حسين شريعتمداري لـ«الشرق الأوسط»: لم نأخذ رأي خامنئي في قضية البحرين.. واختلاف الآراء حولها طبيعي

البحرين تطلب تفسيرا رسميا من طهران ومتقي يزورها اليوم.. وانقسام في النخبة الإيرانية حول المقال

صحافية إيرانية تنظر الى عملية طلاء احدى السيارات التي
TT

قال حسين شريعتمداري مستشار المرشد الاعلى لايران آية الله علي خامنئي ورئيس تحرير صحيفة كيهان الايرانية «ان افتتاحيته في «كيهان» حول ان البحرين جزء من إيران تعبر عن وجهة نظره، موضحا في تصريحات لـ«الشرق الاوسط» انه لم يأخذ ضوءا أخضر من المرشد الاعلى خامنئي قبل نشر الافتتاحية التي اثارت جدلا كبيرا داخل وخارج إيران. وتابع شريعتمداري في اتصال بالهاتف من لندن أمس «لا.. لم نأخذ رأي المرشد الاعلى في الافتتاحية قبل النشر. لم نعتد على هذا في كيهان. لا في هذه القضية، ولا في غيرها من القضايا». وأوضح شريعتمداري ان افتتاحيته كانت بالاساس حول الجزر الثلاث المتنازع عليها بين الامارات وإيران، مؤكدا ان الاشارة الى البحرين جاءت في اطار التعليق على قضية الجزر الاماراتية. وأشار شريعتمداري الى ان الافتتاحية تعبر عن رأيه الشخصي، وان اختلاف الآراء حولها في إيران والخارج شيء طبيعي. وفيما قالت السفارة الايرانية في البحرين ان وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي سيعالج القضية خلال زيارة للبحرين اليوم، قالت مصادر ايرانية مطلعة لـ«الشرق الاوسط» ان المقالة «رد» على بيان وزراء خارجية ودفاع دول مجلس التعاون الخليجي، خلال اجتماعهم الاخيرة فى جدة والذي تضمن فقرات حول ازمة الجزر الثلاث من ضمنها دعم حق الإمارات في استعادة سيادتها على جزرها الثلاث، والتعبير عن الأسف لعدم إحراز أي تقدم في الاتصالات، المباشرة والإقليمية والدولية، التي تُجرى مع إيران. من ناحيته، قال مسؤول ايراني سابق لـ«الشرق الاوسط» ان مقالة شريعتمداري ربما تكون محاولة لتطبيق ما قاله خامنئي قبل فترة حول ان سياسة ايران الخارجية يجب ان تكون هجومية وليست دفاعية، موضحا ان خامنئي في كلمة علنية ألقاها وبثها التليفزيون الإيراني قبل أيام انتقد ضمنا حكومتي، الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، والرئيس السابق محمد خاتمي بسبب ان السياسة الخارجية في عهدهما كانت دفاعية، وليست هجومية.

وأوضح المسؤول الايراني، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته، ان البعض في إيران يعتبر مقالة شريعتمداري في غير محلها، موضحا انها تأتي في ظل تزايد الضغط الدولي على طهران بسبب ملفها النووي، منوها الى ان طهران لا تحتاج الى تعقيد علاقاتها مع دول الخليج العربي، خصوصا وان المنامة وطهران تربطهما علاقات وثيقة، وان وجود سفارة لايران في البحرين يعني ان ايران تعترف بالبحرين كدولة مستقلة ذات سيادة.

وأشار الى ان تصريحات شريعتمداري تعقد الامور بالنسبة لطهران والمنامة بسبب الاضطرابات الطائفية التي تحدث في البحرين بين الحين والآخر. وأوضح ان الشارع الإيراني ينظر الى الافتتاحية بشكل متباين، اذ كما يوجد لها مؤيدون من بين النافذين في التيار المحافظ، يوجد لها منتقدون من بين السياسيين الاصلاحيين الذين يرون انها تعقد علاقات طهران مع دول الخليج العربي.

وفي باريس، سعت البحرين للتقليل من أهمية تصريحات شريعتمداري. ووصف الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء البحريني هذه التصريحات بأنها «كلام غير مسؤول»، معتبرا أن ما بين بلاده وإيران «علاقات قائمة على الاحترام المتبادل» و«علاقات قوية مع جارة مسلمة». وكان رئيس الوزراء البحريني يتحدث في باريس لـ «الشرق الأوسط» ولوسيلتين إعلاميتين أخريين بمناسبة وجوده في العاصمة الفرنسية لافتتاح معرض «جائزة الشرف المتميزة التي منحت له في مجال الإسكان والتنمية الحضرية لعام 2006». وقال الشيخ خليفة إنه «لا يعطي أهمية بتاتا» لهذه التصريحات. وأكد أن البحرين «تنظر الى أبعد من هذه التصريحات»، موضحا ان البحرين «تريد أفضل وأقوى العلاقات مع دول المنطقة وتسعى الى تقوية المبادلات التجارية في ما بينها». ونوه رئيس الوزراء البحريني بتبادل الزيارات بين بلاده وايران.

وكان ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى قد سبق له وزار طهران. وشدد رئيس الوزراء البحريني على حرص بلاده على «حماية إنجازاتها» لجهة العلاقات التي أقامتها مع دول الجوار ومع الدول الأخرى وتمسكها بتقويتها وتطويرها.

وكان شريعتمداري قد قال في مقالته التي نشرت يوم 9 يوليو (تموز) الجاري ان البحرين محافظة من محافظات ايران وان البحرينيين يطالبون بعودة الجزيرة «لوطنها الام». وتابع شريعتمداري في مقاله: «الآن ووفقا للوثائق التي تؤكد على السيادة القطعية والحاسمة لإيران على الجزر الثلاث يجب ان نعود إلى السؤال التالي، أي ما هو الدافع الأساسي للدول الأعضاء في مجلس التعاون في الخليج الفارسي؟ وألم يكن دافع هذا الادعاء، شيئا غير هلعهم من الزلزال الذي أثارته الثورة الاسلامية ضد حكوماتهم القرووسطية (أي العائدة إلى القرون الوسطى) وغير المشروعة؟ وقد تم إنشاء جميع هذه الحكومات إثر التدخل المباشر للقوى الاستكبارية، حيث لم يكن للشعوب أي تدخل في تعيين حكوماتها وترسيم سياساتها واتخاذ قراراتها. كما ان جميع الحكومات الأعضاء في هذا المجلس متهمة من قبل شعوبها بالتعاون مع الكيان الصهيوني، او على الأقل غير مبالية إزاء جرائم هذا الكيان ضد الشعب الفلسطيني المظلوم».

وأضاف: «يعلم حكام هذه الدول جيدا انه لا يمكن ان تتحكم الأسر الحاكمة بمصائر الناس وتنهب ثرواتهم الوطنية في عصر اليقظة الاسلامية التي تعد الثورة الاسلامية نموذجا لها وبما أنهم يعلمون ان الزلزال الناجم عن نموذج الجمهورية الاسلامية سيؤدي إلى انهيار أنظمتهم غير الشرعية، وهم محقون في هذا الأمر، فقد اتخذوا العداء لإيران الاسلامية كهدف استراتيجي وهذا خيار خطير ليس لإيران، بل لاستمرار حكوماتهم».

وجاءت المقالة بعد 4 أيام من بيان وزراء خارجية ودفاع مجلس التعاون الخليجي في جدة تضمن فقرات حول ازمة الجزر الثلاث بين الامارات وإيران، جاء فيها «في ما يتعلق باستمرار احتلال الجمهورية الإسلامية الإيرانية للجزر الثلاث، طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى، التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، أكد المجلس الوزاري، مُجدَّداً، على مواقفه الثابتة، والمُتمثِّلة في ما يلي: دعم حق دولة الإمارات العربية المتحدة في استعادة سيادتها على جزرها الثلاث، طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى، وعلى المياه الإقليمية، والإقليم الجوي، والجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر الثلاث، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من دولة الإمارات العربية المتحدة. والتعبير عن الأسف لعدم إحراز أي تقدم في الاتصالات، المباشرة والإقليمية والدولية، التي تُجرى مع إيران، أو أية نتائج من شأنها الاسهام في حل القضية، وبما يُعزِّز الأمن والاستقرار في المنطقة. والنظر في كافة الوسائل السلمية التي تؤدي إلى إعادة حق دولة الإمارات العربية المتحدة في جزرها الثلاث. ودعوة جمهورية إيران الإسلامية إلى الاستجابة لمساعي دولة الإمارات العربية المتحدة، والمجتمع الدولي، لحل القضية، من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، أو إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية». وأثارت مقالة شريعتمداري غضبا في دول الخليج، وتسعى البحرين للحصول على تفسير من طهران. وقال مسؤول في وزارة الخارجية البحرينية، رفض الكشف عن اسمه لرويترز امس «ننتظر ردا رسميا من ايران على... مسألة شريعتمداري». كما ندد مجلس الشورى البحريني وهو المجلس الاعلى في البرلمان بالمقالة. وقال المجلس في بيان «بكل أسف تابع مجلس الشورى ما صدر عن ممثل مرشد الثورة الايرانية حسين شريعتمداري في صحيفة كيهان الايرانية بشأن مملكة البحرين». وأضاف البيان «واذ يعرب مجلس الشورى عن شجبه واستنكاره لهذه التصريحات غير المسؤولة ليدعو حكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية الى احترام مبدأ حسن الجوار وعلاقات الصداقة القائمة بين البلدين والشعبين الصديقين والمبادرة الى توضيح موقفها بشأن هذه التصريحات مع التأكيد على احترام الاعراف وقرارات الشرعية الدولية التي أكدت بشكل قاطع عروبة مملكة البحرين وسيادتها واستقلالها الوطني». كما دعا المجلس «حكومة مملكة البحرين الى التحقق من موقف الجمهورية الايرانية الاسلامية الرسمي من هذه التصريحات وذلك عبر القنوات الرسمية ووضع حد لعدم تكرارها حفاظا على الروابط الاخوية بين البلدين».

ولتدارك الازمة، قالت السفارة الايرانية في البحرين ان وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي سيعالج القضية خلال زيارة للبحرين اليوم الجمعة. وسيجتمع متقي مع وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، قبل أن يعقد الاثنان مؤتمرا صحافيا مشتركا صباح غد. وفيما كان مقررا أن يعقد وزير الخارجية البحريني أمس مؤتمرا صحافيا في البرلمان البحريني لتوضيح موقف بلاده من التصريحات الإيرانية. فضلت الدبلوماسية البحرينية إلغاء هذا المؤتمر الصحافي، بانتظار ما ستسفر عنه المباحثات مع الجانب الايراني، في زيارة وزير خارجية إيران.

وبحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» من العاصمة البحرينية المنامة، فإن الموقف البحريني الرسمي بقى متريثا في التصريح برد حكومي على المزاعم الايرانية، رغبة في معرفة الرأي الرسمي الإيراني، خاصة في ظل التطمينات المستمرة التي تقدمها إيران بأنها تحترم استقلالية وسيادة شعب البحرين وحكومته. وقالت المصادر أن الترتيبات كانت في اتجاه زيارة وزير الخارجية البحريني لبرلمان بلاده اليوم والالتقاء بلجنة الدفاع والخارجية، ثم عقد مؤتمر صحافي في مبنى البرلمان لتوضيح الرد الحكومي على تلك التصريحات. إلا أن الاتصالات الدبلوماسية كانت في الوقت نفسه عبر القنوات الدبلوماسية الايرانية في البحرين، وهو ما أسفر عن زيارة سريعة لمتقي. وأشارت المصادر الى أن البحرين، في الوقت الذي ترغب في عدم تصعيد قضية التصريحات وإشعال الازمة، فإنها تنتظر اعتذارا صريحا وتوضيحا مباشرا عن مسؤولية تلك التصريحات، من قبل وزير الخارجية الايراني. وواصلت الصحف البحرينية هجومها على تصريحات شريعتمداري. وهاجمت صحيفة «الأيام» في افتتاحيتها الحكومة الايرانية بسبب صمتها عن توضيح موقفها من تصريحات شريعتمداري، مستغربة من ما سمته بـ«الصمت والتهرب الذي تبديه الحكومة الايرانية تجاه التصريحات الاستفزازية التي اطلقها حسين شريعتمداري ممثل المرشد الايراني». واعتبرت أن هذه التصريحات تشكل اهانة للبحرين وشعبها واساءة للعلاقات بين البلدين. وأكدت الصحيفة على ان اصرار البحرين على مطالبة القيادة الايرانية بتوضيح موقفها من هذه التصريحات اللامسؤولة، كما سمتها، يأتى «من رغبتها الحقيقية في تثبيت مبادئ حسن الجوار التي تؤمن بها وحرصها الدائم على ألا يشوب العلاقات بين الشعبين البحريني والايراني أية شائبة وتعزيزا لحالة السلم والأمن والاستقرار لمنطقة الخليج التي لا تتحمل المزيد من التوتر وحالة عدم الاستقرار».

من ناحيته، فرق أبو القاسم وفائي المتحدث باسم السفارة الايرانية في المنامة بين السياسة الايرانية وتصريحات شريعتمداري، قائلا: انه لا يقدم المشورة للزعيم الاعلى الايراني في السياسة الخارجية. وأضاف «هذا المقال يعبر فقط عن رأيه الشخصي ولا صلة له بأي مسؤول. هذا الرجل صحافي وليس مستشارا في السياسة الخارجية».