أحداث المسجد الأحمر: مشرف يخول وسطاء بالتفاوض مع المسلحين

المحكمة العليا تتدخل لإنقاذ الرهائن.. ومظاهرات في منطقة القبائل لدعم المحاصرين

أمهات الطلاب يرفعن الدعاء من أجل أبنائهن المحتجزين داخل المسجد الأحمر في إسلام أباد أمس (أ.ف.ب)
TT

منح الرئيس الباكستاني، برويز مشرف، رجال الدين أمس مزيداً من الوقت لإقناع المسلحين المتشددين المتحصنين في المسجد الأحمر تسليم أسلحتهم والاستسلام، في أعقاب سبعة أيام من الصدامات الدامية بين الطرفين. ويأتي هذا القرار في أعقاب اجتماع ضم مشرف وكبار المسؤولين الباكستانيين في محاولة لإيجاد السبل لإنهاء المواجهات في المسجد.

وقال مسؤول كبير في أجهزة الأمن «إن جهودا اخيرة تبذل من قبل العلماء (المسلمين) وأشخاص على ارتباط بالمدارس(القرآنية)». وتهدف المحاولة إلى تفادي هجوم أخير على المسجد بينما تتزايد المخاوف من حمام دم في حين تحاصر قوات الأمن المسجد وتدعو المحاصرين باستمرار عبر مكبرات الصوت إلى الاستسلام.

وأثناء اجتماع جديد مع المسؤولين الكبار كرر الرئيس برويز مشرف القول إن الأولوية لا تزال إنقاذ النساء والأطفال المحتجزين في المسجد، حسبما أعلن مسؤول شارك في الاجتماع لوكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف المسؤول أن الرئيس فوض أيضا رئيس الوزراء السابق شودري شجاعة حسين رئاسة الوساطة، و«كلفه ببذل جهود اخيرة بهدف إقناع الناشطين الذين يحتجزون نساء وأطفالا بالإفراج عنهم».

وقال المسؤول عن أوقاف المدارس ـ الهيئة الدينية الرئيسية التي تتولى إدارة المدارس الإسلامية في باكستان، هاني جلاندري «اننا نبذل قصارى جهدنا للتوصل الى تسوية تمهيدا لحلحلة الأزمة بطريقة سلمية» وأضاف «لقد عرضت اقتراحات ونأمل ان نتوصل الى تحقيق ذلك».

وأعلن مجلس علماء باكستان، وهو هيئة مستقلة منحت الأسبوع الماضي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لأدن لقب «سيف الله»، ان الحكومة طلبت منه المساعدة.

وقال رئيس المجلس مولانا طاهر اشرفي «في منتصف الليل، أجرى مسؤولون كبار في الحكومة اتصالات أخيرة لإقناع عبد الرشيد غازي (احد المسؤولين عن المسجد الأحمر) بالاستسلام».

وأضافت مصادر في الأوساط الإسلامية أن جهودا بذلت أيضا في محاولة اشراك مسؤولين سابقين في منظمات سبق ان أعلنت أنها خارجة على القانون، بهدف الضغط على غازي. مع ذلك أكد مسؤول في أجهزة الأمن أن تلبية مطالب غازي الذي يريد مغادرة المسجد حرا طليقا، غير واردة. وقال «لا يمكننا القيام بذلك. أين سيذهب؟ إلى الهند، أفغانستان، الدول المجاورة؟».

وكانت السلطات الباكستانية قد وجهت «انذارا نهائيا» الى المسلحين الاسلاميين المتحصنين داخل المسجد الذي يقع في العاصمة الباكستانية اسلام آباد. ونقل عن بعض السكان سماعهم قوات الامن توجه الانذار عبر مكبرات الصوت الى المتحصنين وتقول لهم «هذا هو آخر انذار للاستسلام». من جانب آخر صرح وزير الشؤون الدينية الباكستاني اعجاز الحق ان الاطفال والنساء المحتجزين داخل المسجد هم رهائن لدى «ارهابيين متشددين» داخل المسجد. وكشف ان مسلحين اجانب يقاتلون الى جانب الطلبة الإسلاميين المتشددين داخل المسجد المحاصر منذ الثلاثاء الماضي. وقال اعجاز الحق ان هناك «اكثر من 250 مسلحا داخل المسجد، ومن بينهم عدد من المقاتلين الأجانب يقودون المواجهة مع القوات الباكستانية». وصرح الوزير لـ«بي بي سي» ان هناك ما بين 2 الى 5 من المسلحين داخل المسجد مطلوبون للسلطات الباكستانية بخصوص قضايا كبرى وان المسلحين يسيطرون على المسجد بشكل كامل، وعبد الرشيد غازي ليس سوى واجهة لهم». وكان عبد الرشيد غازي الذي يقود المسلحين داخل المسجد قد نفى وجود عناصر متطرفة من المنظمات المحظورة داخل المسجد، مشيرا الى ان المتحصنين داخل المسجد هم طلبة المدرسة الإسلامية التابعة للمسجد، التي يتولى ادارتها. وتشير تكهنات الى أن أزمة المسجد الأحمر على ارتباط بحادث مقتل عدد من الصينيين بالرصاص يوم الأحد في مدينة بيشاور الباكستانية. وبدأت أزمة المسجد الأحمر بقيام الطلاب فيه باحتجاز عدد من النساء الصينيات بزعم أنهن يمارسن الدعارة، ولم يتم إطلاق سراحهن إلا بعد أن تعهدت الحكومة بإغلاق عدد من المراكز التي تقدم خدمات التدليك وفنون الطب الصيني. وخلال حصار المسجد، قتل ضابط بارز في القوات الخاصة التابعة للجيش الباكستاني برصاص الطلبة بينما اصيب ضابط آخر. وقال الجيش إن الضابط القتيل، وهو العقيد هارون اسلام، كان يشرف على فتح ثغرات في جدران المسجد المحاصر، للسماح للنساء والأطفال بالخروج عبرها. وقد بلغت حصيلة المواجهة بين القوات الباكستانية والطلبة حتى الان 21 قتيلا. وكان الرئيس برويز مشرف قد خير المتحصنين داخل المسجد في وقت سابق بين القتل او الاستسلام. بينما اعلن رجل الدين عبد الرشيد غازي الذي يقود المتحصنين داخل المسجد بانه واتباعه «يفضلون الموت على الاستسلام للسلطات الباكستانية». وقال غازي لـ«بي بي سي» في وقت سابق إنه لن يقبل أي شروط تجعله يبدو كمن خضع لضغوط الحكومة الباكستانية، وقال إن هناك ألفا وثمانمائة شخص داخل المسجد. وقد سيطرت قوات للشرطة على مدرسة في العاصمة يديرها شيوخ تابعون للمسجد، واعتقلت عشرات الطلاب.

ومن جهة اخرى، تدخلت المحكمة الباكستانية العليا امس في المعركة، مؤكدة أنها تريد إنقاذ حياة النساء والاطفال الموجودين داخل المسجد.

وقررت المحكمة عقد جلسة استماع امس لتقرر ما إذا كانت ستصدر تعليمات للحكومة بخصوص الإجراءات الأمنية لتجنب وقوع مجزرة إذا اقتحمت القوات المسجد مثلما هدد الرئيس برويز مشرف.

وأثير احتمال تدخل المحكمة لتخطي السلطة التنفيذية، في غمرة استنكار المواطنين لتطورات الاحداث بخصوص المسجد من منطلق قلقهم على أرواح الاشخاص داخل مجمع المسجد بالاضافة إلى المقيمين بالقرب منه والذين يعانون من الحصار وحظر التجوال.

وعين القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا رانا باجوانداس لجنة تضم قاضيين للتحقيق في هجوم القوات الامنية على المسجد وعواقبه.

وقال القاضي محمد نواز عباسي الذي جرى تعيينه مع القاضي فقير محمد خوخار إن معاناة السكان الذين يعيشون بالقرب من المسجد خلال الايام السبعة الماضية، لا سيما بسبب حظر التجوال، يعد انتهاكا للدستور.

وأضاف أن المحكمة العليا قلقة بشأن حياة مئات الاشخاص الموجودين داخل المسجد والذين قد يتخذ المسلحون المتشددون منهم دروعا بشرية.

وفي نفس الوقت، تظاهر نحو 20 الف شخص امس في اقليم باجور في المنطقة القبلية الباكستانية دعما للمتشددين المحاصرين في المسجد.

وهتف المتظاهرون وبعضهم مسلح بالكلاشنيكوف وقاذفات الصواريخ، الذين تجمعوا قرب خار، كبرى مدن اقليم باجور في المنطقة القبلية الباكستانية عند الحدود مع افغانستان، «كلنا على استعداد للجهاد». وهذه المنطقة التي تشهد اضطرابات بصورة مستمرة، معروفة بموالاتها لمقاتلي طالبان المتشددين في افغانستان، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ودعا قادة محليون موالون لطالبان الجماهير الى الجهاد ردا على الحصار المفروض على المسجد الاحمر. وقال القائد فقير محمد المقرب من مدرسة قرآنية محلية قصفتها القوات الباكستانية في 2006، امام الحشود «ندعو الله ان يسحق (الرئيس الباكستاني برويز) مشرف وسنثأر للفظائع التي ترتكب في المسجد الاحمر».