السير على جانبي الطريق في العراق يثير رعب الجنود الأميركيين

الجنود يريدون المزيد من الأدلة على أنهم لا يطاردون أشباحا تفجر القنابل

الجيش الأميركي يستعمل «رجلا آليا» ليفحص شاحنة
TT

كركوك (العراق) ـ ا.ف.ب: لا تثير الشاحنات التي تسير على طريق ترابي ريفي اهتماما يذكر في اماكن اخرى في العالم إلا في العراق، حيث ينفجر كل شيء من الناس الى المركبات مرورا بجوانب الطرق؛ الأمر الذي يثير مخاوف الجنود الاميركيين.

وعلى هذا الاساس، أمرت دورية اميركية شاحنة بالتوقف الى جانب الطريق. ولم يعرف الجنود وقتها شيئا عن شاحنة انفجرت في مكان ليس بعيدا عنهم في جنوب كركوك، فدمرت قرية صغيرة وأردت 150 شخصا وهدمت ما يقرب من خمسين منزلا. يدعو منظر هذه الشاحنة بشكل خاص الى الريبة. لاحظ جنود من لواء المشاة الثاني شاحنة حمراء محملة بأكياس سماد، وتتدلى منها أسلاك، وهي من المكونات الرئيسية في السيارات المفخخة المريعة في البلاد.

ومع تلقي تقارير عن شاحنة صفراء محملة بمتفجرات تتجه اليهم، كان هذا كافيا لقائد السرية اللفتنانت روبين ستارك ان يغلق الشارع ويستدعي خبراء المتفجرات. وقال ستارك «عندنا سيارة مفخخة تشبه هذه تماما». كانت الشاحنة الصفراء محملة بـ227 كلغ من المتفجرات وعدة خزانات وقود باستطاعتها قتل العشرات، وبالامكان الشعور بموجة الاهتزاز التي تسببها على بعد كيلومترات عدة، وهذا دليل على عدم قدرة القوات الاميركية السيطرة على المحافظة.

والشاحنة هي الاكثر غموضا، رغم ان الوصف لا ينطبق عليها تماما، ولعل أكياس السماد هذه كانت متجهة نحو مخزن أسلحة او مزرعة قريبة، وقد تعود الاسلاك للأضواء الخلفية المكسورة، ذلك امر يصعب تحديده.

ويبدأ جنود ستارك تفتيش السائق، وهو رجل هزيل مشذب اللحية قصير ويرتدي دشداشة بيضاء، وهي ما يلبسه «المجاهدون» في الغالب، لكن الآخرون يلبسونها ايضا بسبب قيظ الصيف.

يقود الجنود الرجل الى الجانب الآخر من الطريق لاستجوابه، ويأخذون هاتفه الجوال، اذ بالإمكان استخدامه أداة تفجير. والسائق من سليمان بيك (75 جنوب كركوك) القريبة من آمرلي التي مزقها السبت انفجار شاحنة مفخخة يقودها انتحاري. لدى السائق طلبات تسليم السماد، ويقول انه يتنقل في هذا الطريق طوال الوقت، وينقل السماد الى ست مدن في شمال العراق.

وتجوب عربات الهمفي المدرعة الطريق جيئة وذهابا، حيث ينتشر الجنود شاهرين أسلحتهم. وتم استدعاء خبراء المتفجرات للتدقيق في الشاحنة المريبة، وتردد كلام حول امكانية تفجيرها حتى ولو كان هناك هامش خطأ صغير. لكن، من الممكن ان تكون هذه الشاحنة مدنية، تعيل هذا الرجل وانفجار بهذا الحجم، حتى وان كان لا يؤذي احدا، فالأفضل تجنبه.

وقال السرجنت وليام فيل رئيس فريق المتفجرات إن اكياس السماد شائعة، والمتفجرات «تكون مخفية عادة في مكان ما، لكن في هذه الحالة، فان هذه الشاحنة مليئة بالسماد فقط». وقد أرسل الخبراء انسانا آليا، وتجمع الفريق خلف عربة الهمفي على بعد خمسين مترا بينما كان الانسان الآلي الصغير يشق طريقه نحو الشاحنة، يمد رقبته للنظر الى المقاعد، يدور حولها وينظر أسفل المحرك.

وتلت ذلك مناقشات اكثر، نداءات اخرى باللاسلكي قرر بعدها فيل الاقتراب من الشاحنة بنفسه وقال الضابط «يجب التقدم نحو الشاحنة». وبدا فريق المتفجرات الباسه ما يناسب المهمة، ورغم انه يوم صيفي حار، إلا انه سرعان ما بدا مستعدا للقيام برحلة الى القطب الشمالي، كان على وشك ان يلبس خوذة كبيرة عندما وردت أوامر بإرسال سائق الشاحنة بدلا عنه.

بإمكان السائق تفجير الحمولة عندما يصل الى الشاحنة، او بإمكان شخص آخر يترصدهم بالمنظار من بعد مائة متر وبيده هاتف جوال ينتظر الاميركيين ان يصلوا في حدود المدى المطلوب. لم يكن ستارك مرتاحا، وكان سائق الشاحنة رابط الجأش غير مبال بالتحقيق كله، كان يشبك يديه أمام صدره ويبتسم للذين يستجوبونه. وقال ستارك «اذا كان مترددا، سنعلم ان شيئا ما خطرا هناك».

ومشى الرجل نحو الشاحنة، واحتمى الجميع بعربة الهمفي المدرعة. فتح السائق الابواب وغطاء المحرك، وتسلق الى جزء الحمولة الخلفي وبدا يحرك أكياس السماد، فيما كان الانسان الآلي ينظر اليه ويراقب كل حركاته. ليست هناك متفجرات.

وطلب من السائق والإنسان الآلي الرجوع، التقط الجنود صورا فوتوغرافية للرجل وتركوه لحال سبيله، لكنهم لا يزالون يتساءلون اين ستذهب أكياس السماد هذه. وقال ستارك «عليك ان تتقبل هذا، ونأمل ان نحول دون تنفيذ أي شيء او خطة مؤذية ينوي الرجل تنفيذها».

لكن الجنود يريدون المزيد، يريدون بعض الأدلة على انهم لا يطاردون أشباحا تفجر القنابل، بل يقاتلون عدوا من الممكن رؤيته وسماعه. وختم ستارك «أصبحنا محبطين حقا، الفصيلة بحاجة الى النصر، لم نقم بأي شيء ملموس يعطينا إحساسا بأننا أنجزنا شيئا منذ شهرين».