مجموعات انتحارية في أوساط يرقات «الملفوف» للدفاع عن نفسها ضد الحشرات

في دراسة جديدة للكشف عن النظام الدفاعي الكيميائي الطبع

اليرقات تحمي نفسها ضد الدعاسق بالعمليات الانتحارية («الشرق الأوسط»)
TT

اكتشف العلماء أخيرا أن بعض اليرقات (حشرات تمتص عصارة النبات) التي تعيش في نبات الملفوف هي من الحشرات الانتحارية التي تحافظ على جهوزيتها لمواجهة أي هجوم كاسح، بقنابل كيميائية ضد الحشرات أو للدعاسق (خنافس صغيرة مرقطة الجناحين)، ومن عادة عناصر الشرطة كما هو معروف تنفس الصعداء عند اكتشاف الخلايا الإرهابية النائمة، إلا ان علماء بريطانيا والنرويج في «امبيريال كولدج» في لندن، لم يتنفسوا الصعداء على غرار ما يفعل زملاؤهم من حماة المواطنين، بل صعقوا عندما اكتشفوا الظاهرة الطبيعية المحيرة، خلال احدى الدراسات الخاصة بالعلوم الطبيعية، إذ ان كل ما كانوا يعرفونه عن اليرقات هو انها تسخر النمل وتستغله لحماية نفسها من أي اعتداءات غريبة مقابل قليل من المن «المائيات التي تنعقد على الشجر عسلا وتجف كالصمغ»، ولم يخطر على بالهم انها تشكل فرقا انتحارية سرية لمواجهة المفاجآت.

وذكر تقرير خاص عن دراسة لـ«امبيريال كولدج»، ان اليرقات تضحي بنفسها عند أي هجوم عبر تفجير قنابل من زيت الخردل الذي تأكله، في وجه الحشرات او الدعاسق المهاجمة، مما يؤدي الى موتها او اعاقتها او نهيها وطردها. ويقول التقرير ان اليرقات التي تقوم بهذه المهمة تموت بعد عملية التفجير، مضحية بنفسها لأجل مصلحة جميع اليرقات.

ويعتقد العلماء ان سبب اللجوء الى التضحية بالذات لمصلحة المجموعة يعود الى كون معظم اعضاء مستعمرات اليرقات، مخلوقات مستنسخة عن بعضها البعض وبالتالي فإن التضحية بالذات ليس لها وقع كبير على التركيبة الجينية لليرقات. وأوضح العلماء ان اليرقات عندما تأكل ورقات نبتة الملفوف تستهلك المواد الكيميائية الموجودة في شرايين تغذية النبتة والتي تسمى «غلوكوسينولاتس». وعندما يتم أكل هذه المواد وهضمها يتم تخزينها في دم اليرقات. وكما تفعل النباتات، تقوم اليرقات بانتاج «انزيم» يدعى «ميروسينيس» يتم تخزينه في عضلات صدورها ورؤوسها في إطار التحضير والاستعداد لأي هجمات غريبة. وعندما تحصل الهجمات يحصل تفاعل كيميائي عنيف بين الـ«ميروسينيس» في العضلات والـ«لوكوسينولاتس» في الدم، يؤدي الى اطلاق زيت الخردل القاتل.

وقد تم تأكيد الاكتشاف عبر السيطرة على غذاء مجموعات مختلفة لليرقات، إذ وجد العلماء ان اليرقات الغنية بمعدلات عالية من الـ«غلوكوسينولاتس» اكثر نجاحا من غيرها في صد المعتدين.

وبينت الدراسة ايضا ان اليرقات التي تنمو لها اجنحة يقل عندها معدل تخزين مادة الـ«لوكوسينولاتس» وبالتالي تراجع القدرة على الحرب والقيام بالعمليات الانتحارية ضد كيد المعتدي. ولذلك تبقى مهمة حماية مستعمرة اليرقات، لليرقات عديمة الأجنحة «evicoryne brassicae» التي تخزن كميات كبيرة من المادة الكيميائية الدفاعية الخطيرة والمهمة.

وتعتبر الدراسة التي تجريها الـ«امبيريال كولدج» هي الاولى في نوعها لإثبات قدرة اليرقات على وضع اساس لنظام دفاع كيميائي الطبع.

ويقول الدكتور غلين باول في قسم البيولوجيا: «إن دراستنا تظهر ان اليرقات التي تنمو لها اجنحة تتوقف عن تخزين هذه المادة الكيميائية في دمائها خلال عملية نموها، لأنها لا تحتاج للدفاع عن نفسها ضد هجوم غريب ما دامت لا تستطيع الطيران»، وهذا مثال عظيم على كيفية تأمين الأنواع سبل وطرق مبدعة او خلاقة لحماية نفسها مهما كانت الظروف».