شباب عراقيون: الزواج وتكوين أسرة في العراق حاليا.. مشروع «فاشل»

بين العوامل الرادعة الحواجز الطبقية والاجتماعية والطائفية والظروف الأمنية والمادية

TT

عزوف الشباب العراقي عن الزواج امر اعتاد عليه الكثيرون منهم لأسباب عديدة منها تخوفهم من المصير المجهول للحياة الجديدة التي سيدخلونها، والمعاناة التي سيتحملونها في ظل استمرار المشاكل والازمات التي تمر بها بلادهم منذ عقود طويلة، وغياب المقومات الاساسية الواجب توفرها لمثل هكذا مشروع، فضلا عن الحواجز الطبقية والاجتماعية وحتى الطائفية التي اوجدتها الصراعات السياسية والمذهبية خلال السنوات الاربع الماضية كل هذه الاسباب.

«الشرق الاوسط» استطلعت اراء عينة من الشباب ذات مستويات علمية وثقافية مختلفة تتراوح اعمارهم ما بين 25 ـ 40 عاما. ويصف رعد عباس (28 عاما) وهو عامل تأسيسات صحية مشروع دخول الشباب للحياة الزوجية بانه دخول الى جحيم المعركة، في ظل صراع العراقيين مع الزمن من اجل توفير لقمة العيش لعوائلهم وهم يواجهون واقعا حياتيا مريرا يعاني منه جميع ابناء العراق سواء كانوا شبابا او اطفالا او نساء او شيوخا. ومسألة الاقدام على الزواج او مجرد التفكير فيه عند عباس وغيره من الشباب العراقي غير واردة اطلاقا في الوقت الحاضر. ويقول عباس وهو الاصغر بين اخوانه السبعة ان الحالة المادية والظروف المعيشية الصعبة المستشرية في البلاد وعدم توفر السكن الملائم في ظل تفاقم ازمته في العراق وغلاء المعيشة وزيادة المتطلبات الحياتية، تجعله لا يفكر في الزواج حاليا اذ ان اربعة من اشقائه المتزوجين الذين لديهم عوائل كبيرة بالكاد يستطيعون اعالتهم ولا احد منهم يمتلك بيتا خاصا به، وكذلك شقيقاه الآخران وهما غير متزوجين ويكبرانه يسكنان مع أولاد عمه في منزل واحد لا يصلح لسكن اربعة اشخاص.

أسامة محمد (32 عاما) وهو مهندس اتصالات في احدى شركات النقال العاملة في البلاد لم يشارك عباس في الرأي بان العامل المادي هو السبب الرئيسي في عزوف الشباب عن الزواج، مؤكدا وجود عوامل اخرى اكثر اهمية من العامل المادي تعيق الكثير من الشبان في اتخاذ خطوة بهذا الطريق. حيث يقول محمد ان الكثير من الحواجز او العوائق تصادف المتقدمين للزواج، ومنها الحواجز الطبقية والاجتماعية. فبعض العوائل تحاول ان تفرض شروطا تعجيزية على عائلة الشاب الذي يتقدم لخطبة ابنتهم «كأن تكون عائلته من نفس الطبقة الاجتماعية التي تنتمي اليها عائلة البنت وان لا تقل عائلته شأنا عن عائلتهم، وان يكون مستواه التعليمي يوازي مستوى العائلة المطلوب خطبة ابنتها، وان يكون من عائلة ميسورة وذات جاه ومتمكنا ماديا وغيرها من الامور التي لا يحبذها الدين الاسلامي الحنيف، لكن تراها سائرة في مجتمعنا». ويقول ليث عبد الهادي الذي تجاوز عمره الاربعين عاما ان المجتمع العراقي شهد حالات زواج عديدة كتب لها الفشل والنهاية غير السعيدة بسبب التفاوت الطبقي والاجتماعي بين عائلتي المتزوجين وهو ما خلف وراءه اثارا سلبية تحملها اطفال تلك العائلة. ويوضح عبد الهادي ان رفضه الزواج «هو بسبب تقاليد وعادات المجتمع في هذا الجانب فهناك ايجابيات لهذه العادات والتقاليد الا انها في نفس الوقت تحمل سلبيات عديدة تجعل الشاب يفكر الف مرة عند الاقدام على هذا المشروع». اما معتز عبد الواحد (35 عاما) فقال ان «الزواج في هذا الزمن وفي العراق اصلا مشروع فاشل بجميع القياسات، فبيت الزوجية او العش الذهبي كما يسمونه تحول الى سجن ذهبي كبير وبامتياز، وبناء اسرة من الاخطاء التي لا تغتفر لان انجاب الاطفال في بلد لا تتوفر فيه ابسط الخدمات والمستلزمات الصحية والخدمية يعني الحكم عليهم بالهلاك». وشاطرت بثينة سعد (29 عاما)، وهي موظفة في احدى الوزارات العراقية، معتز رأيه قائلة «لمن تبني اسرة.. للحروب والصراعات التي تعصف بالبلاد منذ زمن طويل.. لا يوجد امل لدينا بان تنتهي هذه المشاكل فستموت اجيال وتبقى هذه المشاكل الى الازل».

كما ان احداث العنف الطائفي التي صاحبتها عمليات قتل وتهجير قسري على الهوية وصلت الى مرحلة الحرب الاهلية وخصوصا بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء في شباط عام 2005، ساعدت ايضا على خلق فجوة كبيرة بين ابناء المجتمع الواحد المتعايش بحب ووئام وسلام منذ الاف السنين، فقل عدد الزيجات المختلطة واصبح الحذر يشوب مقدمات عملية الخطبة وخصوصا عند السؤال عن العشيرة او الانتماء المذهبي للولد او الفتاة.