة خلال جولة مواجهات حادة شلت البلد بشكل لا نظير له من ثورة 1979. وهناك أمثلة كثيرة مماثلة. كذلك نشرت وكالة «فارس» الحكومية للأنباء صورا لشباب يرتدون قمصانا من نوع «تي شيرت» اعتبرت ضيقة جدا أو مع قصات شعر اعتبرت غربية جدا، وهم يُعرضون في شوارع طهران على يد ضباط شرطة، حيث راح الأخيرون يجبرونهم على شرب الماء من «جراكن» (جرادل) بلاستيكية تستخدم في المرافق، بينما كانت الدماء تنزف منهم. وهناك صور أخرى أكثر بشاعة تم عرضها على عدد من مدونات الانترنت.

وردد رئيس الشرطة لعموم إيران مفتخرا أن 150 ألف شخص قد تم احتجازهم خلال حملة الربيع ضد الملابس التي اعتبرت غير إسلامية. وتم اعتقال أكثر من 30 امرأة من المدافعات عن حقوق النساء في يوم واحد من شهر مارس (آذار) الماضي، حسبما جاء في تقرير مراقب حقوق الإنسان، وصدر منذ ذلك الوقت حكم ضد خمس منهن بالسجن لمدد تصل إلى أربعة أعوام. ووجهة إليهن تهمة تعريض أمن البلد إلى حملة انترنت منظمة لجمع أكثر من مليون توقيع لدعم إلغاء القوانين التي تميز ضد النساء.

كذلك تم اعتقال 8 زعماء طلابيين من جامعة أمير كبير في طهران، والتي شهدت احتجاجات علنية ضد أحمدي نجاد، حيث اختفى هؤلاء في سجن ارفين منذ أوائل مايو(أيار) الماضي. وأرسل مجلس الأمن القومي الايراني تحذيرا من ثلاث صفحات إلى كل رؤساء تحرير الصحف يفصل فيه كل الموضوعات المحظورة بما فيها ارتفاع أسعار الغازولين أو أي آثار اقتصادية سيئة تنجم عن عقوبات دولية محتملة، أو عن المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة بخصوص مستقبل العراق، أو حول اعتقال أعضاء من حركات المجتمع المدني أو اعتقال الأميركيين ـ الإيرانيين.

ويمكن القول إن مجمل الحملة هي «رسالة قوية من حكومة أحمدي نجاد وقوات الأمن والاستخبارات بأنهم يسيطرون على الوضع المحلي» حسبما قال هادي غائمي المحلل السياسي الإيراني في منظمة «مراقب حقوق الإنسان». وأضاف: «لكنها حقا علامة على الضعف وعدم الشعور بالأمن».

وجرى تحذير أساتذة الجامعات من المشاركة في المؤتمرات الخارجية أو إقامة أية صلات مع الحكومات الأجنبية لكي لا يجري تجنيدهم كجواسيس. ويجري اعتقال جميع الأميركيين الإيرانيين على أساس أنهم مجندون أو يشجعون المحاولة الأميركية لتحقيق «ثورة مخملية» في ايران. ويعيد المحللون توسيع الهجوم الى خطاب ألقاه مرشد الجمهورية آية الله خامنئي في مارس (اذار) الماضي، والذي يحمل ما ورد فيه ثقل القانون. وحذر من انه لا ينبغي على احد ان يلحق الضرر بالوحدة الوطنية بينما يشن الغرب حربا سيكولوجية على ايران. وظل البلد تحت النيران خصوصا من جانب الولايات المتحدة التي تتهمه بمحاولة تطوير أسلحة نووية ودعم العنف في العراق.

ورفض الرئيس أحمدي نجاد ومسؤولون كبار آخرون كل النقد واعتبروه غير مبرر. ويوجه الرئيس اللوم الى الادارة السابقة على التضخيم أو يسميه مبالغة الإعلام، بينما قال المدعي العام في طهران سعيد مرتضوي ان الايرانيين الذين يعارضون الجمهورية الإسلامية يبحثون عن ذريعة لتوجيه النقد اليها.

وبعد الاجتماع مع كبار مسؤولي الشرطة والقضاء في طهران يوم 19 يونيو(حزيران) الحالي لمراجعة ما وصف بأنه «حملة أمنية عامة» نقلت وكالة أنباء العمل الايرانية عن مرتضوي قوله انه اذا لم تحم الدولة الأمن العام فان «المجرمين» سيكونون آمنين في المجتمع.

ويحتجز الأميركيون الإيرانيون الثلاثة في القسم 209 من سجن ايفين سيء الصيت، وهو الجناح الذي تسيطر عليه وزارة المخابرات، ومنعت عنهم الزيارات من جانب محامييهم أو أقاربهم. ولا تعترف ايران إلا بجنسيتهم الإيرانية ورفضت اية مساع دبلوماسية للتدخل.

وينظم تجمع للمطالبة باطلاق سراحهم يوم الأربعاء المقبل خارج مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.

والثلاثة هم هالة اسفندياري، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، وكيان تاج بخش، مستشار التخطيط المديني في معهد المجتمع المفتوح، وعلي شاطري، من مركز بناء السلام للمواطنين في جامعة كاليفورنيا في ارفين. وهناك رابعة هي بارناز عظيمة، الصحافية التي تعمل في اذاعة باردا، وهي محطة اذاعة ممولة أميركيا وتتخذ من أوروبا مقرا لها، وهي ممنوعة من مغادرة البلاد.

وقال عباس ميلاني، مدير برنامج الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد، ان «الناس لا يريدون المجيء الى مؤتمرات، بل لا يريدون الحديث بالهاتف. فقد خلق النظام مناخا من الارهاب المطلق».

وأشار ميلاني الى أن أحمدي نجاد أضاف نزعة خلاص الى الهجوم السياسي، اذ ابلغ الطلاب في قم الشهر الحالي بأن «المهدي المنتظر» سيعود قريبا. غير أن جاذبية مثل هذه الرسالة قد تكون محدودة. فالطبقة الوسطى المثقفة في ايران تريد أن تكون مرتبطة بالعالم وتتذمر من أن أصدقاء البلاد الوحيدين هم سورية وبيلاروسيا وفنزويلا وكوبا. ولكن ذلك ليس له تأثيره في جمهور الناخبين الرئيسيين لأحمدي نجاد. وقال ولي ناصر، من مجلس العلاقات الخارجية «انهم الفقراء والريفيون. انهم لا يسافرون الى الخارج ولا يشاركون في مؤتمرات. انه يحاول أن يقوض