براون ابن قس وأول رئيس وزراء أسكوتلندي منذ هيوم

برز نبوغه منذ الصغر ووصف بأنه القوة العمالية الحقيقية

TT

جيمس غوردون براون، المولود في 20 فبراير (شباط) 1951، هو وزير المالية البريطاني الحالي، الذي سيتولى رئاسة الوزراء البريطانية، بعيد تنحي بلير في السابع والعشرين من الشهر الحالي، عندما تطلب اليه الملكة اليزابيث الثانية رسميا تشكيل حكومة جديدة. وقد أعلن الحزب توليه زعامته في مؤتمر عقده خصيصا لهذا الأمر في مدينة مانشيستر أمس.

في 11 مايو (ايار) 2007 بدأ براون حملته الحزبية «غوردون براون من أجل بريطانيا»، لخلافة توني بلير في زعامة الحزب ورئاسة الوزراء فحصل على 308 ترشيحات. وهو ما أقصى أي منافسين محتملين من السباق، وأكد انه سيفوز بأي انتخابات حزبية رسمية في الموعد المحدد وهو 16 مايو، على انه لم يجد أي منافس. وفي 17 منه أعلن الحزب رسميا انه سيصبح تلقائيا رئيسا للوزراء خلفا لبلير المتنحي قبل إكمال ولايته الثالثة.

ولد غوردون براون في كيركدي، اسكوتلندا، لأبيه القس الدكتور جون براون وأمه اليزابيث براون وترعرع فيها. وفي مدرسة كيركدي اختير ضمن مجموعة صغيرة من التلاميذ النابغين، وأخضعوا لتعليم مكثف أثمر دخوله جامعة ادنبره وهو في سن السادسة عشرة وتخرجه فيها في التاريخ بمرتبة الشرف من الدرجة الأولى. وفيها تعرض لحادث أثناء لعبه الرغبي مزق شبكية عينه اليسرى فاستبدلت بها عين صناعية.

انضم براون الى صفوف حزب العمال عام 1969. وعام 1972 بدأ عمله الأكاديمي مساعدا للتدريس، وفي ما بعد محاضرا في جامعة ادنبره وكلية غلاسكو للتكنولوجيا حتى عام 1980، حين انضم الى التلفزيون الاسكوتلندي، وبقي فيه حتى 1983, وانتخب براون الى البرلمان عن دائرة دنفيرملين ايست عام 1983 وصعد نجمه السياسي بسرعة داخل الحزب. ومنذ ذلك العام وحتى 1997، تسلم مناصب مهمة في حكومة الظل المعارضة لحكومة المحافظين. ومن 1989 إلى 1992 أصبح وزير الظل للتجارة والصناعة، ثم وزير الظل للخزانة من 1992 إلى 1997. وإثر عودة العمال الى سدة السلطة في فوز كاسح على المحافظين، عين براون وزيرا للخزانة في 2 مايو (ايار) 1997. وكانت أولى خطواته في منصبه الجديد منحه الاستقلال لبنك انجلترا (المركزي) حتى يكون حرا في تقريره أسعار الفائدة، وهو أمر كانت الحكومات العمالية السابقة قد احتكرته لنفسها. واعتبرت الخطوة حكيمة اقتصاديا وذكية سياسيا، لأن الرسالة الموجهة خلفها الى دوائر المال البريطانية والعالمية هي ان «حزب العمال الجديد» لن يضع السوق ـ كما في السابق ـ في قيود حزبية. واتخذ براون ايضا قرارات حازمة في ما يتعلق بحدود الإنفاق الحكومي وأكسبه هذا لقب «وزير الخزانة الحديدي».

بعد استقالة نيل كينوك، في أعقاب هزيمته على يد جون ميجر في انتخابات 1992، خلفه جون سميث. ولدى وفاة هذا الأخير الفجائية عام 1994، تنافس على خلافته توني بلير (تمتع بنسبة 32% من الأصوات في استطلاع عام للرأي) وغوردون براون (9%) وروبن كوك (5%). وفي 31 مايو (ايار) من ذلك العام التقى بلير وبراون في مطعم لندني، حيث وافق هذا الأخير على الانسحاب لصالح بلير مقابل ألا يخوض منافسات الزعامة ضده، ومقابل ان يتنحى له بلير عن زعامة الحزب بعد أجل معلوم بينهما. وفي 21 يوليو (تموز) هزم بلير منافسيه جون بريسكوت ومارغريت بيكيت ليفوز بزعامة الحزب. ومن يومها ظل براون ينتظر تنحي بلير، الذي بدا انه يتراجع عن وعده القديم، مما أدى الى معارك شرسة داخل الحزب بين أنصار بلير وأنصار براون.

عام 2005 اختارت مجلة «تايم» الأميركية براون واحدا من 100 شخصية اعتبرتهم الأكثر نفوذا في العالم، لكن قائمتها لم تشمل بلير. وكان هذا مؤشرا الى أن براون هو القوة العمالية الحقيقية في بريطانيا وأنه، بالتالي، أحق من بلير برئاسة الوزراء أو ـ على الأقل ـ خليفته بلا منازع. وبعد انتخابات مايو (ايار) 2006 البلدية، التي خسر فيها العمال اثنين من المجالس التي كانوا يسيطرون عليها، صار الانطباع في الشارع البريطاني، هو ان براون يستغل هذه الهزيمة للتأكيد على ضرورة تغيير الزعامة لصالحه. وكان بلير قد أعلن في اكتوبر (تشرين الأول) 2004 انه لن يسعى لولاية رابعة، مما أدى الى تكهنات حول متانة زعامته ومدى صمودها، خاصة على ضوء سعي براون شبه المعلن لخلافته.

وبعد تلك الانتخابات أجرى بلير تغييرا حكوميا خفض فيه مراتب أنصار براون في الحكومة، مثل وزير الخارجية جاك سترو ووزير الدفاع جيف هون لصالح أنصاره مثل جون ريد، الذي صار وزيرا للداخلية. لكن هذا الأمر أثار حفيظة العماليين من نواب المقاعد الخلفية الذين قالوا ان نية بلير المعلنة التنحي أضعفت الحزب وجعلته «بلا زعامة حقيقة» وطالبوه بـ«إعلان موعد قريب لاستقالته». وفي 5 سبتمبر (ايلول) 2006 وقع 17 نائبا عماليا خطابا الى بلير يطالبه بالتنحي، واليوم التالي قدم سبعة من المسؤولين في الحكومة استقالاتهم احتجاجا على بقائه، وفورا وجه أنصار بلير أصابع الاتهام إلى براون قائلين انه يدبر «انقلابا» على رئيس الوزراء.

وقد وصل براون الى الكرسي الأعلى في البلاد بعد فوزه داخل الحزب بالتزكية إذ لم ينافسه أحد على الخلافة. وسيكون أول رئيس وزراء بريطاني من دائرة انتخابية اسكوتلندية منذ اليك دوغلاس هيوم (رغم ان بلير نفسه اسكوتلندي، فقد جاء الى السلطة من دائرة انجليزية). وسيكون براون أيضا واحدا من عدد قليل من رؤساء الوزراء الذين تلقوا تعليما جامعيا خارج أوكسفورد أو كيمبريدج.