بلير أكبر انجازاته سلام آيرلندا الشمالية وحرب العراق أضرته

أطول رئيس وزاء عمالي بالحكم وغير المسار التقليدي للحزب

TT

بتنحيه في السابع والعشرين من الشهر الحالي، يكون أنتوني تشارلز لينتون «توني» بلير، قد شغل منصب رئيس الوزراء في بريطانيا عشرة أعوام (أطول فترة متصلة لرئيس وزراء عمالي في التاريخ الحديث) منذ أن أتى عام 1997 بحزب العمال الى السلطة للمرة الأولى بعد 18 عاما متتالية في المعارضة. فبعد تزعمه الحزب عام 1994 خلفا لجون سميث، بدأ توجهه الى وسط الطيف السياسي واستخدم مصطلح «حزب العمال الجديد»، ليؤذن بانعطافة أساسية للحزب من سياسته الاشتراكية التقليدية الى دعم القطاع الخاص. وأثار بذلك انتقادات حادة من اليسار، مفادها بأن حزب العمال ما عاد يمثلهم.

وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 على الولايات المتحدة تحولت أولوياته الى السياسة الخارجية، فقدم أكبر دعم وسط سائر قادة الدول للرئيس الأميركي جورج بوش في «الحرب ضد الإرهاب»، وأرسل قواته لتقف كتفا لكتف مع الأميركية في غزوها أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003. كما امتنع، مثل جورج بوش، عن ردع اسرائيل عن تدمير لبنان وقصف المدنيين في حربها ضد حزب الله في يوليو (تموز) 2006.

ولد توني بلير في 6 مايو (أيار) 1953 بأدنبره، اسكوتلندا، لأبيه ليو الذي كان محاميا ولاحقا محاضرا في القانون متمتعا بعضوية حزب المحافظين. وتلقى تعليمه في مدرسة كوريستر، دارهام، وكلية فيتيز، أدنبره. ثم درس القانون بأكسفورد. وأثناء دراسته هنا كان ايضا مغنيا وعازفا للغيتار بفرقة روك تدعى «أغلي رومرز» (إشاعات مغرضة). ولدى نيله شهادة التخرج التحق متدربا بـ«تشيمبرز اوف ديري آيرفين» محاميا مترافعا. وهنا التقى بشيري بوث التي تزوجها في 29 مارس 1980 وأنجبت له ثلاثة اولاد هم يوان ونكي وليو وبنت هي كاثرين. ويتميز ليو بأنه الطفل الوحيد الذي ولد لرئيس وزراء بريطاني في منصبه على مدى 150 عاما. يذكر ان وزوجته تعتنق الكاثوليكية، وأن الفاتيكان أعلن انه سيتبع المذهب نفسه لدى تنحيه. وقيل عنه انه أكثر رؤساء الوزراء البريطانيين تدينا منذ وليام غلادستون.

بعيد تخرجه عام 1975، انضم بلير الى صفوف حزب العمال. وفي 1983 خاض الانتخابات العامة مرشحا عن الحزب لدائرة سيدجفيلد، قرب دارهام في شمال شرق انجلترا. ولأن هذه الدائرة كانت مضمونة للعمال، فقد نال بلير مقعدا داخل البرلمان الذي صعد فيه نجمه بسرعة. فالعام التالي عين مساعدا للمتحدث باسم الخزانة. وبفضل ولائه لزعيم الحزب وقتها، نيل كينوك، رقي بعيد انتخابات 1987 الى المتحدث باسم حي المال اللندني «السيتي» في فريق الحزب للتجارة والصناعة. والعام التالي نال مقعدا في «حكومة الظل» وزيرا للتشغيل.

كان أكبر إنجازات بلير في ولايته الأولى التوصل الى «اتفاقية بلفاست» او «اتفاقية الجمعة الحزينة» (الجمعة الأخيرة قبل عيد الفصح). وهي الاتفاقية التي أدت في نهاية المطاف الى إنهاء نزاع آيرلندا الشمالية رسميا في 10 أبريل (نيسان) 1998.

احتفظ العمال بالسلطة في انتخابات 2001 وأصبح بلير أول رئيس وزراء عمالي يفوز بولايتين متتاليتين، وأصبح وليام هيغ أول زعيم للمحافظين يعجز عن الوصول الى 10 داوننغ ستريت فاستقال وخلفه إيان دنكان سميث (ليصبح الثاني لاحقا بعد هيغ). وفي الأول من اغسطس (اب) 2003 صار بلير رئيس الوزراء العمالي صاحب الفترة الأطول في منصبه. وعام 2005 فاز العمال بولاية ثالثة لكن أغلبيتهم البرلمانية انخفضت من 167 إلى 66، وهو ما حدا بعدد متزايد من البرلمانيين العماليين لدعوة بلير الى التنحي. واكتسب هذا الاتجاه زخما إضافيا بسبب حالته الصحية عندما اتضح في أكتوبر 2003 انه يعاني من متاعب في القلب، وأنه خضع وقتها لتنظيم خفقانه. في ولايته الثانية ظل بلير أشد مناصري جورج بوش في سعيه لإطاحة الرئيس صدام حسين. وسرعان ما أصبح «وجه الدبلوماسية الدولية المؤيدة لغزو العراق»، مصطدما بالرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي صار من جهته «وجه الدبلوماسية الدولية المعارضة للغزو».

وكان بلير ـ مثل بوش ـ يستند في دعوته تلك الى امتلاك نظام البعث أسلحة الدمار الشامل، فأرسل 64 ألف جندي (ثلث عددهم في القوات المسلحة البريطانية) لمساعدة القوات الأميركية في غزو العراق الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان نفسه بأنه «غير قانوني». ولما اتضح بعد الحرب ان أساس «أسلحة الدمار الشامل» كان كاذبا، أصبح العراق مثار جدل داخلي هائل ومصدر اتهام لبلير بأنه بالغ في تقدير الخطر العراقي، ليس وسط أولئك المعارضين للحرب وحسب، وإنما حتى وسط أنصاره داخل الحزب، وهذا مع ان التحقيق الرسمي الذي تبع، برأه من الكذب.

من عواقب الضجة التي أثيرت في أعقاب الحرب، ان ترشيحا لبلير وبوش لنيل جائزة نوبل للسلام لم يثمر عنها، وأن عدة جماعات ضغط معارضة للحرب سعت لتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية على جرائم حرب في العراق (بوش لا يمكن ان يحاكم، لأن بلاده لم توقع على اتفاقيتها). وفي أغسطس (آب) 2004، أعلن النائب البرلماني عن حزب «بلايد كومري» الويلزي أنه سيسعى لتوجيه الاتهام رسميا الى بلير ـ ومحاكمته في البرلمان ـ بـ«تسبيب الأذى للدولة» بمشاركته في حرب العراق و«انتهاك واجباته الدستورية» بكذبه على أعضاء الجهاز التشريعي و«دخوله في اتفاق سري مع رئيس الولايات المتحدة». وهو اتجاه أيدته أحزاب صغيرة بما فيها حزب «ريسبيكت» (احترام) بزعامة جورج غالاوي.