«توت».. فنان مصري على خطى اجداده الفراعنة

رسوماته ونقوشه وتماثيله المقلدة غزت أوروبا

نقوش من معبد أتون في منطقة سقارة («الشرق الأوسط»)
TT

كانت التماثيل من أهم العلامات المميزة للفن المصري القديم، وكان للتمثال مهمة أساسية في المقبرة عبر العصور الفرعونية، وهي تمكين الروح من التعرف على ملامح الشخص المتوفى، فلا تخطئه في الدار الآخرة.

وقد ازدهر فن الرسم والنقش البارز والغائر بمصر القديمة؛ كما تشهد بذلك جدران المقابر والمعابد. وقد تعامل الفنان مع الجدران باعتبارها سطوح رسم ونقش، وحاول استثمار كافة المساحات المتاحة. ولم يكن الرسم عمل فنان منفرد؛ لأن أعمال الرسم والنقش في مصر القديمة كانت تنفذ على ثلاث مراحل، وبإسهام عدة فئات من الفنانين ولكل من هؤلاء مجال خبرته وتخصصه.

ففي المرحلة الأولى كانت ترسم الخطوط الرئيسية الأولية، التي تعطي ملامح الشكل ويبدأ التلوين في المرحلة الثانية؛ بداية بالمساحات الأعرض والتقدم نحو تلوين تفاصيل الرسم، ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة، وفيها ترسم الخطوط الدقيقة التي تعطي التفاصيل.

وعلى خطى أجداده الفراعنة سار الفنان المصري الطيب إبراهيم علي فرج الشهير باسم «توت»، الذي تخصص في نحت اللوحات والتماثيل والأواني والتمائم وكثير من الأدوات التي استخدمها المصري القديم في حياته اليومية وما أعده لحياته في العالم الآخر، وذلك في دقة وإتقان شديدين.

وسبب ذلك قلقا متواصلا لعلماء المصريات الأجانب، ومشاكل متكررة لمديري المتاحف في العواصم والمدن الأوروبية، والذين سقطوا بين ضحايا إتقان «توت» لفنون أجداده الفراعنة وبراعته في تقليدهم بشكل يصعب اكتشافه، حيث اقتنت العديد من المتاحف الأوروبية قطعا فنية فرعونية نحتتها ونقشتها أنامل «توت»، وعرفت طريقها وسط مقتنيات تلك المتاحف، باعتبارها قطعا أثرية يرجع تاريخها إلى عهود الفراعنة.

وقد تسببت الحرفية والبراعة العالية، التي يتمتع بها الطيب إبراهيم، في وقوع الكثيرين ممن يقتنون منحوتاته الفنية الفرعونية في قبضة رجال الشرطة، وتسببت أيضا في إفساد العديد من قضايا حيازة الآثار، التي ضبطتها الشرطة، لأنه سرعان ما قدم الأدلة والشواهد التي تؤكد أن تلك المضبوطات الأثرية نحتها ونقشها بأصابع يديه لتبرئة ساحة عملائه ومقتني أعمالة الفنية. وأكد توت، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، أنه يحس بالحجر ويشعر به ويتحدث إليه، وأن هناك لغة دائمة بينه وبين أحجار تماثيله ومنحوتاته، وأنه يطيل النظر في الحجر بين يديه، وبعد حديث هامس معه يقرر بعدها صلاحية هذا الحجر لصنع تمثال أو نقش لوحة. ويضيف أن عينيه هما بمثابة كاميرا يستخدمها في تصوير القطع الأثرية الأصلية داخل مخيلته ليعيد نحتها ونقشها وتلوينها، صانعا منها قطعة أثرية أخرى يصعب التفريق بينها وبين الأصل، الذي كان قد التقط صورته بكاميراته، ويقصد بذلك عينيه. ويروي بدايات مسيرته مع نحت ونقش اللوحات والتماثيل المصرية القديمة بأنه قضى أيام طفولته في اللهو بين معابد ومقابر ملوك وملكات الفراعنة غرب مدينة الأقصر بصعيد مصر، فكان مهوسا بما تركه أجداده الفراعنة من تماثيل ولوحات ونقوش تحتفظ بألوانها، على الرغم من مرور آلاف السنين على نحتها ونقشها وتلوينها. وكان توت يفكر كثيرا في كيفية تمكن الفراعنة من ذلك، على الرغم من افتقادهم للوسائل الحديثة من كهرباء ومحركات ورافعات وغير ذلك، وكان يحلم بتقليدهم والسير على خطى هؤلاء الفنانين الفراعنة، الذين أبدعوا معالم أعظم حضارة عرفتها الإنسانية جمعاء.

ويقول توت إن عمل والده في تجارة الآثار خلال الستينات والسبعينات، وحتى الثمانينات من القرن الماضي، ساعده في تحقيق حلمه والتمكن من السير على خطى أجداده من فناني مصر القديمة، حتى صار نحت ونقش اللوحات والتماثيل هي عمله الأوحد ومصدر رزقه، حتى أصبح مسار حديث وسائل الإعلام والأوساط المهتمة باقتناء التحف والقطع الأثرية في أوروبا.

والطريف، كما يروى توت، أن رابطة تجار الآثار بإنجلترا أصدرت مطبوعة خاصة وضعت صورته على غلافها وحذرت فيها محبي الآثار المصرية من خطورة التعامل معه، ووصفته بأنه مزور خطير لمعالم وآثار التاريخ المصري. وعن التمثال الأشهر الذي نحته ولم يستطع نسيانه، قال توت إنه تمثال أوشابتي لابن رمسيس الثاني صنع منه آلاف القطع التي غزت أوروبا، واقتناها المئات من تجار الآثار ومقتني التحف الفنية، على أنها قطع أثرية نحتتها أيدي الفراعنة قبل آلاف السنين. وكان فن النحت قد ازدهر في الدولة القديمة والوسطى والحديثة، وأثمر عددا من التماثيل بأنواع مختلفة واستخدم المصريون حجم التمثال للتعبير عن الوضع الاجتماعي.

فحجم تمثال الفرعون كان يفوق الحجم الطبيعي، ويزن أحيانا عدة أطنان وكانت تماثيل الكتبة وموظفي البلاط بالحجم الطبيعي تقريبا، وأما تماثيل الخدم والعمال فكانت رغم دقتها العالية، أصغر حجما؛ ولا يزيد ارتفاعها في العادة على 50 سنتيمترا. وقد أظهرت تلك التماثيل الخادم في أوضاع العمل المختلفة، إضافة إلى تماثيل الشوابتي بالغة الصغر التي لا يزيد ارتفاعها على بضعة سنتيمترات، وهذه يستدعيها صاحبها في الدار الآخرة، لكي تؤدي عنه العمل الصعب، الذي لا بد أن يقوم به، وكان هناك 365 من هذه التماثيل الصغيرة «الأوشابتي» أي بعدد أيام السنة.

وبالقدر الذي كانت فيه «الأوشابتي» من أهم العلامات المميزة للفن المصري القديم، كان لفن الرسم والنقش البارز والغائر نفس القدر من المكانة والتميز.