الـ«سي.آي.أيه» أطلعت إدارة بوش قبل عام: الحكومة العراقية.. غير قابلة للإصلاح

أكدت أن إيجاد حكومة عراقية قادرة على الحكم والبقاء وحماية نفسها.. لا يمكن إنجازه على المدى القصير

صورة لمشهد عنف عراقي التقطها نمير نور الدين، 22 عاما،
TT

التقى في وقت مبكر من صباح 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 أعضاء مجموعة دراسة الوضع في العراق، المكونة من أعضاء في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في «غرفة روزفلت» للاجتماعات بالبيت الأبيض. +استمع أعضاء اللجنة على مدى ما يزيد على الساعة لحديث الرئيس بوش وتقييمه لوضع وأداء الحكومة العراقية، مدافعا عن رئيس الوزراء نوري المالكي. وقال ان «نظاما دستوريا» بدأ في الظهور في العراق. في وقت لاحق من ذلك الصباح، وحول نفس الطاولة، التي جلس حولها أعضاء اللجنة، تحدث مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، مايكل هايدن، مخاطبا أعضاء اللجنة عن واقع مختلف تماما في العراق. قال هايدن ان «عجز الحكومة العراقية عن الحكم يبدو واضحا تماما»، وأضاف قائلا انه لا يستطيع ان يشير الى أي شيء يمكّن الولايات المتحدة من تغيير هذا الوضع الى عكسه، طبقا لملاحظات دوّنها ستة من المشاركين في ذلك اللقاء، خلال تلخيصهم للحديث الذي ادلى به هايدن. خلص هايدن الى ان الحكومة العراقية عاجزة عن الحكم، وتبدو غير قابلة للاصلاح، وأضاف قائلا: ان الولايات المتحدة بذلت الكثير من الطاقات والأموال لإيجاد حكومة متوازنة في العراق، إلا ان هذه الحكومة عاجزة عن العمل. وقال معلقا في ذات السياق، ان ايجاد حكومة عراقية قادرة على الحكم والبقاء وحماية نفسها أمر لا يمكن انجازه على المدى القصير. الصورة القاتمة، التي عكسها هايدن في حديثه حول تقييم الوضع في العراق، بعد اسبوع فقط من خسارة الجمهوريين لأغلبيتهم في الكونغرس وغداة إقالة بوش لوزير دفاعه السابق دونالد رامسفيلد، تعد لحظة حاسمة وبالغة الأهمية في إطار جهود اللجنة الحزبية المشتركة حول تقييم الوضع في العراق، وسعيها المكثف للوقوف على مختلف جوانب الحرب في العراق. وساعدت الصورة التي رسمها هايدن للواقع في العراق في صياغة الخلاصة التي ضمنتها اللجنة تقريرها النهائي، الذي خلص الى ان الوضع في العراق «متدهور وخطير». خلال الشهور الثمانية التي اعقبت ذلك اللقاء، لم يصف هايدن او أي من كبار مسؤولي ادارة الرئيس جورج بوش الحكومة العراقية علنا باستخدام المفردات السابقة، التي استخدمها مدير وكالة الاستخبارات المركزية في التنوير، الذي ألقاه وراء أبواب مغلقة أمام أعضاء اللجنة المشتركة حول دراسة الوضع في العراق. سحب التأييد لرئيس الوزراء نوري المالكي، ما لم يثبت وجود تقدم كبير في الوضع الأمني والمصالحة الوطنية، واحد من ضمن 79 توصية قدمتها اللجنة للرئيس بوش. كما اوصت اللجنة ايضا بتحويل المهمة الرئيسية للقوات الاميركية من القتال الى تدريب أفراد القوات العراقية بغرض سحب الوحدات القتالية الاميركية مطلع العام المقبل. تقرير اللجنة المشتركة، التي شارك في رئاستها وزير الخارجية الاميركية الاسبق جيمس بيكر وعضو الكونغرس السابق عن الحزب الجمهوري لي هاميلتون، كان في واقع الأمر رسالة عاجلة من مؤسسة واشنطن القديمة الى ادارة بوش بغرض حملها على تغيير وجهة سياستها إزاء العراق. إلا ان بوش لم يتبن أيا من التوصيات الرئيسية في بداية الأمر، على الرغم من ان هيئات حزبية مشتركة في مجلسي النواب والشيوخ ادخلت في الآونة الأخيرة تشريعا من المحتمل ان يجعل هذه التوصيات جزءا من السياسات الرسمية للولايات المتحدة. بدلا عن ذلك، اعلن الرئيس بوش في يناير (كانون الثاني) الماضي انه بصدد إرسال قوات إضافية الى العراق كجزء من خطوة قال انها ستؤدي الى تحقيق الانتصار المرجو في العراق. وكان بوش والجنرال بتراوس، قائد القوات الاميركية في العراق، قد اعلنا مكررا انه لن يكون هناك حل عسكري في العراق وان النزاع الطائفي والتمرد لا يمكن حلهما إلا بواسطة الحكومة العراقية. وصف هايدن لعجز الحكومة العراقية يسلط بعض الضوء على تحليل وكالات الاستخبارات لحكومة المالكي وللوضع على الارض في العراق. إذ قبل خمسة أيام من الإدلاء بشهادته، كتب مستشار شؤون الأمن القومي الاميركي، ستيفن هادلي، مذكرة الى الرئيس بوش تضمنت شكوكا في قدرة المالكي على لجم العنف في العراق، إلا ان تقييم هادلي لم يكن قاتما مثل تقييم هايدن للمالكي وحكومته. تصريح بوش المتفائل لأعضاء اللجنة المشتركة لم يعكس وجهة نظر مدير وكالة الاستخبارات المركزي، إلا ان تصريحا آخر من وزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، التي ادلت بإفادتها أمام اللجنة في نفس اليوم اخذت هذا الأمر في الاعتبار، إذ لدى سؤالها بواسطة عضو اللجنة وقاضية المحكمة العليا السابقة ساندرا داي اوكونر ما اذا كانت على علم بالتقييم السلبي للوضع في العراق من جانب وكالة الاستخبارات المركزية، أجابت كوندوليزا رايس قائلة: «نحن على علم بالتقييم المظلم»، لكنها أضافت بسرعة: «إلا أن الأمل موجود».

المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية، مارك مانسفيلد، شكك من جانبه في الإفادة التي نسبت الى هايدن، وقال ان ما اورده هايدن «لا يعكس بدقة ما قاله في اجتماع اللجنة، ولا يعكس وجهة نظره في ذلك الوقت او في الوقت الراهن». وقال مسؤول استخباراتي اطلع على ما قاله هايدن أمام اللجنة ان تقييمه لا يبعث على التفاؤل واعترف بأن هايدن أشار الى استحالة معالجة الوضع في الوقت الراهن، مؤكدا انه اراد القول ان وضع الحكومة العراقية الحالي من المستحيل علاجه على المدى القصير بسبب النظرة العامة للكثير من قادة الحكومة العراقية، التي جاء تشكيلها على اساس طائفي، وأنها قائمة اصلا على اساس التوازن الاثني والديني وليس على اساس الكفاءة أو الاهلية. إلا ان مسؤولا استخباراتيا رفيع المستوى اكد على التفاصيل الواردة في تقييم هايدن بشأن الحكومة العراقية، وقال ان المعلومات الواردة من العراق هذا الشهر اثبتت ان حكومة المالكي لا تزال غير قادرة على تنفيذ القرارات وحكم البلاد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»