عام على حرب الصيف (الحلقة الثانية) ـ حسن نصر الله: بين عمامة رجل الدين وعباءة رجل السياسة

عهده شهد لبننة الحزب الإيراني المرجعية والتمويل والتسليح وكثيرون يصفونه بمحاور جيد يتميز بنوع من المرح والسلاسة

فتاة لبنانية ترفع صورا للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وهي تسير بين ركام المباني
TT

على مداخل القرى الجنوبية وفي شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، يطل وجه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مبتسما رافعا يده تحية لأهله مخاطبا اياهم بشعارات تزخر بأفعال التفضيل: يا أشرف الناس، يا أطهر الناس...

وفي أوساط هؤلاء، يأخذ الحديث عن نصر الله صفة التبجيل. وفي حال صدر نقد بصوت خافت لسياسة حزب الله أو بعض مسلكيات افراده، فانه لا يصل الى حدود امينه العام الذي يحظى بهيبة دينية وروحية وعاطفية خاصة لم يحظ بها أسلافه في الامانة العامة للحزب.

في الحرب الاخيرة والازمة السياسية العاتية التي تلتها، برزت صورة جديدة للامين العام للحزب تخطت حدود المهمة التنظيمية المنوطة به الى ادوار ووجوه متعددة: فهو كما يصفونه «القائد الصادق» الذي لم يبخل بابنه للشهادة، وهو رجل العسكر والاعلام الذي راح يطل على شاشة تلفزيون المنار ليشرح مسار المعركة، بل يعلق مباشرة على بعض فصولها، وهو رجل السياسة الذي يوجه مسار المعارضة الناقمة على حكومة فؤاد السنيورة، وهو الزعيم الذي يبدو وكأنه الزعيم المطلق للطائفة الشيعية في لبنان.

امور كثيرة ميزت الامين العام الحالي لحزب الله عن سلفيه الشيخ صبحي الطفيلي وعباس الموسوي: اولا نسبه الجنوبي وهو الذي يتحدر من قرية البازورية في جنوب لبنان في حين ان الطفيلي والموسوي ينتميان إلى منطقة البقاع (قضاءا بعلبك والهرمل بشمال شرقي لبنان) الخزان الاساسي للحزب.

وكذلك مولده ونشأته في حي النبعة الشيعي القائم في احدى ضواحي بيروت الشرقية المسيحية (عام 1960) حيث تربى في احضان عائلة فقيرة فضلا عن انتمائه الاساسي الى حركة «امل» وكان مسؤولها التنظيمي في منطقة البقاع قبل ان يتركها ابان الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. جاءت قيادة حسن نصر الله لحزب الله متناسبة مع طبيعة المرحلة التي عاشها الحزب المتقلب بين مراحل متباينة. وكانت عناصر في شخصيته وفي ظروف المرحلة وراء تقدمه حيث كان يؤم حلقات التدريس للعلامة محمد حسين فضل الله في حي النبعة قبل ان يمضي فترة وجيزة في النجف في العراق تتلمذ خلالها على يد محمد باقر الصدر وعاد الى لبنان مع الطلبة اللبنانيين الذين ابعدهم النظام البعثي. لم يسمح صغر سن نصر الله في ان يكون له دور بارز في المرحلة التأسيسية لحزب الله التي قادها اول امين عام للحزب الشيخ صبحي الطفيلي. وكان الطفيلي ابن البيئة البعلبكية صاحب الشخصية الشعبية القريبة من الناس ومن معاشهم رجل المرحلة بنزاعاتها الدامية (حروب المخيمات الفلسطينية والنزاعات بين حزب الله وأمل وبين امل والفصائل الفلسطينية) فضلا عن تميزه بعلاقات وثيقة بالحرس الثوري في ايران.

بعد اتفاق الطائف ودخول «حزب الله» مرحلة السياسة في التسعين، بالتزامن مع العمل العسكري، شهد الحزب مرحلة جديدة قادها السيد عباس الموسوي، الامين العام الثاني للحزب الذي طغت على شخصيته الصفة الدينية الدراسية وتعلقه بالتشيّع، وهو الكاتب والمفكر الذي كان نصر الله مقرباً منه بعد ان جاوره في النجف كما في الحوزة التي اسسها الموسوي في بعلبك. منظّر الحزب و«عراب» شرائحه المثقفة

* يقول الكاتب والأستاذ الجامعي وضاح شرارة صاحب كتاب «دولة حزب الله: لبنان مجتمعا اسلاميا» ان تولي نصر الله امامة مسجد الرسول الاعظم في الضاحية الجنوبية لبيروت كان نقطة تحول رئيسية في مساره لما لهذا المسجد من موقع خاص جغرافي ومعنوي.

ويضيف «كانت تجربة جوهرية أتاحت لنصر الله اقامة صلات وثيقة مع شباب الجامعات فلعب دورا اساسيا في استجلاب فئات مثقفة الى الحزب العسكري القائم اساسا على شرائح متواضعة في ثقافتها وعلاقتها بالخارج. وكان نصر الله افضل من يقوم بهذا الدور لمعرفته بلغة مخاطبة هؤلاء الشباب ولقربه منهم سنا وتجربة».

ويتابع شرارة: كان نصر الله (آنذاك امام مسجد الرسول الاعظم) قد منع طلابه من استكمال دراسات حول المسجد بتهمة التجسس على بيئته ومحاولة إفسادها، ان نصر الله فرض نفسه في تلك المرحلة منظرا ومفكرا استراتيجيا للحزب عبر خطب جمعت في صياغاتها اسلوبي محمد حسين فضل الله ومحمد باقر الصدر الى جانب النفس الحزبي واهتمامات طلاب الجامعات.

اختير نصر الله لزعامة الحزب بعد بضع ساعات من اغتيال عباس الموسوي في العام 1992 في قصف اسرائيلي لموكبه وقبل ان يوارى الثرى. وكان نصر الله انذاك، وهو الابن التاسع لعائلة لا باع لها في السياسة ولا تنتمي الى حلقة العائلات الدينية الشيعية البارزة، بارزا في تركيبة الحزب واحد المتكلمين الاساسيين باسمه فضلا عن توليه منصب احد وكلاء خامنئي.

ويعتبر الصحافي المقرب من «حزب الله» ابراهيم بيرم ان الامين العام الجديد للحزب جاء ليمثل مرحلة صعود المقاومة وتمددها. وحظي الامين العام الجديد للحزب بحظوة تعيينه على رأس الحزب مدى الحياة بعد تعديل في نظامه الداخلي الذي كان ينص على اختيار امين عام لولاية من ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

ولكن كيف يمكن تفسير التفرد الذي ميز ويميز حسن نصر الله في ادائه في موقعه الحزبي وفي علاقته بأبناء الطائفة الشيعية حتى بات يقرب الى ان يكون زعيمها الاوحد في فترة ما بعد حرب الصيف الماضي؟

يتحدث شرارة عن اختلاط الامين العام للحزب بالناس وقربه منهم وتعاطيه مع القيادة بوصفها تعبيرا عن الناس وحاجاتهم وحرصه الدائم على ان يتكلم بلغة يفهمها العامة. ففي مخاطبته الحشود، غالبا ما يحتفظ بورقة صغيرة ينظر اليها بين الفينة والأخرى ويضمنها مخططاً لكلامه يوزع فيه الافكار على ابواب في حين يأتي الكلام منسابا من دون تعقيد ومع حرص كبير على ان يكون مفهوما من الجميع.

انه فن صياغة المشهد والايحاء الذي يتقنه نصر الله بامتياز، كما يقول شرارة. ولعل المثال الابرز تقليد يتبعه نصر الله في الوقوف لدى مرور فوج آباء الشهداء في الاستعراضات التي كان ينظمها الحزب وتقصده احناءه رأسه دلالة المكانة المميزة التي يوليها لعائلات الشهداء في حين انه يستعرض مرور الفرق الاخرى جالسا.

يقول الحاج محمد عفيف الذي جاور السيد حسن نصر الله لسنوات طوال بوصفه مستشاره الاعلامي ان الامين العام لحزب الله يحمل «تمييزا خاصا لعوائل الشهداء ويعاملهم بحنان، فهو يلتقي بكبار المسؤولين من باب مسؤولياته لكنه يهوى ان يقصد عائلات الشهداء يجلس معهم ويتحدث اليهم، يشعر عندها انه في غاية الارتياح».

ويعلق ان كلام نصر الله عن تقبيل اقدام اهل الشهداء ونعتهم بالأشراف والسادة «ليس من باب البلاغة، هذا ما يشعر به فعلا، هنالك علاقة خاصة بينه وبين عوائل الشهداء، يحبهم ويحبونه، يعشقهم ويعشقونه».

بعد اهل الشهداء، يأتي في المرتبة الثانية في عاطفة الامين العام للحزب مقاتلو الحزب. ويقول «السيد حسن ليس بعيدا عن المقاومين، كان دوما قريبا منهم يحرص على لقائهم، لديه اساليب متعددة للتواصل معهم».

ويصف عفيف، الذي اعتاد ان يلتقي نصر الله يوميا في اجتماع صباحي يجريان خلاله مطالعة سريعة للاحداث في مكتبه داخل «المربع الامني» سابقا في الضاحية الجنوبية، الامين العام للحزب بأن من صفاته «التواضع والاخلاق الرفيعة ومعاملة الناس باحترام جم، الكبير منهم كما الصغير».

الا ان الكاتب الصحافي محمد ابي سمرا يرى ان الخطاب الذي يستخدمه نصر الله يأتي متناسبا تماما مع طبيعة المجتمع الشيعي الذي عانى تمزقا اجتماعيا وسكنيا بفعل الحرب المتواصلة مع اسرائيل وموجات التهجير المتلاحقة.

ويقول أبي سمرا وهو من اشد منتقدي الحزب ان «احتلال اسرائيل للجنوب والتعبئة الدينية كانا عاملين رئيسيين في قدرته على الاستيلاء على المجتمع الشيعي. فالحزب اعتبر التفاصيل الاجتماعية في معاش الناس اقل اهمية من قتال اسرائيل، فجاء خطابه مناسبا تماما لمجموعة باتت في عراء اجتماعي». لبننة الحزب الإيراني

* ترافقت قيادة السيد حسن نصر الله لحزب الله مع تطور دور الحزب على المستوى السياسي الداخلي في خوضه الانتخابات النيابية (عامي 1992 و1996) وانخراطه الكامل في العملية السياسية الداخلية في ما درج بتسميته لبننة الحزب الايراني المرجعية والتمويل والتسليح.

المقربون من نصر الله يقدمون عنه صورة المحاور البارع الحريص على الانفتاح على الافرقاء اللبنانيين. ولكن الى أي حد تنسجم هذه الصورة مع واقع مرحلة ما بعد الحرب الاخيرة والازمة السياسية التي اعادت طرح السؤال عن دور الحزب ومدى امكان انسجامه مع طبيعة النظام اللبناني؟

شارك الحزب وامينه العام في مبادرات حوار عدة مع الفرقاء السياسيين. وكان من اوائل هذه المحاولات المبادرة التي اطلقها وزير الثقافة الحالي طارق متري الذي كان انذاك ممثلا لـ«مجمع الكنائس العالمي» وشارك فيها «حزب الله» و«تجمع قرنة شهوان» (تكتل اطراف مسيحية).

يقول سفير لبنان السابق سيمون كرم الذي شارك في هذه اللقاءات انها شكلت جهدا استثنائيا توصل الى تقارب مشترك على مستويات عديدة بمشاركة وجوه بارزة من «حزب الله» تولت نقل مجريات الحوار الى الامين العام للحزب.

ويصف كرم التجربة التي انتهت مع نهاية الحقبة السورية في لبنان بانها «مرت بمراحل صعود وهبوط وتخطت عقبات كبيرة في التفاهم الا انها بقيت جهدا لبنانيا معلقا في الهواء».

المحاور المرح المدرك لغة الربح والخسارة

* ويروي سمير فرنجية النائب في «قوى 14 آذار» (الاكثرية النيابية) انه التقى نصر الله مرات عدة في المرحلة التي تلت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وسبقت الانسحاب السوري من لبنان.

ويروي «الاتجاه انذاك كان لتركيز المعركة مع النظام السوري فقلنا للاخوان في «حزب الله» وحركة «امل» اننا لن نستخدم التغيير الآتي لأغراض داخلية واننا لا نريد ان نكرر تجربة السوريين بان نعاقب طائفة او نبعدها».ويتابع فرنجية ان رد نصر الله كان ايجابيا وانه كان يكرر على مسامعه ضرورة التوصل الى صيغة تضمن خروجا مشرفا للجيش السوري من لبنان «فقلت له اننا بطبيعة الحال لا نريد إذلال احد». يروي فرنجية ان الحوار مع الأمين العام لـ«حزب الله» لم يكن معقدا واصفا اياه بـ«محاور جيد يتميز بقدر مهم من الانفتاح وبنوع من المرح والسلاسة في ادارة الحوار».

القطيعة الفعلية في العلاقة بين الامين العام للحزب و«قوى 14 اذار» جاءت مع اغتيال النائب جبران تويني وما رافقه من طرح لمشروع المحكمة الدولية في مجلس الوزراء وانسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة.

ويعلّق فرنجية ان «اللبنانيين كانوا يشعرون ان حزب الله حريص على الأمن اللبناني رغم ارتباطه بإيران وسورية ولكن تبين لهم بعد الحرب الاخيرة ان هذا الأمن ليس من اولوياته، مما نسف صورة الحزب اللبناني الانتماء بالدرجة الاولى» . ويضيف ان صورة الحزب اللبناني تعرضت لهزة جديدة «عندما ادار الحزب ظهره للجنوب وبدأ يسعى الى تغيير الاوضاع الداخلية في لبنان عن طريق احداث شبه انقلاب» معتبرا انه «ارتكب بذلك خطأ تاريخيا». من جانبه، يقدم رئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني نفسه على انه «صديق قديم» للسيد حسن نصر الله مشيرا الى «جلسات طويلة» جمعت بينهما وكان بعضها بعيدا عن الاعلام منذ العام 1993. ويصف بقرادوني نصر الله بأنه «حريص دوما على سماع الرأي الاخر ويهمه التعرف على الاسباب التي تحمل بعض اللبنانيين وبخاصة المسيحيين على التخوف من حزب الله».

بعد اشهر قليلة من حرب يوليو (تموز)، كان لقاء جمع بقرادوني بالامين العام لحزب الله «ليلا وفي تدابير امنية استثنائية جدا نقلت بموجبها بعدة سيارات قبل الوصول اليه». ويقول بقرادوني ان الحديث بينه وبين نصر الله تركز على نتائج حرب تموز، وان نصر الله «كان يتعجب من ان اسرائيل اعترفت بخسارتها في حين ان بعض اللبنانيين لم يتقبلوا انتصارهم ويريدون ان يقللوا من اهميته».

ويضيف ان نصر الله «لم يكن يرفض منطق الذين يتكلمون عن الثمن الباهظ للحرب انما يرفض الذين يتكلمون عن النتيجة لجهة ان لبنان دفع ثمنا ولم ينجح في المواجهة». ويعلق بقرادوني ان نصر الله «يعرف تماما لغة الربح والخسارة، كان دوما يقول لي انه لا يمكن لأحد ان يكون رابحا لدى الجميع».

العمامة لم تحمه من مهاترات السياسة

* لم تنجح عمامة رجل الدين في ابقاء نصر الله بعيدا عن مهاترات السياسة اللبنانية وهو الذي اختار في الازمة السياسية الراهنة ان يدخل معتركها من بابه الواسع.

وفي المناطق التي شهدت مصادمات مذهبية، اخذ النفور من الامين العام لـ«حزب الله» تعبيرات حادة مثل تمزيق صوره ودوسها تحت الاقدام وتوجيه الشتائم في ما اعتبره انصار الحزب خروجا على المألوف في التعاطي مع السيد كرجل دين له مكانته.

كذلك، كانت اشارة نصر الله الى الشيعة في لبنان بشكل مباشر في احدى خطبه موضع انتقاد من خصومه الذين رأوا في ذلك اقرارا من زعيم «حزب الله» بانه زعيم طائفة خلافا لما يريد اشاعته من وطنية المعارضة وشمولها لفئات متنوعة. ويقول الدكتور رضوان السيد، أستاذ الدراسات الاسلامية في الجامعة اللبنانية، ان اصرار الحزب عمليا على عدم اقرار مشروع المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري، خلافا لما يعلنه في خطابه، وموقفه في الحرب وبعدها من حكومة فؤاد السنيورة واتهامه لها بالولاء للاميركيين كان سببا رئيسيا في النفور بين الحزب وأمينه العام وقسم كبير من السنة في لبنان. ويرى ان حرص نصر الله على توجيه نقده للحكومة بشكل خاص وتشديده على الطابع الوطني للمعارضة لم يكن كافيا للتهدئة اذ ان «السنة فهموا غير ذلك وشعروا انه يريد ان ينكر عليهم هويتهم الوطنية وانتماءهم ويريد عزلهم».

ويردف السيد ان ثمة «شعبية بالمعنى العام» للامين العام لـ«حزب الله» في اوساط السنة في لبنان نظرا لسيرة الحزب الطويلة في قتال اسرائيل وصموده في وجهها الا ان مفهوم الحزبية القائم على الطاعة الدينية للزعيم امر ليس معهودا لدى السنة. ويرى الصحافي ابراهيم بيرم ان الاعتصام في قلب العاصمة كان اكثر تأثيرا على صورة «حزب الله» وأمينه العام من حربه مع اسرائيل وخصوصا في العلاقة مع الطائفة السنية في لبنان، بعدما كان الحزب بذل جهودا جبارة بعد اغتيال رفيق الحريري لاستمالتهم عبر الحلف الرباعي («حزب الله» وحركة امل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي). وكان الحزب يعتبر ان اختياره ورقة رئيس الوزراء الراحل سوف تكون ضمانة الحفاظ على سلاحه انطلاقا من تعلق سنة لبنان بالنزعة القومية.

ويرى بيرم المقرب من أجواء «حزب الله» ان الحزب لم يكن يقدّر حجم ردة الفعل السنية على الاعتصام الذي فاقم سوء التفاهم مع السنّة مما دفعه لاحقا ً الى التفكير باعادة تصحيح العلاقة مع تيار المستقبل (بزعامة سعد الحريري) مركّزا في خطابه على ان لا مشكلة مع السنة ولكن مع حلفائهم (القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي).

وينحو على منواله علي فياض، مدير المركز الاستشاري للدراسات التابع لحزب الله والذي يعتبر احد منظري الحزب، اذ يقول ان نصر الله «ليس زعيما شيعيا في هذه المرحلة بل زعيم عربي اسلامي ولاعب استراتيجي في تطورات المنطقة «مقرا في الوقت نفسه بانه «في نهاية الامر ابن طائفته». ويقول فياض «كل زعيم سياسي مهما كبر حجمه لا بد ان يتناول السياسة بالكامل لا ان يتعاطى معها بالملقاط»، معتبرا ان الاثار السلبية الناجمة عن الاعتصام على صورة الحزب وامينه العام «ضرورة لا مهرب منها لاعادة التوازن واعادة التصحيح في التمثيل».

ويشدد الحاج محمد عفيف على ان الامين العام «صادق في كل ما قاله حول التعددية ومسألة سلاح المقاومة وانه لن يوجهه الى الداخل اللبناني. واحترامه للتنوع ليس ادعاء بل اقتناع بان غنى لبنان هو في تعدديته».

ويضيف «كان السيد يشعر بمرارة شديدة بعد ان وافقت اسرائيل خلال الحرب على التنازل عن شروط ورفض ذلك بعض اللبنانيين لكنه كان يردد ان هؤلاء هم شعبنا ونحن مضطرون ان نتعايش معهم لنصل الى حل». المفتي الأمين: لا ننافسه على حب الناس له

* يكاد لا يخلو زاروب في حارات القرى الشيعية الحدودية واحيائها من صورة للامين العام لـ«حزب الله». وعلى الطرقات الرئيسية المؤدية اليها ترتفع لافتات ضخمة لصوره وشعارات من خطبه. ولا تقتصر صور نصر الله على طرقات القرى بل تحتل مكانة خاصة في منازلها حيث يتباري الاهالي في عرضها وتزيينها وتأطيرها. ولا يقتصر حضوره على الصور بل يلازم مناصريه في كل شؤون حياتهم وعلى سبيل المثال لا الحصر، رنات الهواتف الخليوية التي تقتبس كلمات من خطبه. ويقول مفتي صور وجبل عامل السيد علي الامين «لا ننافسه (نصر الله) على حب الناس له، حب الناس له امر طبيعي ولكن اسباب الحب تختلف فمنها ما هو تأييد لحزبه او شخصه ومنها ما هو ارتباط بايران والقيادة الدينية». ويشرح «توجد لدى سماحة السيد مؤهلات ذاتية ومواصفات قيادية جعلت منه شخصية متميزة من قيادات الطائفة الشيعية، يضاف الى ذلك كونه الامين العام لـ«حزب الله» الذي يعتمد على قيادة جماعية مترابطة تقوم على التنظيم الصارم الذي تعطى طاعته بعدا عقائديا أي ان طاعة التنظيم هي من طاعة الله».

ويشير الأمين الى «الامكانات الكبيرة المتوافرة لدى حزب الله من مؤسسات خدماتية وتعليمية واعلامية مما يجعل الناس اكثر ارتباطا به فضلا عن العمل الثقافي الذي تخلت عنه المؤسسات الدينية والحزبية الاخرى عند الطائفة الشيعية مما جعل كل المسؤوليات في يد حزب الله».

ويرى مفتي صور، الذي تفرد بين قيادات الطائفة الشيعية في انتقاد الحزب بعد الحرب، ان «الجمهور يؤيد مشروع حزب الله اكثر من تأييده السيد وان كانت له مكانته المحترمة».

ويعتبر السيد الامين ان تجمع المسؤوليات كلها في يد حزب الله ساهم في صناعة الجمهور والقيادة «الا ان الثقافة وحدها لا تصنع السياسة ولا تصنع التأييد وللخدمات دور كبير في ذلك». من جانبه، يرى الشيخ ابراهيم شمس الدين، رئيس مؤسسة الامام محمد مهدي شمس الدين للحوار، ان حضور الامين العام لحزب الله الكبير في اوساط الطائفة الشيعية مرده بشكل اساسي لما لقضية المقاومة من اعتبار خاص في وجدان الناس. ويقول شمس الدين ـ وهو نجل الشيخ محمد مهدي شمس الدين الرئيس السابق للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ـ إن «حزب الله» يمتلك موارد تمكنه من ان يسيطر على مساحة كبرى من الحضور السياسي «عبر عنوان المال بشكل اساسي وسطوة القوة وهيبة وأحقية شعار المقاومة مما يظهر طغيانا شبه مطلق». أمين الجميل: حواري مع نصر الله «مونولوغ» مقابل «مونولوغ»

* يقول الرئيس اللبناني الاسبق امين الجميل الذي تعود معرفته بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الى فترة وجيزة، ان لقاءه الاخير به كان اشبه بـ«مونولوغ ثنائي» عرض فيه كل منهما رؤيته للامور من دون ان يتسنى لهما مناقشة الامور بالعمق.

يقول الجميل ان اللقاء المطول الذي جمع الرجلين وجها لوجه كان بعد اغتيال نجله وزير الصناعة السابق بيار الجميل «فكانت مناسبة لاشكره على لفتة كريمة بدرت منه» بعد حادثة الاغتيال. ويضيف الرئيس اللبناني الاسبق «لا شك ان السيد نصر الله محاور من الطراز الاول ولديه دوما حجج مقنعة ولكن في بعض الاحيان كان النقاش بيننا قاسيا اذ لدى كل منا تقويم مختلف للامور» مستدركا ان «الاهم انه كان حوارا ايجابيا».

ويقول الجميل الذي يعلق ان ثمة «زمالة» تجمعه بنصر الله لاعتبار ان كليهما فقد ابنا، «رغم الاختلاف بيننا، كان اتفاق على ضرورة الوصول الى قاسم مشترك لان كلينا يعرف ان احدا لا يمكنه ان ينقذ البلد بمفرده او ان يحتكره على حساب الاطراف الاخرى».

يصف الجميل اللقاء الذي جمعه بالامين العام لحزب الله بانه كان «مونولوغ من هنا ومونولوغ من هناك» شارحا ان اللقاء اقتصر على قيام كل من الرجلين بعرض وجهة نظره على ان يكون بداية لحوارات لاحقة.

ويقول «هذا اللقاء لم يكن كافيا لبدء البحث عن قواسم مشتركة، والظروف التي مررنا بها لم تسمح لنا متابعة الحوار فبقيت الامور معلقة».

ولكن هل لا يزال من مجال للحوار ام ان مواقف المعسكرين النقيضين وصلت الى حد اللاعودة؟ يقول الجميل «لا خيار لنا الا ان نجلس على طاولة حوار، كلما ازدادت الامور تعقيدا اصبحت الحاجة الى الحوار اكثر الحاحا، في بلد مثل لبنان لا احد يلغي الاخر».

ويشرح ان اللبنانيين سبق ان انقسموا سابقا على مشاريع كثيرة ثم عادوا والتقوا. ويضيف الرئيس اللبناني الاسبق «قدر لبنان ان نستمر نفترق على هذا الشكل ثم نلتقي، آمل ان يكون لقاؤنا هذه المرة نهائيا وثابتا».