عسكريون أميركيون: جيش المهدي .. يتولى دور الحكومة في المناطق الشيعية

قالوا إنه العدو الأول في غرب بغداد ويمتلك قنابل خارقة للدروع وهاونات وأسلحة أوتوماتيكية.. والصدر يلعب دورا أكبر من حجمه

TT

تسلل فصيلان بعد منتصف الليل، عبر حي العامل الواقع في جنوب غربي بغداد، وحينما وصل جنودهما بعرباتهم المدرعة من نوع همفي وبرادلي إلى الدور المشتبه بها لقادة الميليشيا الذين كانوا موضع مطاردة اختفت العتمة التي تغلفت عمليتهم بها، ليغرق ذلك المكان بمصابيح النيون الصارخة.

قال الكابتن شون ليونز آمر السرية التي نفذت العملية مفسرا ذلك: «هذه المنطقة بأكملها هي تحت هيمنة جيش المهدي. إنه يسيطر على توزيع الكهرباء فيها». وفي حي رشيد الغربي الذي تبلغ مساحته حوالي 10 أميال مربعة، يسيطر جيش المهدي أيضا على سوق العقارات ومحطات الوقود وولاء الكثير من سكانه له، حسبما قال جنود من الكتيبة الأولى من فرقة المشاة الأولى. ويمتلك أفراد جيش المهدي القدرة على مهاجمة الأميركيين بقنابل خارقة للدروع وقنابل الهاون والأسلحة الاوتوماتيكية والقنابل اليدوية. في الوقت نفسه يلعب الجناح السياسي لحركة الصدر التي يقودها رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر دورا أكبر من حجمها في الحكومة الوطنية.

ويدحض حي رشيد الغربي ما كان يردده مسؤولون عسكريون أميركيون من أن هذا الحي هو تحت هيمنة مجموعة من تنظيم القاعدة في العراق. وإذا كانت هناك علامات على أن هذا التنظيم كان ناشطا في المنطقة لفترة ما، فإن جيش المهدي تمكن من تغيير تركيبة المنطقة عن طريق طرد السنة وقتلهم بطرائق وحشية ومنع أي خدمات أولية عن أولئك الذين قرروا البقاء. ووصف الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في العراق، المنطقة بأنها «واحدة من ثلاث أو أربع مناطق ما زالت تشكل تحديا في كل بغداد».

وعادة تكون هيمنة الميليشيات الشيعية في المناطق الواقعة شرق بغداد مثل مدينة الصدر، بينما يعيش في المناطق الواقعة غرب نهر دجلة وجنوب مطار بغداد عدد كبير من السنة. وقبل عام قدر الجنود الأميركيون نسبة السنة في هذه المناطق بحوالي 80% من السكان، بينما كان الشيعة يشكلون حوالي 20%. لكن هذه النسبة انقلبت الآن بعد جهود منتظمة لتطهير هذه المناطق من السنة، حسبما قال مسؤولون عسكريون أميركيون. وهناك كتابات على الجدران تقول: «كل هذه الأرض هي كربلاء، وكل يوم هو عاشوراء».

ويبدو أن هجمات جيش المهدي المتحدية على الجنود الأميركيين تناقض الفكرة القائلة إن جيش المهدي يسعى إلى إخفاء نفسه تجنبا للمصادمات مع الأميركيين. وتفجر قتال الشوارع بين جيش المهدي والقوات الأميركية أيضا في مناطق أخرى من بغداد في الفترة الأخيرة، بما فيها مصادمات في منطقة الأمين يوم الخميس الماضي؛ وفيها استدعيت مروحيات الأباتشي لإيقاف إطلاق القنابل من قاذفات القنابل الكتفية. وفي اليوم اللاحق قتل جنود أميركيون ستة رجال الشرطة خلال غارة تم القبض فيها على ملازم شرطة يعتقد أنه يعمل مع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.

ويعزو آمرو الوحدات الأميركيون الكثير من أعمال العنف الحالية إلى ما سموه بـ«الجماعات الخاصة» أو «الخلايا السرية» من الميليشيات المدعومة من إيران، والتي تعمل بشكل مستقل مع أو ضد أتباع الصدر. لكن بشكل عام فإن الميليشيات تعمل كوسيط إجرامي تهدف إلى تحقيق مكاسب وربما يشكل موالو الصدر المعتدلون التحدي الأساسي للجنود الأميركيين الذين وصلوا إلى العاصمة في مارس(آذار) السابق كجزء من الزيادة المؤقتة في عدد الوحدات الأميركية، التي بادر بتنفيذها الرئيس الأميركي بوش.

سيطرة جيش المهدي لمنع إبادة السكان السنة، شنت الكتيبة الأولى سلسلة من الغارات لاعتقال قادة جيش المهدي. ولأن أتباع الصدر يسيطرون على وزارة الصحة ولهم قدرة للوصول إلى جميع مستشفيات بغداد، فإن الأميركيين يعزمون على فتح مستشفى يستقبل السنة في منطقة الفرات. وهناك خطة لإيصال الغاز للسنة الممنوع عليهم الذهاب إلى محطات الوقود. وأشار اللفتنانت كولونيل باتريك فرانك آمر الكتيبة، إلى أن متعاقدين عراقيين تم الاتفاق معهم أخيرا كي يزيلوا القمامة ويبنوا الأسيجة وينصبوا مولدات الكهرباء ويصلحوا أنابيب المجاري. وفي المناطق التي يشرف عليها الفريق القتالي في لواء المشاة الرابع خصص 74 مليون دولار لمثل هذه العقود.

وقال فرانك «يجب ان نكون هناك مع شركائنا في التحالف لنشرك السكان ونحقق تقدما في الخدمات الأساسية والمشاريع الرئيسية. ونحن نعرف ان بوسعنا ان ندير عملا مباشرا من الآن الى ان نعود» الى قاعدة الكتيبة بفورت ريلي في ولاية كانساس، مضيفا «لكن ذلك ليس الحل لنصر نهائي».

ففي الأحياء ذات الاغلبية الشيعية، خصوصا العامل والبياع، تولى جيش المهدي دور الحكومة المحلية، وفقا للجنود الأميركيين. وفي شوارع الرشيد الغربية يستولي اتباع الصدر على الخدمات الأساسية على نحو غالبا ما يسبب الضرر للسكان السنة.

وقال الكابتن تشارلز تيرنر، الذي يشرف على مشاريع اعادة الاعمار للكتيبة، ان «جيش المهدي يسلبهم السلطة بمعنى ما. فأنت تسير في الطرقات وتنظر هنا لتجد النور. وتنظر هناك لتجد الظلام. ويبدو الأمر على النحو التالي: نحن اكثر منكم عددا وبالتالي فاننا سنفعل ما نريد». وقال تيرنر انه «على امتداد مبان تسيطر عليها الميليشيات، نجد حافات الأرصفة مصبوغة والشوارع أنظف ولديهم مشاريع تجميل. وسيكون شيئا جيدا لو انه كان ايجابيا، لكنه ليس كذلك».

وقال الجنود الأميركيون انه من أجل تمويل عملياتهم يدير رجال الميليشيا الشيعة مشروعا يضم بيع أدوات السيارات المسروقة والتجارة بالأسلحة والاختطاف وابتزاز اصحاب المحلات. ومن بين مبادراتهم المربحة إرغام السنة على ترك بيوتهم ثم تأجير هذه البيوت والسيارات والأثاث لعوائل شيعية بأسعار مخفضة. واشتكت امرأة سنية في حي الجهاد مؤخرا الى الجنود الأميركيين من أن رجال الميليشيا الشيعة ارغموها على ترك بيتها واستخدموا فناء البيت لإطلاق قذائف مورتر.

كما يعتقد الجنود ان جيش المهدي يسيطر على محطات الغاز ليأخذ من الزبائن الشيعة المفضلين سعرا ثابتا بغض النظر عن الكمية المشتراة بينما يطرد السنة. وأحد مشاريع الجيش العراقي في المنطقة هو مراقبة محطات الغاز لمنع مثل هذا التمييز والفساد، وفي بعض الأحيان يلجأون الى إغلاق مؤقت للمحطات.

ويقدم الجنود الأميركيون مكافآت للسكان الذين يوفرون معلومات عن مستودعات الأسلحة أو دلائل اخرى على النشاط الاجرامي، ولكن جيش المهدي يقدم دعما أوسع، ومن المحتمل ان يبقى مؤثرا بعد أن يمضي الاميركيون.

شح في الناس الذين يقتلونهم القتال هنا مروع حيث عيون رجال الميليشيا في كل مكان على ما يبدو. وقد تصاعد وهبط العنف الذي تراقبه القوات الأميركية في الأشهر الأربعة التي قضتها في المنطقة، بدون ان تكون هناك اتجاهات واضحة؛ فقد ارتفع عدد العبوات الناسفة على الطرق الجانبية من 25 في مارس (آذار) الى 51 في ابريل(نيسان)، ثم انخفضت الى 49 في مايو (أيار) و32 في يونيو(حزيران). وبلغ عدد الهجمات بالبنادق 84 في مارس و152 في ابريل و113 في مايو و132 في يونيو. وانخفضت اعمال القتل الطائفي الى ادنى مستوى لها خلال الشهر الأربعة في شهر يونيو. ولكن تقلص العنف في المناطق التي يهيمن عليها الشيعة ليس مشجعا بالضرورة، وفقا لما قاله وينك. وقال انه «بما ان جميع السنة رحلوا فان أعمال القتل انخفضت، أي انهم يواجهون شحا في الناس الذين يمكن أن يقتلوهم».

وفي شوارع المدينة، التي بعضها مليء بالقاذورات ومياه المجاري والبعض الآخر مبلط، يبدو ان المقاتلين وزارعي القنابل عنيدون بالنسبة للأميركيين. فهناك بنايات في هذه الأحياء لا تتوجه اليها عربات همفي وبرادلي الأميركية المدرعة إلا خلال غارات محددة الأهداف، تنفذ عادة في الليل. ويتجنب الجنود الطرق الرئيسية ويسيرون عبر الشوارع الفرعية الوسخة للتخلص من القنابل التي يمكن لنيرانها أن تخترق العربات المدرعة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)