باكستان.. حرب الداخل (الحلقة الرابعة) ـ عبد الغفار عزيز: رئيس المحكمة العليا تجرأ وفتح ملف المختطفين.. فكان عقابه الإقالة

مسؤول العلاقات الخارجية في «الجماعة الإسلامية»: قدمنا 600 مسلم لغوانتانامو بسبب الحرب على الإرهاب

رئيس المحكمة العليا افتخار تشودري (رويترز)
TT

قال عبد الفغار عزيز مسؤول العلاقات الخارجية والمتحدث الاعلامي باسم «الجماعة الإسلامية» اكبر التيارات المعارضة في باكستان، إن الرئيس مشرف أيامه معدودة في الحكم، ولا يتمتع بشعبية قبل الانتخابات المقبلة نهاية العام الحالي، مضيفا أن هناك حالة سخط شعبي تتصاعد بسبب إقالة الحكومة لرئيس المحكمة العليا افتخار محمد تشودري. وكشف عزيز الذي يتحدث العربية الفصيحة بطلاقة، والتقته «الشرق الأوسط» على طائرة الخطوط الإماراتية المتجهة من اسلام آباد الى دبي ومنها الى اسطنبول للمشاركة في احتفالات حزب الرفاه التركي بفتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح: «ان هناك مشاورات بين الاحزاب الاسلامية والعلمانية لتقديم استقالتها الجماعية من البرلمان، اذا اراد الرئيس مشرف ان يعيد انتخابه عبر البرلمان وليس الانتخابات العامة». وقال ان الرئيس مشرف سيسقط لا محالة، والمستقبل للاسلاميين في باكستان. وأوضح ان المشاكل تحاصر الرئيس مشرف من جميع الاتجاهات، وهناك رفض شعبي تجاهه من جميع القوى السياسية في الشارع الباكستاني. وقال ان «مشرف يقول ان اللباس العسكري بات مثل جلده، اي انه لن يتخلى عنه، ويريد في الوقت ذاته فترة رئاسية جديدة بزعم انه سيغير التاريخ». وأضاف ان «المعارضة السياسية لا تريد جنرالا آخرا يحكم قبضته على البلاد، ولكن تريد ان يراعي الجيش سمعته الوطنية تجاه القضايا الملحة للبلاد». ويحمل عزيز، الذراع اليمنى للشيخ القاضي حسين امير «الجماعة الاسلامية» على شفتيه ابتسامة واثقة ومريحة للمستقبل رغم انتقاداته الحادة لحكومة بلاده بسبب مشاركتها في الحرب على الارهاب، ومعارضة حزبه السياسي للضربات العسكرية على افغانستان.

ويتحدث عزيز وكانه كتاب مفتوح عن المستقبل ولعبة الاحزاب السياسية والفرص التي تتضاءل امام الرئيس مشرف بسبب سياساته الداخلية والخارجية. وقال: «بسبب الحرب على الارهاب قدمنا 600 مسلم الى السلطات الاميركية، سواء كانوا من «القاعدة» او من غيرها، سلمناهم الى معتقلي غوانتانامو في كوبا وباغرام في افغانستان، وخسرنا سمعتنا الاسلامية، ومع هذا ما زلنا تحت التهديد الاميركي الذي لا نأمن شره». وأوضح ان اميركا تتعامل مع باكستان بسياسة العصا والجزرة وكلما لبت باكستان وحكومتها المطالب الأميركية جفت الجزرة وغلظت العصا. وهذه العصا الآن تغلظ يوما فيوما، وكلما قدمت باكستان وحكومتها واعتقلت أكثر فأكثر تأتي قوائم أخرى وتأتي مطالب أخرى.

وقال عزيز ان الشارع السياسي في بلاده يعيش حالة من الغليان السياسي، وهناك حالة من الصخب ضد المؤسسة العسكرية التي تستخدم من قبل الاميركيين؛ فالاميركيون يرتكبون المجازر في الشريط الحدودي ضد ابنائنا، والباكستانيون يدعون اننا قمنا بتلك العمليات. وقال ان بلاده خسرت سمعتها الاسلامية وكل المصالح الوطنية بسبب مشاركتها في الحرب على الارهاب. وأوضح: «باعتراف الجيش والمؤسسات الوطنية قتل من الباكستانيين نحو 8 آلاف فرد من المدنيين والعسكريين». وأوضح عزيز، وهو خريج قسم اللغة العربية والصحافة بجامعة قطر عام 1991، «بقدر ما قدمنا وضحينا بالغالي والنفيس ابان حرب المجاهدين الافغان ضد الروس من اجل اعلاء شأن الاسلام والمسلمين، وتخليص الافغان من نير الروس والإلحاد الشيوعي، إلا أن اليوم على الطرف الآخر في افغانستان خسرنا اصدقاءنا هناك، ولم يعد لنا صديق واحد في العاصمة كابل، بل ان هناك داخل الحدود الافغانية المطلة على باكستان 15 مكتبا للمخابرات الهندية تتجسس علينا ليل نهار تحت مسميات اخرى». وقال إن المحامين باتوا اليوم في باكستان نجوم المعارضة المشرقة بسبب موقفهم الثابت الذي لا يلين، والداعم لرئيس المحكمة العليا افتخار محمد تشودري الذي أقاله الرئيس مشرف 9 مارس (آذار) الماضي، بسبب مزاعم عن استغلاله للسلطات. وعن الأسباب الحقيقية لإقالة تشودري رئيس المحكمة العليا من وجهة نظر المعارضة، قال عزيز: ان تشودري تجرأ وفتح ملف المختطفين من محامين وصحافيين وعناصر من المعارضة، وكانت قولته الفصل «ان الحكومة عليها ان تقول لنا هل هؤلاء المختطفون ابتلعتهم الارض ام اختطفتهم السماء».

وكان رد الرئيس مشرف أن هؤلاء الذين اختفوا انضموا الى منظمات إرهابية، رغم ان الحكومة أطلقت سراح 55 شخصا من الذين اختطفوا في وقت لاحق، بحسب عبد الغفار عزيز. وتطرق عزيز الى ان المعارضة السياسية رفعت قضية في المحكمة العليا ضد الرئيس مشرف، لأن خدمته في الجيش انتهت عام 2003، ببلوغه 63 عاما، ورغم ذلك يتولى اعلى منصب سياسي في البلاد، وهذا في حد ذاته انتهاك صارخ لليمين الدستوري، اي انه خالف الدستور، وحنث باليمين الذي أقسم به، والقضية مرفوعة أمام المحكمة العليا، ولذا كان قرار الرئيس مشرف بالتخلص من رئيس أعلى سلطة قضائية في البلاد، لأنه سيسبب له كثيرا من الصداع والمشاكل السياسية قبل الانتخابات.

وقال ان الاسلاميين اليوم افضل حالا من قبل، فهم متحدون تحت راية «مجلس العمل المتحد»، وهناك حراك سياسي متجدد في الشارع واتصالات ومشاورات مع الاحزاب العلمانية لإسقاط الرئيس مشرف.

وأوضح ان المدارس الدينية المختلفة بكافة مناهجها باتت اليوم تحت راية «مجلس العمل المتحد»، بدافع توحيد الآراء ضد مشرف قبل الانتخابات. وأشار الى ان الاحزاب الاسلامية في باكستان لديها خطوط مفتوحة مع القوى الاسلامية في العالمين العربي والاسلامي، باعتبار ان الامة الاسلامية جسر واحد، والحالة التبعية ان تكون الاتصالات بين كل اعضاء الجسد الواحد، والحالة غير السليمة ألا يكون هناك تنسيق بين أعضاء الجسد، كما أمرنا ربنا عز وجل. وقال ان «باكستان جربت كل الطوائف والأحزاب السياسية، واثبت جميعهم انهم مفسدون سواء مدنيين او قطاع طرق او على اقل تقدير غير مؤهلين للحكم، والآن الكرة في ملعب الاسلاميين، لأنهم الامل عبر بوابة الانتخابات المقبلة». واشار عزيز الى ان الرئيس الباكستاني يسعى بدافع من الاميركيين الى التحالف مع بناظير بوتو زعيمة حزب الشعب لانقاذه من السقوط في الانتخابات. وعن التمويل في «الجماعة الاسلامية» قال، لقد تأسست عام 1941 وكان عدد المؤسسين 72 عضوا، وكان رأس بيت المال حينها 71.5 روبية فقط لا غير، واليوم عدد اعضاء الجماعة الاسلامية يقرب من خمسة ملايين عضو، وهناك أمير هو الشيخ القاضي حسين أحمد، ومجلس شورى مكون من 71 عضوا، يجدد لهم كل اربع سنوات، و20 ألف عضو يحق لهم انتخاب مجلس الشورى. ونفى عزيز أن تكون «الجماعة الاسلامية» ترفض الديمقراطية الغربية، وقال هناك نقاط تلاق بين الاسلام وبين الديمقراطية نأخذ منها ما يفيدنا، ونرفض منها ما يتعدى حدود الاسلام. وأوضح ان الدستور الباكستاني يعتبر دستورا اسلاميا، ومن أجله وعبر العملية الديمقراطية ضحى السلف بالغالي والنفيس، حتى مرروا قانون عام 1973، الذي يؤكد على ان دستور البلاد إسلامي، والقرآن والسنة مصدر رئيسي للتشريع، وكانت هناك خلافات حول كلمة مصدر رئيسي، ام هو الدستور نفسه، عرفت باسم قرار الاهداف، الذي اتفقت عليه الاطراف الشعبية والوطنية في عهد الرئيس السابق ضياء الحق، وهو جزء من الدستور وترجمة للمعاني الحقيقة للاسلام. وكشف عزيز أنه التقي اسامة بن لادن زعيم «القاعدة» ضمن وفد من الحركات الاسلامية، في محاولة لضمان الصلح بين قادة المجاهدين الافغان المتناحرين على السلطة في افغانستان بعد طرد الروس، وأن هناك ميزتين خطفتا انظاره عند حضور بن لادن، اولاهما تواضعه الجم، وثانيهما حسه الامني العالي، فقد كان الاجتماع داخل غرفة مغلقة، وجميع الحراس المدججين بالسلاح خارج الغرفة، ولكن بن لادن عندما احتضنته بعد التحية والسلام، اكتشفت انه يخبئ مسدسه الخاص تحت ملابسه، وكان بطبيعته لا يأمن احدا. وعما يتردد من دعم «الجماعة الاسلامية» للملالي في المسجد الأحمر، الذي اعلن عصا التمرد على السلطات وجاهر بالمضي قدما في تطبيق الشريعة، قال عزيز «لا بد ان نتطرق الى بداية القضية عندما قامت الحكومة بهدم مسجدين في اسلام آباد، وقدمت تحذيرا لـ18 مسجد آخر، لأنها خطر على تحركات كبار الشخصيات والمسؤولين الحكوميين، لأنها تقع على الطرق الرئيسية داخل العاصمة اسلام آباد، وممكن استخدامها من قبل الارهابيين، وجاء الرد سريعا من قبل مولانا عبد العزيز غازي وشقيقه عبد الرشيد، باحتلال مكتبة عامة داخل حرم المسجد الأحمر، مقابل إعادة بناء المسجد، وقام وزير الاوقاف إعجاز الحق مع عدد كبير من العلماء بوضع حجر أساس المسجد كنوع من تهدئة الامور، وتوقف العمل عند هذا الحد.

وأضاف عزيز «تصاعدت الأمور بعد إعلان مولانا عبد العزيز تنفيذ هجمات انتحارية، إذا لجأت حكومة مشرف إلى القوة ضد طلاب المدارس الاسلامية الملحقة بمسجده، بعد اعلان تطبيق الشريعة الإسلامية». وكان عبد العزيز قد قال «إننا لا نريد اشتباكا. لكن إذا كانت الحملة الصارمة هي الخيار الاخير للحكومة فإن خيارنا الاخير سيكون التضحية بأرواحنا بعمليات انتحارية في مقاومة ذلك لترسيخ الشريعة الاسلامية». وكشف عبد الغفار عزيز أن هناك جهات علمانية تريد إبراز قضية المسجد الاحمر للنيل من الاسلاميين، ومجموعة سياسية اخرى تريد في الوقت ذاته استخدام ملالي المسجد الاحمر لإحداث مزيد من المتاعب لمشرف، وهناك جهات اخرى مقربة من الرئيس مشرف تستغل قضية المسجد الاحمر والتصريحات والفتاوى النارية لمولانا عبد العزيز، لتبقى هذه القضية مشتعلة، لتخفي وراءها قضايا اخرى.