عام على حرب الصيف (الحلقة السادسة) ـ نساء حزب الله

«أم الشهيد»: أبكي أحيانا لكنني سعيدة * أب: مؤسسة الشهيد تتولى كل أمورنا من طبابة ودراسة وسكن ورواتب خاصة * والدة مقاتلين: أحمد الله أن أبنائي لم يقتلوا .. ليحاربوا من جديد * الهيئات النسائية تعد الساحة الخلفية للقتال * عائلة «الشهيد» تركب نسقا سياسيا يناسب حزنها وتعتبر السلام خيانة له

مظاهرة لمناصرات لحزب الله في النبطية جنوب لبنان (أ ب)
TT

في سيارة الأجرة التي راحت تعبر بنا احد احياء الضاحية الجنوبية، جلست في المقعد الخلفي متشحة بالسواد تراقب المارة بصمت وتتمتم بآيات من القرآن والدعاء. التفتّ اليها من مقعدي الامامي وقلت لها «مبروك استشهاد ابنك يا حاجة». نظرت الي ثم انفجرت بالبكاء وراحت تردد «تقولون لي مبروك، مبروك، انا خسارتي كبيرة، لا شيء يعوضني». تدخل سائق سيارة الاجرة ليقول للسيدة الطاعنة في السن التي راحت تكفكف دموعها بمنديلها «ولو يا حاجة، يجب ان تكوني سعيدة، انت أم الشهيد، ابنك شهيد في الجنة». تراجعت لهجة الاستياء لدى هذه الام التي فقدت ابنها في معارك احدى القرى الحدودية في حرب الصيف الماضي لتحل محلها لغة الامر الواقع «طبعا انا فخورة به ولكنني اشتاق اليه كثيرا، لو استطعت لنزعت لقمة الطعام من فمي وقدمتها له» قالت وعادت الى بكائها الصامت.

قد لا يختلف حزن «ام الشهيد» التي التقيت بها صدفة في سيارة الاجرة عن حزن اولئك اللواتي خرجن على شاشات الاعلام العربي والعالمي يرددن انهن «سعيدات باستشهاد اولادهن» وان خسارة فلذات الاكباد ليست سوى «فداء للسيد» (حسن نصر الله)، حتى باتت أمومة هذه السيدات موضع تساؤل: من هي هذه الام التي تقدم ابنها «للشهادة» وتحتفل بموته وفي بعض الاحيان تلبسه بنفسها عدة القتال وترسله الى ساحة المعركة وكأنها ترسله الى مقاعد الدراسة؟

* بالنسبة للحاجة ام محمد سرور التي كان ابنها من اوائل قوافل «شهداء» حزب الله، لا تثير كلمة «مبروك» ردة فعل تذكر وهي التي اعتادت على سماعها وباتت منسجمة تماما مع دورها كـ«أم الشهيد».

تقول الحاجة التي قضى ابنها في احدى عمليات حزب الله عام 1988 «انا مثل أي ام أفتقد ابني وأبكي احيانا لساعات لكنني أراه في رفاقه في الحزب. أفرح كثيراً عندما يأتي شباب الحزب لزيارتي، أحب لو يأتون كل يوم».

على مدخل المنزل، علقت صورة للشاب وفي الداخل صور لـ«شهداء» العائلة جنباً الى جنب مع صور الافراح والمناسبات العائلية، بينها صورة كبيرة لآخر «شهداء» العائلة التي تفخر بأنها قدمت عددا لا يستهان به من الشهداء.

تقول ام محمد «لا تصدقي ان هنالك اماً لا تنقهر لفقدان ابنها ولكن الله يلهمها الصبر» ويردد الوالد «الحمد لله، لقد بيّض لنا وجهنا» ويضيف «يقول الامام الخميني يا ليتني ترابا تحت قدمي آباء وأمهات شهداء جنوب لبنان».

يقتصر تعبير «ام الشهيد» على حزنها على فقدان ابنها في حدود كلام بسيط ومقتضب رغم تكراري السؤال في حين يحتل الكلام عن معنى هذا الاستشهاد المساحة الاكبر.

تقول «عندي سبعة شباب منتسبين الى الحزب وأقول يا ليت كل اولادي يستشهدون مثل أخيهم».

يروي لي الوالد ان ابنه «درج على ان يقرأ القرآن طوال الليل ويبكي قائلا انه يريد ان يستشهد الى ان حقق الله حلمه». ويذكر ان ابنه، وكان آنذاك في العشرينات من عمره، تلقى تدريبا عاليا على يد الحرس الثوري الايراني وكان مسؤوله يطلب من العائلة ان لا تثير الانتباه له.

يسألني الوالد: هل تعرفين ماذا فعلت عندما اخبروني ان ابني استشهد؟ اصمت بانتظار الاجابة التي تأتيني من دون كلام: ينحني الرجل مقبلا الارض.

تقول «ام الشهيد» ان لها مقاما خاصا عند الناس فهم يحترمونها بما يفوق العادة كما انها موضع اهتمام ورعاية الحزب اذ تدعى باستمرار لزيارات دينية في سورية وإيران. وتكرر ان «المسؤولة في الحزب» غالبا ما تقودها بيدها في الاحتفالات لتجلسها في الصف الاول من الحضور.

تقول «لا تصدقي ان ام الشهيد غير سعيدة، صحيح انها تبكي احيانا لكنها سعيدة»، ويعلق زوجها «لا تنسي يا ابنتي اننا مضمونون من كل النواحي، مؤسسة الشهيد تتولى كل امورنا من طبابة ودراسة وسكن ورواتب خاصة، لا يدعونا نحتاج شيئا».

في متجرها الصغير في عيتا الشعب، لا تفهم «شقيقة الشهيد» مريم سرور ترددي بين تهنئتها او تعزيتها بوفاته. وتصرخ بي وأنا مترددة بين التعبيرين: «لمَ أنت مستغربة؟ تباركين طبعا...». تقول مريم «انا مرتاحة جدا، لا اقلق على أخي او اسأل ان كان في حالة جيدة ام لا، أقول هنيئا لتراب قدميه لأنه في الجنة». وتشرح «بكيت على ابن عمي الذي توفي بشكل طبيعي لأني لا اعرف ما اذا كان في الجنة أم لا، لكني واثقة ان اخي الشهيد ذاهب عند الحسين وستنا فاطمة فلا ابكي عليه بل احسده».

لكنها تستدرك «فرقته صعبة بالطبع، لكن في داخلي شعورا دائما بالفرح وعزة النفس، أنا ارفع رأسي لان اخي شهيد ومن لا شهيد لها لا ترفع رأسها».

تتدخل ابنت عمها زينب التي قضى اخوها في المعركة الاخيرة وتقول «يعتقدون ان هؤلاء الشباب معقدون ويريدون الموت لكنهم في الحقيقة متعلمون وخريجو افضل الجامعات».

وتضيف «لديهم فكرة مخطئة عن مجتمعنا، يعتقدون ان النساء عندنا معقدات وأنهن لا يتحدثن الى رجل وهن ممنوعات من أي شيء ولكن في الحقيقة حياتنا ليست على هذا الشكل».

أقول لها ممازحة «انت فعلا افضل محامية لحجة حزب الله، لم لا تترشحين للنيابة او العمل البلدي؟»، فتجيبني «لم أترشح انا وعندنا افضل الرجال؟».

تروي زينب انها ونساء العائلة طلبن حمل السلاح والقتال في حرب الصيف الماضي الا ان دورهن اقتصر على اعداد الطعام للمقاتلين.

تقول زينب «طلبنا من الشباب ان نساعدهم في القتال وقلنا لهم: لمَ تحملون السلاح ونحرم نحن من ذلك؟ كان الجواب ان الحرب للرجال اما النساء فهن لإعداد الطعام وتأمين حاجيات الشباب».

وتضيف الشابة التي تولت مع زميلاتها طهو الطعام للمقاتلين في الايام الاولى للمعركة «السبب هو ضرورة الحفاظ على كرامة الشابة عندما تموت أي ان لا يكشف غريب على جثتها فالجثة قد تبقى اياما في ارض المعركة او يأخذها الاسرائيلي...». لكنها تؤكد انه «اذا صدر تكليف شرعي بنزول المرأة الى ساحة القتال فنحن مستعدات، ننزل جميعا...».

لا تخفي مريم وزينب افتخارهما برجولة شباب الحزب الذين يبدون في صورة الحارس الامين على نساء البلدة. تقول مريم «نحن ننام وأبوابنا مفتوحة لأننا نعرف من يحرسنا، اذا اقترب أي شاب غريب من امرأة يسحبون له قلبه».

في بلدة الخيام، تقول زوجة فران البلدة انها هي ارسلت زوجها واثنين من اولادها ليقاتلوا في صفوف حزب الله في حرب الصيف الماضي.

تقول ربة الاسرة الوافرة العدد «انا أرسلتهم ليقاتلوا وأقول الان أن أي طفل يجب ان يبدأ التعلم على السلاح منذ سن العشر سنوات ليدافع عن ارضه». اقول لها الا تخشين على اولادك فتجيبني «هل هنالك أم في العالم لا تخاف على اولادها؟ ولكن هل اخاف على اولادي ولا أخاف على اولاد غيري؟».

تروي الوالدة التي بقيت تحت القصف في البلدة الى ان نقلتها سيارات الصليب الاحمر «كنت اجد دوما طريقة للاطمئنان عنهم وعرفت أن زوجي وابني الاول لا يزالان على قيد الحياة لكني لم اطمئن على ابني الثاني الا بعد يومين من انتهاء المعارك» لكنها تستدرك «كان قلبي مطمئنا في جميع الاحوال». أقول لها «حمدا لله على عودة ابنائك بالسلامة» فترد «أقول الحمد لله لانهم عادوا ولكن لو استشهد احدهم لكنت سأقول ايضا الحمد لله». وتضيف «اقول الان الحمد لله انهما لا يزالان على قيد الحياة حتى يحاربا من جديد».

في باحة المدرسة الرسمية في بلدة الخيام، تجمع حشد كبير من الاطفال وأمهاتهم في حفل بسيط نظمته جمعية اهلية اجنبية.

أقترب من احدى الامهات وهي تلاحق ابنها في تحركاته واسألها هل سيذهب ابنك يوما ما الى الجهاد؟ تستغرب هذه السيدة الانيقة السؤال ثم تجيب بعد تردد قصير «أسوة بغيره».

اعود فأسألها«الا تخافين على ابنك؟ فتعيد الجواب نفسه بعد تردد بسيط: «أسوة بغيره». تقول «اولادي كانوا يمضون الوقت يتابعون اخبار الحرب على التلفاز، صارت الحرب في دمهم، صار جسمهم مقاوم». وتسأل طفلها ذا الاعوام المعدودة الذي وقف يستمع الى حديثنا «من قائدك؟» فيجيب «قاِئدنا نصر الله».

تروح جارتها التي تهدم منزلها في الحرب تروي وهي تمسك بيد طفلة محجبة تبلغ التاسعة من العمر، ما عانته في الحرب الاخيرة من خوف وتهجير لتقول لي اخيرا في صوت منخفض يشبه الهمس «انا ام لعميلين».

وتشرح «احدهما سجن ثلاثة اعوام والآخر لا يزال في إسرائيل» شارحة ان تواصلها مع الاخير يقتصر على اتصالات هاتفية «نقول فيها الضروري فقط».

تتجنب هذه الوالدة الحديث عن وضع ولديها الا انها تقول انها لم تلق معاملة سيئة من حزب الله. تقول «كنت اول من نودي باسمه لقبض المال الذي وزعوه لمن تهدم بيته عندما قصدت مكتبهم بعد الحرب... وأنا ام العميلين». يحتل مفهوم «الشهادة» مركزا جوهريا في خطاب حزب الله وآلياته. وقد درج الحزب في مرحلة متقدمة على ان يعلن عن «شهدائه» في سير يروي فيها مسار «الشهيد» في نشأته فضلا عن الدورات التدريبية التي اخضع لها والمعارك التي شارك فيها وزياراته للعتبات المقدسة...

ولعل «استشهاد» ابن الأمين العام لحزب الله هادي نصر الله في احدى المعارك في سبتمبر (ايلول) 1997 هو في سن الثامنة عشرة، منح هذا المعنى مساحة اكبر فبات لا يستثني ابن القائد الذي يقضي في المعركة «أسوة بغيره».

والى سير الشهداء جاءت في مرحلة لاحقة ايضا الزيارات الى منازل ذويهم التي يقوم بها الامين العام للحزب وبعضها في حضور الاعلام. ويروى ان نصر الله زار عائلة من آل الاشمر في بلدة العديسة بعد «استشهاد» ابنها وهو ثاني ابن للعائلة يقتل في المعارك، فما كان منه لدى دخوله المنزل الا ان خاطب والد المقاتل قائلا «انت أرفع مني مرتبة، انت تحمل نجمتين وانا احمل نجمة واحدة» في اشارة الى خسارته ابنا واحدا في المعارك في حين ان والد المقاتل فقد اثنين من ابنائه فيها.

تقول الكاتبة والباحثة عزة شرارة بيضون ان «استشهاد» احد افراد العائلة يبدل حياتها اذ يصبح هذا الحدث محور حياة العائلة. وتشرح «من مقتضيات تبجيل سيرة الابن ان تظل الحرب متواصلة اذ يبدو السلام وكأنه خيانة للشهيد»، مضيفة ان العائلة غالبا ما «تركب بناء سياسيا يوافقها ويوافق حزنها على فقدان ابنها».

غير ان «والدة الشهيد» التي تمثل العنصر الابرز في هذا النسق تعيش لحظتين متباينتين، كما تقول الكاتبة والباحثة دلال البرزي: لحظة خارجة عن الاطار الفردي تتمحور حول الهدف الارفع للموت واللحظة الفردية المرتبطة بخسارتها الشخصية بوصفها اما.

وتقول صاحبة كتاب «اخوات الظل واليقين» الذي يبحث في سيرة نساء اسلاميات بينهن عاملات ومسؤولات في حزب الله «ان حزن هؤلاء الامهات على اولادهن امر لا مجال للشك به الا ان الخروج بمشاعر سلبية تجاه اولادهن يعني انهن ينفين أي قيمة لما قاموا به وتلك القيمة المعنوية هي على درجة كبيرة من الدعم لأمومة النساء اذ تساعدهن على تحمل الخسارة».

تقول «لم اقرأ شيئا عن معاناة امهات الشهداء الخاصة لفقدان اولادهن وهو كلام لا يخرج عادة حتى في الدوائر الخاصة المغلقة لكنني احدس ان في دواخلهن نزيفا من الحزن تأتي الايديولوجيا لتخفف منه».

خلف نموذج «أم الشهيد» المحوري، تأتي تجربة الناشطات الحزبيات اللواتي يشكلن رأس حربة التعبئة في صفوفه. وتشكل شبكة الهيئات النسائية لحزب الله، وهي بنية ضخمة شديدة التنظيم، الحاضنة الاساسية لبيئة المقاومة. وفي هذا الاطار، يأخذ دور نساء الحزب مساحة كبيرة في التعبئة والتجييش والتوجيه، ما يمنح هذا الدور معنى سياسيا غير مباشر ولو انه يغيب عن السياسة بمعناها التقليدي.

لم تنضو نساء الحزب حتى الان في العمل العسكري ويكرر مسؤولو الحزب ان لا حاجة لوجودهن في ساحة المعركة. وقد اقتصر دور نساء حزب الله في علاقتهن بميدان القتال على دور الاسناد عبر المساعدة في نقل السلاح والمعلومات والرسائل وغيرها من نشاطات الرصد والاتصال.

في هذا الاطار، تتولى النساء تهيئة الساحة الخلفية للحرب من تعبئة الناس ومساعدة العائلات التي يستشهد احد افرادها بما يجعلها بمثابة نسق تنظيمي مدني متماسك ودقيق جدا لصناعة مجتمع متوائم مع ايديولوجيته، كما تقول الكاتبة دلال البرزي.

في المؤتمر الاخير لحزب الله في اواخر عام 2004، اقر المؤتمرون توصية تقضي بتعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي المباشر عبر تمثيلهن بالمؤسسات السياسية فكان تعيين ريما فخري اول عضو في المجلس السياسي للحزب كما ذهب الحزب الى ترشيح نساء في الانتخابات البلدية. وقد تميزت اقلام الاقتراع في المناطق ذات الوزن الشعبي لحزب الله بحضور كثيف لمندوبات الحزب وضعن شارته الصفراء ورحن يتولين توجيه الناخبين وحشدهم. الا ان فتح الباب امام مشاركة النساء في العمل السياسي الذي انعكس حضورا اشد بروزا للنساء، لم يبلغ بعد مبلغه حد ترشحهن للانتخابات البرلمانية، رغم الحديث عن عدم وجود موانع فكرية او دينية داخل الحزب امام ووصول النساء الى مراكز قيادية. تقول منى حرب الباحثة في شؤون حزب الله ومؤسساته والاستاذة في الجامعة الاميركية في بيروت ان الدور الذي تقوم به نساء حزب الله هو سياسي بامتياز وخصوصا لكونه عملا تطوعيا أي ان المتطوعات يعملن على نقل افكار الحزب كما ان قيادة الحزب تعترف باهمية هذا الدور. وتربط حرب بين الدور الذي تقوم به نساء الحزب وتماهيهن مع صورة السيدة فاطمة الزهراء والسيدة زينب لما لهما من دور اساسي في سيرة عاشوراء.

وتوافقها الرأي الصحافية منى سكرية التي ترى ان حضور النساء في حزب الله بات اكثر وضوحا في العامين الاخيرين. وتشير الصحافية القريبة من نشاطات الحزب الى ان الهيئات النسائية في الحزب باتت تقوم بنشاطات مختلفة مثل زيارة مؤسسات مسيحية لمناسبة الاعياد باللباس الشرعي وهو امر لم يكن معهودا في السابق.

أول امرأة في المكتب السياسي للحزب: في ساحتنا نساء

* تبادرني ريما فخري، أول امرأة عضو مكتب سياسي في حزب الله لدى سؤالها عن تمثيلها للنساء في المجلس «صراحة، لا يهمني أن أناقش دور المرأة في المكتب، لا يعني لي كثيرا، ما يعنيني هو الكفاءة». ولكن ألا تخشى أن يكون تعيينها في هذه الهيئة ذات النفوذ من باب التجميل لصورة الحزب؟ تقول «طرحت طبعا السؤال على نفسي، فأنا لا أرضى أن أكون لزيادة العدد، لكن الله وفقني وأعتبر أنني بمستوى الأكثرية من الإخوة في المكتب السياسي».

ترد فخري وهي مهندسة زراعية من خريجي الجامعة الأميركية في بيروت وتبلغ من العمر 41 عاما، تأخر الحزب في تمثيل نسائه في بناه السياسية الى «ظروفه الخاصة».

وتقول هذه الأم لأربعة أولاد «نشاط المرأة انطلق مع انطلاقة الحزب ولا مشكلة تنظيمية تمنعها من التصدي لمسؤوليات قيادية. إلا أن اعتبارات لها علاقة بالمرحلة وأولويات أوضاعنا الأمنية حالت دون ذلك».

تروي فخري التي كانت مسؤولة الهيئات النسائية في بيروت قبل تعيينها في هذا المنصب ويعود نشاطها في الحزب الى 25 عاما، أنها كانت في عداد فريق تشكل للبحث في تولي النساء مسؤوليات على مستوى ارفع تنظيميا وتم اختيارها لهذا المنصب. تصف فخري نفسها في اطار الهيئة السياسية للحزب التي تضم 17 الى 18 عضوا أنها «مثل أي أخ سواء بالنقاش والتحليل أو تقديم المقترحات» في إطار ما يسمى بلجنة التحليل السياسي في المكتب. ولكن ما الذي غير وجودها في المكتب السياسي وهل أضفت عليه لمسة أنثوية خاصة؟ تجيب «كوني أنثى مسألة لا تطرح، ولكن بات لدينا اقتناع اكبر بأن في ساحتنا نساء قادرات على التصدي للعمل السياسي».

وتشرح «بات هنالك نظرة ايجابية اكبر لعمل المرأة السياسي وبات لدى المسؤولين والقيمين على الحزب اقتناع اكبر بأن الكفاءات ليست محصورة بالرجال».

وتستنتج «لم نعد في طور التجربة، لقد شاهدنا بأم العين كفاءة نسائنا».

ولكن ما السبب في عدم ترشيح الحزب امرأة للنيابة وهو الذي رشح نساء للمجالس البلدية؟ تقول «ظروفنا في الأساس ليست ظروف حزب عادي. في حال أجريت انتخابات قريبا، قد نرى أختا أو أكثر مرشحة على قوائم حزب الله. نحن مستعدون لذلك». مسؤولة الهيئات النسائية في بيروت: امرأة تعي أهمية المقاومة

* تتوقف خديجة سلوم مسؤولة الهيئات النسائية في حزب الله لمنطقة بيروت والضاحية الجنوبية والجبل عند تعبير تحب ترديده: امرأة سليمة، مجتمع سليم.

وتقول هذه الام لأربعة اولاد والبالغة من العمر 38 عاما، ان عمل الهيئات النسائية يركز بشكل خاص على اعداد امرأة مثقفة وواعية لتمكينها ثقافيا ودينيا شارحة ان ما يميز عمل هذه الهيئات النسائية هو اعتمادها على جهاز من المتطوعات غالبيته العظمى من الشابات. وتقول سلوم ان عدد هؤلاء المتطوعات يزيد او ينقص بحسب المواسم الا انه يراوح حول 500 متطوعة من مختلف الاعمار والاختصاصات.

تشرح «مصداقيتنا مع الناس تجعلهم يتطوعن، نقول للسيدة ان لديها طاقة وبإمكانها ان تقدمها لخدمة مجتمعها». وبحسب المسؤولة، فإن الالتزام الديني اساسي في قبول المتطوعات الا ان الحاجة الى بعض الاختصاصات قد يسهل قبول السيدات غير المحجبات كالطبيبة او الاختصاصية في شؤون البيئة. وتقول «نعمل انطلاقا من فهمنا لدور المرأة التي تعي ابعاد المقاومة ودورها وانه لولا هذه المقاومة لكنا اليوم مثل الشعب الفلسطيني المشرد».

وتروي سلوم ان وعي النساء خلال حرب الصيف الماضي شكل عاملا اساسيا في الصمود. فتقول «اذكر انني سألت امرأة سبعينية نزحت الى احدى المدارس ما اذا كانت تحتاج الى مساعدة فأجابتني: انا أفضل ان ابقى بعيدة عن قريتي وبيتي على ان ننهزم وننكسر امام اسرائيل».

وتشرح ان ثمة لجنة خاصة تعنى بعوائل الشهداء لجهة نقل خبر استشهاد الابن ومواساة العائلة ومساعدتها على تخطي محنتها.

تقول سلوم «فوجئنا لدى زيارة عائلة شهيد مهجرة خلال الحرب بردة فعلها وكنا محتارين كيف ننقل لها الخبر. قال الوالد: لي الشرف ان ابني استشهد بمواجهة العدو، انا مستعد ان اقدم المزيد لنحفظ كرامتنا».

تؤكد سلوم ان عائلة الشهيد تشعر بحزن كبير على فقدانه الا ان «فهمها لمغزى الشهادة ودورها الايجابي يخلق ردة الفعل الايجابية فضلا عن الدور الذي نلعبه في ابراز موقف الاسلام من القضية».

وتضيف «المجاهدون نفسهم يربون عائلاتهم فهم يطلبون في وصاياهم من امهاتهم ان لا يبكين وان يذكرن السيدة زينب وأن يقلن كما قالت: تقبل منا هذا القربان».