العراق: أطفال الشوارع.. قنابل موقوتة في طرقات بغداد

فقدوا الأهل.. ورعاية الدولة.. ويمتهنون التسكع والتسول

TT

الظروف المعيشية الصعبة أجبرت أم رائد على ترك اطفالها يعملون في الشوارع لساعات طويلة، بعد ان فشلت في توفير أبسط مستلزمات الحياة الضرورية لهم، بدءا بالأكل والشرب أو تلك المتعلقة بحقهم في إكمال دراستهم وشق طريقهم نحو مستقبل افضل.

ولا تمتلك ام رائد، التي فضلت الاشارة اليها بهذا هذا الاسم، أي مورد مالي تستطيع العيش من خلاله هي وأطفالها الاربعة، بعد ان تركهم والدهم منذ سنوات ولم يشأ السؤال عنهم؛ فهي في اربعينات العمر، ترتسم على وجهها ملامح التعب والعناء بصورة جلية؛ فولداها اللذان هما في مرحلة المراهقة أشرف، 15 عاما، ورائد، 14 عاما، يعملان في جمع العلب المعدنية وقناني المشروبات الغازية الفارغة في مكبات النفايات وفي الطرقات منذ اكثر من 4 أعوام. وتعمل هي وبناتها رقية، 13، وسعاد، 12 عاما، في تنظيف منازل وبيوت الميسورين في مناطق لا تبعد عن مسكنها سوى إحدى البنايات الخربة التابعة للدولة. وحالة أسرة أم رائد، هي مثال قد يكون مشرقا بالنسبة لآخرين وأعدادهم بالآلاف (لا توجد إحصاءات دقيقة)؛ فقدوا الاهل ورعاية الدولة، وباتوا على ابواب الجريمة أو دخلوها، وصاروا مثل قنابل موقوتة تجوب شوارع بغداد، يمكن ان تنفجر في شكل جرائم تنتشر لتعم العاصمة اذا لم تتدارك الحكومة الموقف. وظاهرة اطفال الشوارع باتت واضحة للعيان، حيث ينتشرون عند تقاطعات المرور والإشارات الضوئية بعضهم يمتهن التسول والبعض الآخر يبيع حاجيات مختلفة كالحلويات والمرطبات والبعض يقدم خدماته في غسل وتلميع مقدمات السيارات أثناء توقفها عند الاشارات المرورية. اشرف حكى لـ«الشرق الاوسط» كيف يقضي هو وشقيقه رائد يومهما منذ استيقاظهما في ساعات الفجر الاولى حتى عودتهم الى المنزل، يقول: «نقوم أنا وأخي ومجموعة من الأطفال بجمع العلب المعدنية ومخلفات المعامل والمصانع الاهلية من الألمنيوم والمعادن الأخرى، ونفايات المستشفيات وبقايا هياكل السيارات المتفجرة، ومن ثم بيعها في اماكن جمع الخردة في احدى ضواحي بغداد الشرقية، ونحصل على عائد مادي لا يتجاوز 10 آلاف دينار يوميا لكل واحد بعد استقطاع مصاريف النقل ووجبتي الطعام، وهو حال لا يستمر يوميا، وانما بشكل متقطع ويعتمد على الحظ في مصادفتنا لأكوام النفايات والخردة والعلب المرمية في الطرقات اذا لم يكن قد سبقنا اليها اطفال آخرون يعملون في نفس المهنة».

ويوضح أشرف أن سبب لجوئهما الى هذا العمل هو ضعف حالتهما المادية وعدم قدرة والدتهما في أحيان كثيرة على العمل بسبب حالة الصرع التي تنتابها باستمرار. وأضاف «لا توجد مؤسسة حكومية او أهلية تهتم بنا أو توفر احتياجاتنا.. كما اننا لا نجد فرص عمل افضل من التي بين أيدينا». وتابع «هذه المهنة افضل.. من ان نتجه الى اعمال اخرى بعضها غير اخلاقي والبعض الآخر يقودنا للعمل مع جهات تستخدم الاطفال في تنفيذ اعمال اجرامية ومخططات تصب في مصلحتها ومثل هذه الجهات كثيرة وتغري الاطفال والمراهقين وخصوصا المحتاجين للمال».

من جهته، أكد شقيقه رائد أنه رفض عرضا تقدمت به مجموعة من الاطفال الذين يلتقي بهم في سوق الخردة للعمل معهم بمهنة التسول تحت رعاية احد الاشخاص، مقابل أجر يومي يفوق ما يجنيه يوميا من عمله بضعفين ولوقت محدد لا يتعدى 6 ساعات يوميا، في حين انه يقضي اكثر من 12 ساعة يوميا بعمله في جمع العلب المعدنية وبقايا السيارات المتفجرة التي تعرض حياته للخطر، حيث انه يقوم بسؤال الشرطة عن مواقع الانفجارات أو يقوم بنفسه للاتجاه اليها عندما يسمع دويها.

مؤكدا أن رفضه بسبب ان «مهنة التسول غير شريفة.. يفقد المرء فيها كرامته»، وهو أمر يرفضه تماما. وقال رائد «نتعرض أنا وأخي وزملاؤنا في هذه المهنة لمضايقات قليلة من بعض اصحاب المحلات والمنازل التي نقوم بالتفتيش في مستودعات النفايات الخاصة بمنازلهم، لكنهم سرعان ما يتعاطفون معنا ويقدمون لنا الطعام والشراب، وبعض الملابس القديمة بمجرد ان يعرفوا حالتنا، كذلك نجد المضايقات من قبل بعض افراد الشرطة». مخاوف جمة تبديها منظمات المجتمع المدني التي تعنى بحماية حقوق الاطفال في العراق من تعرض هؤلاء الاطفال الى انتهاكات جسدية من قبل أولياء أمورهم وأخرى جنسية في بعض الأحيان من قبل أرباب اعمالهم، او بعض العصابات التي تستغلهم في اعمال لا تتناسب مع اعمارهم او قابلياتهم، وغالبا ما تكون تلك الاعمال غير قانونية تؤدي بالطفل الى السجن.